-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
وثائقي بمشاهد حية وغير مسبوقة حول "الحركى"

الفرنسيون يبحثون عن مبررات لتبييض ماضيهم في الجزائر

محمد مسلم
  • 2263
  • 0
الفرنسيون يبحثون عن مبررات لتبييض ماضيهم في الجزائر
أرشيف

واصل الفرنسيون النبش في تاريخ صفحاتهم المظلمة في الجزائر، وجاء الدور هذه المرة على إحدى الفئات من ضحايا الاحتلال الفرنسي، وهم “الحركى” الذين ابتزتهم فرنسا الاستعمارية، قبل أن تتخلى عنهم في مشهد يفتقد إلى أبشع الاعتبارات الأخلاقية.

“الجرح.. مأساة الحركى” هو عنوان لوثائقي حول ما يسميه الفرنسيون “حرب الجزائر”، والحرب التحريرية في الأدبيات الجزائرية، بث ليلة الأحد إلى الاثنين على القناة العمومية الفرنسية الخامسة (فرانس5)، تعرض إلى مصير فئة “الحركى”، وهم الجزائريون الذين قرروا رفع السلاح إلى جانب فرنسا ضد إخوانهم وبني جلدتهم إبان الثورة.

الوثائقي من إنتاج إيزابيل كلارك ودانيال كوستال، وقد حاول البحث في الأسباب التي دفعت هذه الفئة من الجزائريين، والتي قدرت حسب الروايات الفرنسية بنحو 200 ألف مجند، إلى حمل السلاح ضد الثورة التحريرية ما بين 1954 و1962.

الصور التي تضمنها هذا الوثائقي، تعتبر مشاهد حية مسربة من الأرشيف الفرنسي الذي يعود إلى مرحلة الثورة التحريرية والذي لم يسبق الاطلاع عليه، غير أن التعليق حمل الكثير من المغالطات والتضليل فيما يتعلق بنضالات الجزائريين وإصرارهم على الانتصار على أعتى قوى استعمارية في ذلك الوقت، وإن حاول إنصاف هذه الفئة التي خدمت فرنسا وخذلت وطنها عندما كان في أمس الحاجة إليها.

من بين المغالطات التي حاول هذا الفيلم الوثائقي تعميمها، أكذوبة يرددها الكثير من الفرنسيين والقليل من المخدوعين في الجزائر، والتي مفادها أن فرنسا انتصرت على الجزائر عسكريا، غير أن جبهة وجيش التحرير ومن ورائهما الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية، حولت هذه “الهزيمة العسكرية”، على حد زعمهم إلى انتصار سياسي بفضل تواطؤ الجنرال شارل ديغول، تكلل في الأخير بالحصول على الاستقلال.

مثل هذه المغالطة لا تجد طريقها إلى قناعة لدى أي عاقل، لأن العالم كله يدرك أن الجزائريين تمكنوا من كسر قوة فرنسا العسكرية رغم بشاعة الجرائم وحرب الإبادة التي ارتكبتها في حق الجزائريين، وذلك بعد أن منحت الاستقلال لدول عدة منها المملكة المغربية وتونس إضافة إلى دول من إفريقيا السوداء في العام 1956، من أجل تجميع قواها وتركيزها في الجزائر، للقضاء على الثورة ومع ذلك فشلت.

النقطة الثانية التي حاول هذا الوثائقي إبرازها، وهي ذات بعد إنساني وأخلاقي، وتتمثل في المصير الذي لقيه الآلاف من الذين تعاونوا مع الجيش الفرنسي من الجزائريين (الحركى)، بعد وقف إطلاق 19 مارس 1962، والذي امتد إلى ما بعد إعلان الاستقلال في الخامس من جويلية من السنة ذاتها، وكان اللافت فيها الكيفية التي تعاملت بها الجزائريون مع “الحركى”، والتي حاول الطرف الفرنسي، استغلالها لإحداث التوازن في المجال الأخلاقي بين ما فعله جيش الاحتلال بحق الجزائريين، وبين ما تعرض له الحركى.

هذه المعادلة يتناقض فيها الفرنسيون أنفسهم، برأي الكثير من دارسي التاريخ، لأن الممارسات التي يقولون إن الحركى تعرضوا لها قبل وأثناء وبعد الاستقلال، كانوا قد مارسها الفرنسيون بحق الماريشال بيتان وأتباعه فيما عرف بـ”حكومة فيشي” التي تعاملت مع ألمانيا النازية في الحرب العالمية الثانية.

وتبقى مسألة الحركى قضية فرنسية خالصة برأي الطرف الجزائري، لأن سلطات الاحتلال هي التي سلحتهم وورطتهم وألبتهم على إخوانهم من خلال مشروعها التدميري القائم على سياسة فرق تسد، وعندما حانت الحقيقة تخلت عنهم، وصدت الأبواب في وجوهم، وحتى أولئك القلة الذين هربوا إلى فرنسا، تم وضعهم في “غيتوهات” لا ترقى لأن تكون مأوى لآدميين.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!