-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
اختلالات في البرامج والنظام المدرسي وتلاميذ عاجزون عن التعبير

تقرير أسود لـ”مجلس المحاسبة” عن الإصلاح التربوي

نشيدة قوادري
  • 8930
  • 0
تقرير أسود لـ”مجلس المحاسبة” عن الإصلاح التربوي
ح.م

كشف مجلس المحاسبة، في تقريره السنوي 2024، عن وجود اختلالات في البرامج والمقررات الدراسية بشكل عام وفي أداء النظام المدرسي خاصة، إذ أظهرت التحقيقات الميدانية أن “التوقيت الزمني” السنوي المقدر بـ32 أسبوعا لم يتم تحقيقه على أرض الواقع، مقارنة بدول الجوار.
وفي مقابل ذلك، فقد وقف المجلس على عدم قدرة غالبية التلاميذ على القيام بـ”الإنتاج الكتابي”، باللغتين العربية والفرنسية، في حين تم تسجيل تفاقم ظاهرة الدروس الخصوصية بمرحلة التعليم الابتدائي عموما وعند تلاميذ السنة الخامسة بشكل خاص، إذ اتضح بأنهم يتلقون الدروس في مادة اللغة الفرنسية، بنسبة مئوية بلغت 74.50 بالمائة، تليها اللغة العربية والرياضيات في المرتبة الثالثة.
وأبرز المجلس بأنه قد تم الوقوف على اختلالات في البرامج والأساليب والمقررات، من الواجب تصحيحها، حيث أتاحت التقييمات التي تم إجراؤها التعرف على الاختلالات والصعوبات التي تشوب الممارسات البيداغوجية وبرامج التدريس ومكتسبات التعلم، والتي يمكن تلخيص أهمها، أولا في “التوقيت المدرسي”، إذ تؤكد وثيقة المدرسة الجزائرية ورهانات الجودة “الإطار الاستراتيجي 2015/2023″، أن أداء النظام المدرسي من أدنى الأنظمة في العالم.
وذلك لأن الحد النظري الأدنى المتمثل في 32 أسبوعا سنويا، لا يتم دوما تحقيقه على أرض الواقع، دون احتساب الانقطاعات المتكررة عن العمل، في حين أن متوسط المدة السنوية للتعليم الابتدائي العاملي والأوروبي يبلغ 36 و38 أسبوعا.

“اختلالات” في التوقيت الزمني الأسبوعي لدروس الرياضيات
وبخصوص مادة الرياضيات، أوضح “مجلس المحاسبة” بأن مقارنة الحجم الساعي في الأسبوع في التعليم الابتدائي، تكشف عن اختلالات واضحة بين الجزائر وبعض الدول، وعليه فقد تم تسجيل بلوغ 750 ساعة في الجزائر، في حين تم الوقوف على تجسيد حجم ساعي بلغ 960 ساعة في تونس و900 ساعة في فرنسا، بفارق زمني أسبوعي يتراوح بين 180 و240 ساعة.
وشدد المجلس على أن هذا القصور في تنظيم “التوقيت المدرسي”، بالإضافة إلى طغيان نشاط مراقبة المضامين على حساب مفهوم تقييم الكفاءات إلى تدريس متراكم بمعنى “الحشو في تقديم الدروس”، وعدم اكتساب المواد والمهارات الأساسية التعليمية.

تلاميذ عاجزون عن “التعبير كتابيا” في العربية والفرنسية
وفيما يتعلق “بالأداء الأكاديمي” للتلاميذ، أبرز “مجلس المحاسبة” بأن أعمال التقييم التي قامت بها وزارة التربية الوطنية، حول موضوع تحصيل التلاميذ على مدى فترة طويلة، قد مكنت من التوصل إلى استنتاجات وقراءات نوعية، إذ اتضح بأن غالبية التلاميذ قادرون على القراءة والفهم واكتشاف المؤشرات وترتيب الأحداث في سياق سردي وتوظيف القواعد في مواقف بسيطة، في مواد اللغات الأجنبية، لكنهم مع ذلك يواجهون صعوبات في البحث عن المعلومات الضمنية في النص.
وفي مقابل ذلك، فإنهم عاجزون عن إنتاج النصوص باللغتين العربية والفرنسية، وهو ما يشكل عقبات هائلة أمامهم، باعتبار أن مادة العربية تعد لغة التعليم والتحصيل، وعليه فإتقانها أمر حاسم في استيعاب التخصصات الأخرى، بما في ذلك اللغات الأجنبية الأخرى التي يتم تدريسها.

