النرجسي الخفي.. كيف يتم التعامل مع الأذى الذي يتسبب فيه؟

الانجذاب المفرط إلى طرف آخر، في بداية العلاقة، لم يعد أمرا مبشرا بالخير، في نظر الخبراء الذين أكدت دراساتهم المتواصلة وجود كم هائل من البشر ذوي شخصية نرجسية خفية، تجعله يبدو الشريك المثالي، في بداية العلاقة، وبمجرد تجاوزه “مرحلة التوهج”، التي يكون فيها النرجسي الخفي ثقة وارتباطا قويا مع الضحية، ينتقل لعيش حقيقته المريبة، التي لا يمكن أن تسفر إلا عن علاقة سامة مستهلكة ومدمرة.
من يكون هذا الوحش المتنكر؟
ضعفه، وحساسيته المفرطة، تجعل النرجسي الخفي دائم البحث عن المدح والثناء والتمجيد، ولو بإجازات الشريك، العائلة أو أي شخص يربط انتماءه به، لأنه غالبا يكون فاشلا غير ذي إنجازات مبهرة، من هنا يحدد الأخصائيون النفسيون اختلافه عن النرجسي العلني، الذي يكون دائم التباهي بنفسه ويضخم أبسط إنجازاته.
يستعمل النرجسي الخفي عدة طرق خاصة للوصول إلى مبتغاه من الطرف الآخر، وخاصة الشريك العاطفي، أين يمارس عليه الإهمال القسري، بعد اهتمام جنوني مؤقت، إذ يمكن أن يعتمد الصمت العقابي لفترات طويلة جدا دون ملل، ينطوي ويزرع تأنيب الضمير في ضحيته بلبس دور الضحية، وبمهارته في التلاعب بالأحاسيس، يستطيع النرجسي الخفي أن يشعر الآخر بالضيق، ويضغط عليه بقوة، دون أن يفتعل أي مشكل ظاهر. وهذا، ما يجعله صعب التشخيص. تؤكد الأخصائية في علم النفس، نادية جوادي: “يستغرق الأمر مع البعض أكثر من عشر سنوات لاكتشاف حقيقته، وخلال هذه المرحلة يكون الشريك النرجسي الخفي قد قطع أشواطا طويلة في التلاعب النفسي..” تضيف الأخصائية: “يؤسفنا القول إنه إلى غاية اكتشاف شيفرات تعامله وفك رموز تصرفاته واستيعاب تناقضاته المتعمدة والمتسلسلة، يكون النرجسي الخفي عادة قد تسبب في إغراق ضحيته داخل بئر عميقة من الاضطرابات النفسية من اكتئاب، وتوتر، وأحيانا، حتى أمراض عضوية يتسبب فيها الضغط وإهمال الذات، نتيجة قلة التقدير، فنرجسيته المرضية تجعل هذا هدفه في الحياة، وتمنحه الشعور بنشوة قدرة التحكم الكامل في أحد البشر”.
هكذا يصطاد
يبحث النرجسي الخفي عن الشريك الذي يراه أعلى منه مستوى اجتماعيا وثقافيا، ويظهر له كل التقدير في البداية، قبل أن ينغمس في محاولة تدمير مكانته وصفاته الإيجابية التي اختاره لأجلها في الأساس، من أجل أن يصنع منه الشماعة التي يعلق عليها فشله وضعفه.. يذكر الأخصائيون أن النرجسي الخفي يشعر باستحقاق غير طبيعي يجعله يمتنع عن العطاء أو يقدم القليل جدا، مقابل ما ينتظره من الطرف الآخر. لهذا، في بداية العلاقة، يلقي على الشريك مسؤوليات مادية ومعنوية وأشغالا ليست من صلاحياته، ويمجد ذلك بالكثير من الامتنان، حتى يعتاد الطرف الآخر على تقديمها له، فيبدأ في محاسبته عليها لاحقا، على أنها واجبات يجب عدم إهمالها.
هل يجب الابتعاد عن الشريك الذي تثبت نرجسيته الخفية؟
يعد الابتعاد حلا آمنا، لكنه لا يكون صالحا اجتماعيا في كل الحالات، لأن الطلاق بعد سنوات طويلة من الزواج مثلا، قد يؤدي إلى ضرر على الأطفال أكبر من عيشهم مع أم أو أب نرجسي، مع أن دراسات الخبراء تثبت أن النرجسي الخفي يبني قوته من العلاقات الاجتماعية الكثيرة الزائفة أحيانا، ولعب دور الصديق، الأم أو الأب المثالي.. ما يجعله يتقن ذلك فعلا.. وهنا، يتساءل الكثيرون عن الحل للحد من ضرر العلاقة معه؟ تجيب الأستاذة مريم بركان، خبيرة نفسية واجتماعية: “هنا، يظهر أثر الوعي والتعلم، فالدرع ضد أثر النرجسي الخفي لا يكون إلا فهم طبيعة تصرفاته، وتكتيكاته في التعامل مع المواقف المختلفة حتى يتسنى للشريك الوصول إلى آلية دفاعية مناسبة لصد الأذى النفسي الذي يتسبب فيه..” وتحذر الخبيرة: “هذا لا يعني تسليط الاهتمام الكامل لتحليل كل تحركاته، على العكس تماما، إذ يجب الانشغال عنه وعدم إعطائه الاهتمام والإجلال الذي يتوق إليه لتغطية ضعفه أمامك، بالانفصال عنه باطنيا، من خلال البحث عن اهتمامات غير مشتركة، وتحقيق إنجازات شخصية ليس له يد فيها، ما يمنعه من استعمالك كتاج وقار له”.