بكالوريا “خيّر واختار”!
الآن، فقط، يُمكن للتلاميذ اختيار الأسئلة قبل الامتحانات، بل واشتراطها على معدّيها، وضمان الحصول عليها مرفقة بالإجابات، وإلاّ ما الذي يُمكن تفسير “الاستفتاء” أو “سبر الآراء” أو “الاستطلاع” الذي أطلقته وزارة “التغبية” من أجل معرفة آراء ورغبات المترشحين لشهادة البكالوريا، فيما يخصّ التاريخ المناسب لهم، إن كان قبل رمضان أو بعد العيد!
ولأن الأمر يتعلق فعلا بقنبلة غبية، فقد انقسم التلاميذ وأولياؤهم، بين مرحب ورافض، ومستغرب ومتردّد، مثلما انقسم الأساتذة وانشطرت النقابات، فأهلا وسهلا بهذا الاختراع الجديد، الذي يُمنح فيه الحقّ في تحديد تاريخ البكالوريا وما أدراك ما البكالوريا للمترشحين، وقد يتعادل في ذلك، تلاميذ “البيام” وأيضا تلاميذ “السانكيام”، وتتحوّل المدرسة إلى “سوق” مفتوح للاختيار واحترام رأي “الزبون” عملا بالمثل القائل “الزبون ملك”!
قد يقول أصحاب الاستفتاء في وزارة التربية: “والله حرنا فيكم.. درنا ألـّي في راسنا زعفتو علينا، شاورناكم ما سلكناش”).. لكن الذي ينبغي أن يُقال، هل الاستشارة واجبة ومقبولة في هكذا قضايا؟.. هل يستشير رب العائلة ابنه الرضيع، عن رأيه في تاريخ وقف الفطام؟ هل يسأل الإمام المصلين عن رغباتهم في السوّر القرآنية التي يؤمّهم بها في الصلوات الخمس؟.. هل يسأل الطبيب مريضه المتواجد في حالة خطر عن المقصّ الذي يفضله لإجراء العملية الجراحية وهو بين الحياة والموت؟
كان من الممكن، أن “تستشير” وزارة التربية، الأساتذة والتلاميذ والأولياء، في مضامين الإصلاحات التربوية، وكتب “الجيل الثاني”، وطريقة التنقيط والتقييم، والاستدراكات، ونظام الدوامين، والنقل والإطعام المدرسيين، والتدفئة في الأقسام، وغيرها من الملفات القابلة للنقاش والإثراء، حتى وإن كان الرأي فيها ليس لازما، أمّا أن تستشير التلاميذ في “الباك” قبل الصيام أو بعده، فهذه ترفع عجائب الدنيا السبع إلى ثمان!
الاستشارة في هكذا قضية، سيثير الفتنة والقلاقل، وهو ما بدأ قولا وفعلا وعملا، وإن كان الأمر يؤكد بأن وزارة التربية في مأزق حقيقي، وأن تأجيل البكالوريا إلى ما بعد رمضان، هو تأكيد لتأثير إضراب “الكناباست” على سير البرنامج الدراسي، رغم أن الوصاية قالت خلال الإضراب أنه “فاشل” ولم يشلّ الدراسة، وأن الوضع على ما يُرام في أغلب الثانويات!
هو “البريكولاج” يرقص مرّة أخرى، على سوء التسيير بنغمات “التغنانت” وسانفونية “تخطي راسي”، وها هي الوزارة هربا من “العتبة غير المربوحة”، تحضر لتأخير البكالوريا بـ”طلب من التلاميذ”، حتى تخرج من عنق الزجاجة التي دخلت إليها وأدخلت الجميع معها رغما عنهم!