تخاريف ماكرون عن “ربيع” جديد قادم
من يستمع إلى الرئيس الفرنسي ماكرون وهو يعِد التونسيين والمغاربة بمستقبل للربيع العربي من بيته المقدس في تونس، وباحتضان أوروبي لموجته الثانية، تريد فرنسا أن تجند لها هذه السنة شتات المجتمع المدني المغاربي، ينبغي لمن استمع إليه من الشعوب المغاربية أن يحتاطوا منذ الآن لما يمكن أن تكون هذه الدولة الاستعمارية بامتياز قد زوّرت في النفس من مشاريع لتجديد نشر الفوضى الخلاقة المتعثرة في المشرق.
في الوقت الذي كانت فيه الحكومة التونسية، والبسطاء ممن ألقت بهم الموجة الأولى من الربيع العربي إلى جغرافية الفقر والبطالة يتمنون على الشريك الأوروبي الأول لتونس قليلا من الدعم المالي ولو بتحويل الديون الفرنسية إلى استثمارات كما فعلت ألمانيا، استغل الرئيس الفرنسي حسن الضيافة ليُشبع التونسيين بكلام معسول مسح على جلودهم باتجاه الشعر، ونفخ في “شكوة” الربيع الذي دمَّر تونس سياسيا واقتصاديا وأمنيا.
أمام جمع غفير منضبط من النواب التونسيين طفق ماكرون يخصف بأوراق كاذبة على عورة ربيع خاطئ، كانت فرنسا ساركوزي قد فشلت في استباق ركبانه، قبل أن تعوض عنه بتصدر حملة النيتو على ليبيا، فكال بعبارات الثناء على ما تشهده تونس من “ثورة ثقافية عميقة” ذكر منها كفالة حرية المعتقد (وعينه على يهود جربة) والمساواة بين الرجل والمرأة (وعينه على مشروع السبسي لنسخ الأحكام الإسلامية في الميراث والزواج من غير المسلم).
وقبل أن يعِد التونسيين والمغاربة بقرب تفعيل موجة ثانية للربيع العربي، أثنى ماكرون على ما وصفه بـ”تشييد الدولة” المدنية وزعم “أن تونس قد كذَّبت من ادعى أن المجتمعات الإسلامية هي في خصومة مع الديمقراطية” ووعد التونسيين بدعم فرنسا التي سوف تحرص على “تنظيم اجتماع هذا العام مع قادة وأعضاء المجتمع المدني لبعض الدول الأوروبية المتوسطية والدول المغاربية للتفكير سويا في استراتجية متوسطية حقيقية”.
هاهنا بيت القصيد في خطاب استعماري مركب، أراد إعادة تلميع مسار كارثي فتك بخمس دول عربية، نجح في تفكيك ليبيا وتحويلها إلى بلد فاشل، وأعاد لعسكر مصر سلطة لم تكن لهم حتى في زمن مبارك، ويريد أن يلتحق بهم المخلفة من دول المغرب العربي (وعينه بلا شك على الجزائر) التي بدأت تتحرر من الاستفراد الفرنسي في الإقليم وتضايقه في مشروعه الاستعماري الجديد في مالي ودول الساحل.
وقبل زيارته لتونس، كان ماكرون قد خصَّ صديقه الملك بالزيارة الأولى، فأثنى فيها على توسُّع فضاء الحريات ومناخ الاستثمار، الذي حوَّل المغرب إلى حديقة خلفية خاصة لفرنسا، وإلى حصان طروادة يُسخَّر لتجديد النفوذ الفرنسي في غرب إفريقيا والساحل، ثم مرَّ مرور الكرام بالجزائر ليستدرك فيها على ما “زل” به لسانُه وهو مرشح حول جرائم الاستعمار الفرنسي، وأخيرا تونس التي حل بها وهي في أسوإ حال، يريد أن يستغل ضعفها، ويتخذ منها منصة إطلاق لفوضى خلاقة بالمنطقة، ليس فيها هدف مرجوّ سوى الجزائر، وقد أحيت الاحتجاجات الأخيرة فيها أمل الركوب المحتمَل لأي حراك شعبي يساعد عليه التنافس المتوقع على موقع الرئاسة، بحكم أنه آخر فرصة متاحة لاستدراك ما فاتهم زمن اندفاع الشعوب بلا رويَّة خلف نشطاء حوَّلتهم مدرسة “فريدوم هاوس” إلى قادة رأي، وأدوات لاختطاف قيادة الشعوب من نخبها في السلطة كما في المعارضة.