ضعف قاعدي في الرياضيات.. والسبب الحفظ والاسترجاع
ووقف “مجلس المحاسبة” على وجود ضعف لدى التلاميذ في مادة الرياضيات، حيث أوضحت التقارير بأنه لا يتم اكتساب عمليات التعرف على الموارد اللازمة وتوظيفها وإدماجها لحل المسائل، وترتبط هذه الصعوبات بضعف ما يصطلح عليها بـ”العدة التعليمية”، المطبقة في سيرورة التعلم، والتي لا تسمح للمعلمين أو التلاميذ بالانفصال عن الممارسات التقليدية الكلاسيكية، والتي يطبعها الحفظ واستعادة واسترجاع المعلومات دون الفهم.
وأبانت التحريات التي أنجزها “مجلس المحاسبة” عن نفور فعلي من خيار التوجيه العلمي وخاصة التكنولوجي بين التلاميذ وأوليائهم، وعليه ففي سنة 2016، يظهر هيكل التعليم الثانوي، تدني الاهتمام بشعب الرياضيات بنسبة “3.46 بالمائة”، التقني الرياضي بنسبة “11.13 بالمائة”، التعليم التكنولوجي بنسبة “15.80 بالمائة”، وهو أقل من المعايير العالمية وتقدر بـ”30 بالمائة.”
مقابل ذلك، فقد أوضح أداء التلاميذ في الامتحانات المدرسية الرسمية، على غرار شهادة التعليم المتوسط، تحصل الأغلبية على معدلات مرتفعة في التخصصات الأدبية، في حين أن التخصصات العلمية واللغات الأجنبية جاءت في أسفل الترتيب.

تأخر تعميم “التربية التحضيرية” يكرس لمدرسة بسرعتين
وبخصوص “التعليم التحضيري”، أفاد “مجلس المحاسبة” في نفس التقرير السنوي بأن إحصائيات وزارة التربية الوطنية قد أظهرت أن معدل “التنفيذ الوطني” لمرحلة التحضيري، قد بلغ حوالي 50 بالمائة خلال العام الدراسي 2015/2016، في حين بلغت نسبة التغطية الوطنية خلال الموسم الدراسي 2020/2021، 59 بالمائة في هياكل “المدارس العمومية”، و79 بالمائة عند شركاء آخرين “مدارس خاصة”، في حين كان يتوقع تعميمه بالكامل حتى عام 2018، وهو الهدف الذي لم يتحقق، مما أدى إلى تأجيله إلى سنة 2024.
والنتيجة، حسب المجلس، فإن التلاميذ الذين يدخلون السنة الأولى من التعليم الابتدائي، لا يلتحقون بالمدرسة بنفس فرص النجاح، مع خطر تكريس مدرسة ابتدائية بـ”سرعتين”، أي تلاميذ بمكتسبات قبلية وتلاميذ بصفر مكتسبات قبلية.

تفاقم الدروس الخصوصية بالابتدائي.. والفرنسية في الصدارة
ونبه، مجلس المحاسبة “إلى أن ظاهرة الدروس الخصوصية، أضحت واقعا مرتبطا بجودة التعليم العمومي، وبرغم ذلك لم تكن موضع دراسة مناسبة من طرف وزارة التربية الوطنية، إذ أبرزت التحريات والمقابلات التي أجريت مع مصالح الوزارة، غياب دراسات أو تحقيقات حديثة ومعمقة، تتعلق بحجم وأسباب وأثر هذه الظاهرة التي يعتبرها الجميع نشاطا غير رسمي، ينتشر بوتيرة متزايدة.
وإلى ذلك، أضاف المجلس بأن دراسة قامت بها جامعة تيارت قد توصلت إلى مجموعة من الاستنتاجات، أبرزها أن نسبة التلاميذ الذين تابعوا دروسا خصوصية خلال العام الدراسي 2012/2013 في أقسام السنة الخامسة بلغت 40.90 بالمائة، و48.73 في السنة الرابعة متوسط، بينما بلغت النسبة 66.91 خلال 2013/2014 في السنة الثالثة ثانوي، وأكثر المواد طلبا للسنة الخامسة هي اللغة الفرنسية بنسبة 74.50 بالمائة، تليها في المرتبة الثانية اللغة العربية بنسبة 64.60، ثم الرياضيات في المرتبة الثالثة بنسبة 57.20 بالمائة.
وترجع هذه الظاهرة بشكل خاص، حسب مجلس المحاسبة، إلى نقص الإشراف والمتابعة داخل المؤسسات التربوية، إلى جانب عدم القدرة على الاستيعاب الكافي لمقررات المواد الأساسية، علاوة على ضعف النتائج الدراسية، وفضلا عن الضغوط الاجتماعية للحصول على درجات أو مستويات أفضل.

