-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
باحث في الاستراتيجيات يحلل ظاهرة انتشارها

المخدرات تتحول إلى سلاح استراتيجي قاتل

نادية سليماني
  • 941
  • 0
المخدرات تتحول إلى سلاح استراتيجي قاتل
أرشيف

اعتبر الباحث في الدراسات الاستراتيجية وبناء السلم، نبيل كحلوش، أن المخدرات تعبث بنظام العقل والواقع معا، وأنها انحرفت من الاستعمالات الطبية الشرعية إلى الاستعمالات القاتلة غير الشرعية، ما جعله يصفها بالاستثمار الشيطاني العالمي لـ “تغييب العقل”.
في لقاء للباحث المختص في دراسة مختلف الظواهر الاجتماعية، وتأثيرها على النظم السياسية، مع “الشروق”، أكد أن العقل البشري يشكل نقطة القوة المركزية لأي نشاط اجتماعي وحضاري للإنسان، وتتجلى قوته في مدى وعيه بنفسه وواقعه من حوله. لذلك، فإن العقل “يصنع ويؤثر في الواقع، بمقدار فهمه وإدراكه لمكوناته والعلاقات التناسبية التي تحكمه، وبقدر ضعفه كانت سلوكيات الإنسان أكثر اضطرابا وفوضوية مما يتسبب في انهيار ذلك الواقع وللنظام الطبيعي القائم فيه”. ومن هذا المنطلق، فإن العقل، بحسبه، هو خط مقدس لا يجوز المساس به وانتهاك حرمته بأي شكل أو وسيلة.

المخدرات.. من بدايات طبية إلى إدمان لغير المرضى
ويشرح كحلوش تطور ظاهرة تعاطي المخدرات، التي بدأت كتركيب بيوكيميائي ذي تأثير مباشر على بعض الوظائف المحددة للدماغ والجهاز العصبي ككل. فالمخدرات نشأت في خضم تجارب طبية، لأغراض صحية بحتة بين القرن 19 و20 . كما كانت تستعمل لتخدير المرضى قبل العمليات الجراحية. ومع مرور الوقت، انحرفت الاستعمالات المشروعة لأنواع المواد المخدرة الطبية، إلى استعمالات غير مشروعة، ما أنتج ظواهر غير متوقعة، تحولت إلى واقع قائم بذاته.
وقال بأن تعاطي المخدرات انتقل من الفئات المريضة إلى الأصحاء، والأخيرة تحولت إلى الإدمان. وارتفاع نسبة الإدمان، أدى إلى ارتفاع الطلب على الاستهلاك، وهو ما نجم عنه نمو للنشاطات التجارية غير الشرعية. وهذا ما يسمى بـ “الدورة القاتلة” للمخدرات، أو أسلوب قتل منهجي للمجتمعات.

المدمن.. عضو يؤدي عكس وظيفته الاجتماعية
ويؤكد الباحث أن للمخدرات ثلاثة مستويات أساسية تعمل على تفكيك المجتمعات ونخرها. المستوى الاجتماعي، بحيث إن انتشار المخدرات لدى فئات واسعة ثم تحويلها إلى الإدمان، يعني “إضعافا للقوى الاجتماعية النشطة في المجتمع، وتحويلها من حالتها الطبيعية إلى حالة مَرَضية”، إضافة إلى قتل القوى النفسية لدى المدمن، ليصبح في تبعية شديدة للمسيطرين على هذه التجارة.
وهو ما يؤدي إلى فقدان المجتمع، شيئا فشيئا لقدراته على الإدارة العقلانية لنفسه، بسبب تحول كل فرد مدمن إلى عضوٍ يؤدي عكس وظيفته الاجتماعية. إذ يتحول ولاء الفرد من الأسرة إلى تاجر المخدرات، وإنفاقه من الاستثمار أو الادّخار إلى الاستهلاك المطلق، وتركيزه الأولويات إلى المحظورات، وسلوكياته من القيم العقلانية إلى الغريزة العمياء.
كما ينعكس تعادي المخدرات سلبا، على المستوى الاقتصادي، بعدما تحولت المخدرات إلى تجارة عابرة للدول والقارات، وباتت منظومة اقتصادية قائمة بذاتها. وتتورط العديد من الدول والحكومات في إنتاجها وتهريبها، سواء لاستخدامها كمصدر من مصادر الكسب المالي غير المشروع، أم كسلاح ضد جيرانها ومنافسيها الإقليميين.
وقال الباحث: “الاقتصاد القائم على المخدرات، هو اقتصاد في حالة انتحار داخلي بطيء لكنه مضمون. فهو اقتصاد هش له قابلية عالية على التأثر تأثُّراً شديدا، بأي نوع من أنواع التغيرات الأمنية والحدودية، وكذا هو اقتصاد معرض دوما لفقدان رأس المال البشري، بسبب غياب التأمين والضمان الاجتماعي القانونيَّين من جهة، وبسبب الآثار الصحية الخطيرة على العمال في المجال “.
أما على المستوى الأمني، فإن السلم لا يتأسس إلا بتحجيم أسباب غيابه. والمخدرات من أسباب غيابه. إذ كلما ترسخ حضور المخدرات تناقص حضور الأمن والعكس صحيح. والسؤال المرطوح، حسبه، ماذا لو وجدت المخدرات لنفسها فضاء آمنا؟
وأشار المتحدث إلى أن بعض الدول أصبحت تستخدم، أي وسيلة كانت من وسائل “القوة الصلبة” أو “القوة الناعمة”، لضرب أمن نظيراتها من الدول الأخرى. ويمكن الاستنتاج منطقيا أن ترويج المواد المخدرة في مجتمع ما، هدفه الأساسي هو إيصاله لمرحلة من عدم الأمان الداخلي، يصبح فيها غير قادر على “حماية نفسه من نفسه”. وهذه تعتبر من أعلى درجات المهارة الاستراتيجية التي تجعل الخصم يُغلَب بأدنى تكلفة ممكنة وعلى يديه فقط.
ومن خلال ما تقدم، يستنتج الخبير أن المخدرات تعتبر سلاحا استراتيجيا قاتلا، من خلال ضربها للمنظومة الاجتماعية وتفكيك علاقاتها الإنسانية، وتعطيل الدور الطبيعي للفرد وقلب أدائه عكسيا ليتحول ضد وظيفته الفِطرية. وإقحام الاقتصاد الوطني في حالة انتحار داخلي بسبب المفارقات الجوهرية التي تحدثها في شبكة علاقاته الداخلية، إضافة إلى توريط الدولة في حالة صدام داخلي، يوصلها إلى الإرهاق الأمني بفعل تنامي التهديد واللاأمن وتضاؤل الاستقرار.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!