-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
في حوار مع الشروق أونلاين:

المؤرخ فابريس ريسيبوتي: حزب لوبان هو “الثمرة السياسية المسمومة لحرب الاستعمار الفرنسي في الجزائر”

حاوره ماجيد صرّاح
  • 323
  • 0
المؤرخ فابريس ريسيبوتي: حزب لوبان هو “الثمرة السياسية المسمومة لحرب الاستعمار الفرنسي في الجزائر”
أرنو كاستانيي
المؤرخ فابريس ريسيبوتي.

المؤرخ فابريس ريسيبوتي باحث مشارك في معهد تاريخ الزمن الحاضر التابع للمركز الوطني الفرنسي للبحث العلمي، وعضو في هيئة تحرير موقعي histoirecoloniale.net و1000autres.org حول الاختفاء القسري الذي مارسه الجيش الفرنسي على نطاق واسع في الجزائر العاصمة عام 1957 ؛ وهو مؤلف كتاب حول  مجازر 17 أكتوبر 1961*.

يحدثنا في هذا الحوار عن كتابه الأخير الذي صدر قبل أمس، الجمعة 19 جانفي، حول ممارسة جان ماري لوبان للتعذيب في الجزائر العاصمة عام 1957**.

الشروق أونلاين : هل يمكنك أن تقدم لنا محتوى كتابك الأخير عن جان ماري لوبان والتعذيب في الجزائر، وتخبرنا بما دفعك لكتابة هذا المؤلف؟

فابريس ريسيبوتي : وأنا أستمع في “فرانس إنتر” في مارس 2022 لتأكيد أن “لوبان وبدون شك لم يمارس التعذيب في الجزائر العاصمة عام 1957“، أدركت أن آخر ما تم الكشف عنه حول هذا الموضوع يعود إلى أكثر من 20 عامًا، وأنه لم يقم أحد بجمع وتحليل جميع الوثائق المتراكمة من 1957 إلى 2002، من هذا الملف المدين والذي لا يترك للمؤرخ أدنى شك. وهو ما قد يفسر جهل هذه الوثائق أو نسيانها. وفي سياق سياسي فرنسي نجح فيه التجمع الوطني، الاسم الجديد للجبهة الوطنية، إلى حد كبير في “نزع الشيطانية” عنه وبذل كل ما في وسعه لمحو جذوره السياسية والأيديولوجية.

لذلك توليت هذا الملف بأكمله. وقد قمت بإعادة بناء ما يمكن أن يكون، على الرغم من صمت لوبان وأكاذيبه، من إقامة الأخير بين نهاية ديسمبر 1956 و31 مارس 1957 في الجزائر العاصمة. وهذا يعني أنه خلال الأشهر الأولى من “معركة الجزائر العاصمة” التي أفضل أن أسميها “القمع الكبير في الجزائر العاصمة”، والتي كنت أعمل عليها منذ عدة سنوات مع المؤرخة مليكة رحال، لا سيما حول الاختفاء القسري الذي كان يمارس على نطاق واسع من قبل الجيش الفرنسي، من خلال موقع 1000autres.org الذي يجمع شهادات عائلات المفقودين. وأود أن أغتنم هذه الفرصة لأدعو قرائكم لزيارة هذا الموقع، ومساعدتنا، إذا لزم الأمر، في إعطاء وجه وقصة للأسماء الـ 1500 للمفقودين المنشورة هناك.

غلاف كتاب فابريس ريسيبوتي حول ممارسة جان ماري لوبان للتعذيب في الجزائر، الصادر في 19 جانفي 2024.

ما هي المصادر التاريخية التي استعنت بها لإنجاز هذا التحقيق؟

لم يكن لوبان سوى جلاد واحد من بين كثيرين آخرين ولم يعمل إلا لمدة شهرين ونصف في الجزائر العاصمة، لكن هناك مصادر عديدة نسبيًا في قضيته، نظرًا لكونه نائبا في ذلك الوقت. لم أتمكن من الوصول إلى الملف العسكري الشخصي للوبان. لكنني وجدت في أرشيفات فوجه، “القبعات الخضراء” للفوج الأول للمظليين الأجانب، تفاصيل حول السياق. ومع ذلك، لم يترك الجنود أبدًا سجلات مكتوبة عن التعذيب والإعدامات بإجراءات موجزة، والتي ظلت جرائم في نظر القانون الفرنسي، حتى لو شجعتهم الحكومة على ارتكابها. لذلك، استخدمت بشكل أساسي الشهادات المباشرة الخمسة عشر لضحاياه التي نُشرت بالفعل في الصحافة من عام 1957 إلى عام 2002. و قارنت تلك الشهادات بما نعرفه عن السياق وأنشأت سردًا زمنيًا لأفعاله التي رسمت لها أيضا خريطة.

