-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

تركيا في مفترق الطرق

عمار يزلي
  • 838
  • 0
تركيا في مفترق الطرق

تكتسي الانتخابات الرئاسية البرلمانية في تركيا أهمية خاصة وبالغة بالنسبة للأتراك كما هو الحال بالنسبة لبقية العالم، وإن كان “بقية العالم” هذا، يصنف نفسه على أنه مجرد “مراقب” وليس لاعبا، مع أن كل الاحتمالات واردة في دعم كل بلد وقوة خارجية لهذا المرشح أو ذلك ولو معنويا وإعلاميا.

تكتسي هذه الانتخابات أهمية كبرى، لعدة أسباب: أولها، أنها تأتي بعد نحو 20 سنة من حكم حزب العدالة والتنمية منذ “عبد الله غل” سنة 2002، وأكثر من 8 سنوات من رئاسة رجب طيب اردوغان لتركيا، أي منذ سنة 2014، وهي مدة بمقاييس الغرب طويلة وكبيرة، جعلت كثيرا من دول الغرب ترى في اردوغان “زعيما أوتوقراطيا” يريد تكريس الحكم الفردي عبر قوة الصندوق الانتخابي والنظام الانتخابي الرئاسي الذي غيّره دستوريًّا. كما أن كثيرا من مناوئيه في الداخل والخارج، يرون أن اردوغان أدخل تركيا في رواق “العثمانية الجديدة”، التي يراد لها أن تحيا وتعيد إحياء تراثها وأمجادها التاريخية والجغرافية، عبر دخولها في نزاعات مع بعض دول الجوار وتعمل على “أسلمة” المجتمع التركي، مبتعدة بذلك عن توجُّه تركيا السابق نحو العلمانية الأتاتوركية التي كانت ستؤهّلها إلى الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، لكن من دون أي ضمان، وبشروط لا تزال تركيا إلى اليوم تحت لواء حزب العدالة والتنمية ترى نفسها أنها لم تعد تأبه بهذا الانضمام المشروط المجحف في حق الهوية والتراث الثقافي والديني لهذه الدولة المحورية في أوروبا وآسيا والبحر الأسود.

من جهة ثانية، تكتسي هذه الانتخابات أهمية بالغة، كونها ستحدد مصير تركيا لخمسين سنة قادمة،كما صرح بذلك اردوغان، فهي تمثل اختيارا مصيريا بين توجُّهين: غربي علماني، وشرقي محافظ، والكل يتذكر الصراع من أجل الديمقراطية إبان حكم العسكر في تركيا وكيف خرج هذا البلد من تحت الرماد الديني ليؤسس قوة اقتصادية كبرى تناهز القوى الأوروبية والشرقية اليوم رغم مكابدة التضخم والأزمات الاقتصادية منذ مدة، أضيفت لها أزمة كوفيد 19 والزلزال المدمِّر الأخير. ولكن بمؤشر تنموي عال جدا يتجاوز 5%.

تكتسي أيضا هذه الانتخابات أهمية قصوى ومصيرية في الداخلية من ناحية الرغبة لدى كثير من القوى اليسارية واليمينية والعرقية في التغيير وقلب موازين القوى، عبر تحالفات قد لا تعمِّر طويلا في حالة الفوز بالرئاسة، لما تحمله هذه التحالفات من تناقضات داخلية قد تفجرها من الداخل حال وصولها إلى الحكم. هذه القوى باتت مدعومة من الخارج لاسيما في الغرب وأمريكا لما يمكنها من استدراج تركيا مرة أخرى إلى مربع الغرب الليبيرالي، لاسيما من ناحية موقفها الجيو سياسي في الحرب الروسية الأوكرانية وموقف تركيا المتزن إزاءها، والذي يراه الغرب موقفا أكثر ميلا لروسيا لعدم تطبيقها للعقوبات وتعاونها الاقتصادي المتزايد مع روسيا.

كل هذا، وأكثر، يجعل المراقبين يتتبّعون هذه الانتخابات بدقة وحذر رغم أن كل المؤشرات تبدو وأنها تتجه إلى حسم مؤجل، يكاد يكون مضمونا للرئيس الحالي بنسبة أكبر في الدور الثاني، هذا فيما يجد حزب العدالة والتنمية نفسه في أريحية تامة من ناحية عدد المقاعد في البرلمان.

الجولة الثانية من الانتخابات بعد نحو 14 يوما، إن لم يتم الحسم في الجولة الأولى مع انتظار فرز آخر أصوات الجالية في الخارج التي يعول عليها الحزب الحاكم، ستُحدث لا ريب طفرة غير متوقعة تماما كما حدث في 2015، عندما أعيد الانتخابات بعد أشهر فقط وكان الفارق فيها لصالح اردوغان بفارق شاسع هذه المرة.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!