مدارس ابتدائية دون بنى تحتية
ويكشف مجلس المحاسبة، في التقرير السنوي لعام 2024، أن عددا كبيرا من المدارس في مختلف البلديات التي خضعت للرقابة، لا تمتلك كل البنية التحتية اللازمة لأداء مهامها بالطريقة المطلوبة، وبالفعل من أصل 304 مؤسسة قيد المراجعة، 267 منها لا تحتوي على قاعة للإعلام الآلي، 283 على قاعة للمطالعة، 277 على قاعة متعددة الأغراض، 273 على قاعة للمدرسين، 177 على مساحة للتربية البدنية والرياضية، 81 على مطعم مدرسي و137 على سكن إلزامي، وذلك بسبب ضعف الاعتمادات المرصودة وعدم كفاية القطع الأرضية المخصصة لهذه البنى التحتية.
وبشأن ملف التكوين وتحسين المستوى، لفت مجلس المحاسبة إلى أنه بالرغم من أن سياسة تكوين الأساتذة، قد عرفت عدة إصلاحات وتخصيص موارد معتبرة لهذا الغرض، تبقى بعض النقائص مطروحة خصوصا فيما يتعلق بنوعية التكوين، كيفياته والإشراف عليه.
وفي نفس السياق، كشف المجلس أن التحريات قد توصلت إلى أن التكوين القاعدي يحتاج إلى تكييف، إذ عبرت الوزارة الوصية عن العديد من التحفظات على نوعية التكوين القاعدي المقدم من طرف المدارس العليا للطلبة الأساتذة، ومست بشكل خاص برامج التكوين المقترحة التي لا تتعلق كفاية باحتياجات القطاع فيما يخص الخيارات التربوية، ما نتج عنه ضعف تحكم الأساتذة في التقنيات المرتبطة بالمقاربة بالكفاءات.
بالإضافة إلى ذلك، فقد تم الوقوف على وجود خلل في الجانب التطبيقي، لتكوين الطلبة الأساتذة على مستوى المؤسسات التربوية، حيث اعتبرت المدة المخصصة له غير كافية، باعتبار أن كيفيات وإجراءات التربصات الميدانية غير محددة مسبقا وغير مدونة في الواقع، وغير خاضعة لتنظيم أو تقنين يضبطها.
إلى ذلك، أكد مجلس المحاسبة على أن الأساتذة الذين تم توظيفهم عن طريق المسابقة أو الأساتذة المتعاقدين، فإن تأهيلهم يعتبر غير مكتمل نظرا لأن مسارهم الجامعي “الشهادات المحصل عليها”، يفتقر لمقاييس أساسية لمزاولة مهنة التدريس.

مدارس مؤطرة بالأساتذة المتعاقدين بنسبة 90 بالمائة
أما بالنسبة للأساتذة المتعاقدين، فقد أوضح “مجلس المحاسبة” بأنه تم الوقوف على إقصائهم من التكوين التحضيري، رغم عددهم المعتبر كل سنة، حيث اتضح بأنهم لا يستفيدون من أي تكوين قبلي قبل توظيفهم، ويعود سبب ذلك حسب مسؤولي الوزارة، إلى الطابع المؤقت لتوظيفهم، وإلى عدم كفاية الموارد المالية المخصصة لجانب التكوين.
في حين تمثلت النشاطات المنظمة لصالحهم، في ندوات واجتماعات وأنصاف أيام تكوينية يؤطرها مفتشو المقاطعات.
ومن خلال معطيات الوزارة، أفاد المجلس بأنه في الفترة من 2018 إلى 2021، تم توظيف أكثر من 60 ألف أستاذ متعاقد في الطورين الابتدائي والمتوسط، وبلغت نسبتهم في سنة 2021 أكثر من 90 بالمائة، وذلك بسبب عدم تنظيم مسابقة توظيف خلال هذه السنة، وإلى قلة عدد المتخرجين من المدارس العليا للأساتذة.

عجز حاد في أساتذة اللغات الأجنبية
وأظهرت تحريات “مجلس المحاسبة” أن الوزارة توفر أستاذا واحدا لكل 90 تلميذا في مرحلة التعليم الابتدائي بالنسبة للغة الفرنسية، وأستاذ واحد لكل 72 و75 تلميذا بالنسبة للغتين الفرنسية والانجليزية على التوالي في الطور المتوسط، وعليه فهي ملزمة ذلك بتوظيف على الأقل ضعف عدد الأساتذة الموجودين حاليا في الخدمة، من أجل تحسين هذه المؤشرات وبلوغ مستوى المعيار الوطني.
كما سجل المجلس عجزا في أساتذة مادة الإعلام الآلي، رغم المجهودات المبذولة من طرف الوزارة، لتوسيع تدريس هذه المادة، من خلال تعزيز الموارد البشرية، ومن أجل الوصول إلى المعدلات الوطنية لتأطير 3 مليون تلميذ، فإن ذلك يتطلب توظيف 10 آلاف أستاذ على الأقل في الطور المتوسط.
وبالتالي، فإن تحقيق تعميم تدريس الاعلام الآلي في جميع المؤسسات التربوية، لم يتحقق إلى غاية 2022، وهذا يعني عدم تساوي الفرص بين التلاميذ فيما يخص هذه المادة في المتوسط، نظرا لأن عددا معتبرا من التلاميذ تركوا خلف الركب.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!