برأيك، كيف أثر ماضي جان ماري لوبان الاستعماري على الأفكار التي روّج لها حزب الجبهة الوطنية، وهو الحزب الذي كان أحد مؤسسيه عام 1972، والذي أوصل ابنته مارين مرتين إلى الدور الثاني في الرئاسية الفرنسية ؟

الجبهة الوطنية، التي أصبحت فيما بعد التجمع الوطني، هي الثمرة السياسية المسمومة الرئيسية لحرب الاستعمار الفرنسي في الجزائر. سمح الدفاع عن “الجزائر الفرنسية” لليمين المتطرف الفرنسي باستعادة صحته السياسية، على الرغم من أنه كان هامشيًا للغاية منذ عام 1945. ومنذ السبعينيات، نجح لوبان في إعادة تنشيط كراهية العرب وكراهية الإسلام الاستعمارية، وواصل في الخيال الحرب الخاسرة في الجزائر من خلال الإشارة إلى “المهاجر”، وخاصة العربي والمسلم، على أنه العدو الداخلي، وذلك من خلال تعبئة الأحكام المسبقة التي صنعها الاستعمار. وهنا نجد أصل النظرية العنصرية المتمثلة في “الاستبدال العظيم” والتي أصبحت رائجة اليوم. ولكن في فرنسا، إذا كنا عادة ما نتذكر أصوله (اليمين المتطرف) المرتبطة بالتعاون مع المحتل النازي ومعاداة السامية، فإننا نهمل هذه الرحم الاستعماري الذي خرج منه. لأن اليمين المتطرف ليس الوحيد الذي شارك في الاستعمار. وهذا هو الحال أيضًا بالنسبة للتيار الاشتراكي (تيار غي موليت، أو روبرت لاكوست، أو فرانسوا ميتران) والتيار الديغولي. فقبل أن يقرر التفاوض أخيرًا مع جبهة التحرير الوطني، قاد ديغول في الواقع أقسى سنوات الحرب، وخاصة حرب خط شال. ولم يقم أي من هذه التيارات بجرد نقدي لهذا الماضي المخزي.

هذا ليس كتابك الأول ولا مشروعك الأول عن الماضي الاستعماري الفرنسي. هل تعتقد أنه لا تزال هناك حاجة لمزيد من الدراسات لكشف ما عاشه الجزائريون خلال الفترة الاستعمارية؟

سوف يكون لزاماً على فرنسا عاجلاً أم آجلاً أن تتخذ موقفها المناهض للاستعمار، بعد أن اعترفت بتواطؤها في الإبادة الجماعية النازية لليهود في أوروبا أو بالطبيعة الإجرامية للعبودية. وتسير دول أوروبية أخرى على هذا الطريق. ومع ذلك، على الرغم من الأعمال التاريخية العديدة، فإنها لا تزال في حالة إنكار. ومن ثم، فإننا نسمع كثيرًا عن نظرية “الأخطاء المشتركة” التي تريح الضمير الإستعماري المعهود لدى فرنسا. إن العنف الذي مارسته جبهة التحرير الوطني للحصول على الاستقلال وذلك العنف الذي مارسته دولة مهيمنة، والذي تم ارتكابه على نطاق لا يضاهى – مجرد إحصاء القتلى يوضح ذلك – لخنق تطلع شعب إلى الحرية، يوضع بشكل سخيف على نفس المستوى. لأنه لم تكن أي حكومة حتى الآن قادرة على الاعتراف رسمياً بأن الاستعمار في حد ذاته كان مشروعاً للهيمنة والاستغلال على أساس العنصرية التي لا يمكن الدفاع عنها اليوم.

في عام 2017، أعلن إيمانويل ماكرون أن الاستعمار “جريمة ضد الإنسانية”، لكنه تراجع بعد انتخابه عن هذه التصريحات. ما سبب هذا التغيير حسب رأيك ؟

نعم، لقد فعل ذلك في الجزائر العاصمة، وليس في باريس، حين كان يبحث عن الدعم كمرشح في الانتخابات الرئاسية. وكان يعلم أيضًا في ذلك الوقت أن جزءًا كبيرًا من المجتمع الفرنسي، وخاصة الشباب، سوف يغريه هذا الإعلان. وبمجرد انتخابه، أصيب أولئك الذين كانوا يأملون في ظهور الوضوح أخيراً بخيبة أمل. كانت هناك جرأة نسبية في عام 2018، مع الاعتراف بمسؤولية فرنسا في اغتيال موريس أودان ووجود “نظام” إرهابي في الجزائر العاصمة في عام 1957 (وهو الأمر الذي بالكاد تم ذكره). ثم، على هذا المستوى التذكاري، كما هو الحال على المستويات السياسية الأخرى، كان الاتجاه نحو مغازلة الرأي الأكثر رجعية في المجتمع، والاقتصار على خطوات رمزية الغير كافية، ولكن تجنب الاعتراف بالجرائم الاستعمارية المرتكبة في الجزائر وغيرها من المستعمرات الأخرى وإدانتها.

هل سيكون كتابك متوفرا في المكتبات في الجزائر؟

نعم، وأنا سعيد جدًا بذلك. وستصدره في وقت قريب دار النشر المتميزة “البرزخ”.

___________

* “Ici on noya les Algériens, Editions Le Passager clandestin, 2021″.

** “Le Pen et la torture. Alger 1957, l’histoire contre l’oubli, Editions Le Passager clandestin, 2024″

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!