حرب الإبادة على غزة منذ 2023 هي الأكثر دموية ضد الصحفيين في التاريخ

تداولت شبكات التواصل الاجتماعي هذا الأسبوع صورا مروعة للصحفي الفلسطيني أحمد منصور، وهو يحترق حيّا بعد أن استهدفت قوات الاحتلال خيمة الصحفيين بالقصف في مجمع ناصر الطبي، بمدينة خان يونس جنوب قطاع غزة، ليفارق الحياة صباح الثلاثاء، 8 أفريل، متأثرا بإصاباته البالغة.
أحمد منصور، صحفي في قناة “فلسطين اليوم” الإخبارية، وأب لثلاثة أطفال، ليس الصحفي الوحيد الذي قتلته قوات الاحتلال الإسرائيلي في هذا القصف، فقتل معه صحفي آخر وأصيب 8 آخرون.
فتعد الحرب التي يشنها جيش الاحتلال الإسرائيلي على غزة منذ السابع من أكتوبر 2023 “الأكثر دموية على الصحفيين”، كما تصفها رئيسة قسم الاتصالات والحملات في “الاتحاد الدولي للصحفيين”، باميلا مورينيير، في حديثها لـ”الشروق/الشروق أونلاين”.
وحسب المسؤولة في هذه المنظمة الدولية، تشير التقديرات إلى أن نحو 10% من الصحفيين في غزة قد قُتلوا خلال 18 شهرا الأخيرة.
وقد أحصى المكتب الإعلامي لحكومة “حماس” في غزة، في بيانه يوم الثلاثاء 8 أفريل، 211 صحفيًا، بينما أحصت نقابة الصحفيين الفلسطينيين، في بيانها الصادر يوم الإثنين 7 أفريل، 208 صحفيين، أما “مراسلون بلا حدود”، وفي بيانها المنشور في 25 مارس، فقد تحدثت عن “قرابة 200 صحفي”، في حين أفادت الفيدرالية الدولية للصحفيين، على لسان مورينيير، بأنها وثقت 156حالة حالة لصحفيين وعاملين في مجال الإعلام اغتالتهم قوات الاحتلال الإسرائيلي منذ السابع أكتوبر 2023.
وتفسر مورينيير هذه الفروقات في الأرقام باختلاف المعايير وطرق الحساب لدى كل جهة.
ويُضاف إلى هؤلاء عدد من الصحفيين والعاملين في مجال الإعلام بين معتقل ومصاب.
إقرأ أيضا – “أنا لست رقما وأرفض أن يكون خبر موتي عابرًا”
وتشرح مورينيير هذا الاستهداف الممنهج للصحفيين في غزة قائلة “إن استهداف الجيش الإسرائيلي للصحفيين في غزة نابع بدرجة كبيرة من رغبته في السيطرة على السرد، ومنع نقل الشهادات حول ما يحدث على الأرض. هذا يشكّل انتهاكا لحق حرية التعبير، وانتهاكا لحق الجمهور في المعرفة. يؤدي الصحفيون دورا جوهريا في نقل الحقائق، وكشف انتهاكات حقوق الإنسان، وتوفير تغطية مستقلة. من خلال استهدافهم، أو ترهيبهم، أو اعتقالهم، أو قتلهم، تسعى السلطات الإسرائيلية إلى تقليص حجم المعلومات التي قد تضرّ بصورتها على المستوى الدولي، وإلى التستر على الجرائم المرتكبة في غزة.”
ولكي لا يتحول منصور وغيره من هؤلاء الصحفيين الذين استهدفتهم آلة الاحتلال إلى مجرد أرقام تُنسى، تقول مورينيير: “نحن نُدين ونُحصي الضحايا، ونروي قصصهم، ونعطي الكلمة لمن هم على الأرض، لأننا فعلًا لا نريد اختزال ما يحدث في غزة إلى مجرد إحصائيات. هذه أرواح بشرية فُقدت، وعائلات أُبيدت، ومؤسسات إعلامية دُمّرت، وجوع، وعطش، ومرض، ويأس يومي… نطالب المنظمات الدولية بالتحرك وإدانة الانتهاكات التي ترتكبها إسرائيل بحق زملائنا وزميلاتنا، وبمطالبة بمحاسبة المسؤولين عنها. نقود حملة دائمة لتوعية الرأي العام العالمي بالمخاطر التي يتعرض لها الصحفيون في غزة. كما نطالب بتغطية إعلامية مستمرة كي لا ينسى العالم أهمية حماية الصحفيين”.
في ديسمبر 2023، تحدث الأمين العام للفيدرالية الدولية للصحفيين، أنتوني بيلانجي، في حوار لـ”الشروق أونلاين”، عن أن المنظمة قدمت ملفين إلى المحكمة الجنائية الدولية بخصوص استهداف الصحفيين الفلسطينيين.
إقرأ أيضا – الأمين العام للإتحاد الدّولي للصحفيين: نحن بصدد رفع قضية ثالثة أمام الجنائية الدّولية
وعن تطورات هذا الملف الذي رفعته هذه المنظمة، التي تضم أكثر من 600 ألف صحفي، تقول مورينيير: “لقد قدّمنا ملفين ونعمل على إعداد الملف الثالث. حتى الآن، لا تزال الملفات المقدمة إلى المحكمة الجنائية الدولية قيد الدراسة. قُدّم ملفان في عام 2022 (أحدهما يتعلق بشيرين أبو عاقلة)، وهما بيد المدعي العام للمحكمة، لكن لم يصدر أي رد حتى الآن. نحن الآن بصدد إعداد الملف الثالث المرتبط بالهجمات على الصحفيين منذ 7 أكتوبر 2023. ومع ذلك، من المهم الإشارة إلى أن الإجراءات القضائية على هذا المستوى قد تستغرق وقتًا طويلًا، لا سيما عندما يتعلق الأمر بجرائم حرب يُستهدف فيها مدنيون، وفي هذه الحالة، الصحفيون. نواصل الضغط من أجل أن تتخذ المحكمة الجنائية الدولية إجراءات عاجلة لفتح تحقيقات وملاحقة المسؤولين عن الهجمات الممنهجة ضد الصحفيين. كما نضغط على المجتمع الدولي لدعم هذه الخطوة.”
#EU🇪🇺: @abellanger49 addressed @EP_HumanRights to give an overview of the grim state of the profession worldwide. “Gaza has become a cemetery for civil society, for humanity, and a cemetery for journalists. And there is complete impunity”.
🎥 Full video: https://t.co/Zo5wwb69Zi pic.twitter.com/P49Bdm5qK1
— IFJ (@IFJGlobal) April 10, 2025
تحرّك “الفيدرالية الدولية للصحفيين” لحماية الصحفيين الفلسطينيين ليس هو الوحيد في هذا الشأن، فتضاف إليه بيانات وتصريحات منظمات حقوقية وأممية تندد باستهداف الصحفيين الفلسطينيين من طرف جيش الاحتلال في هذه الحرب، وتطالب بحمايتهم ومعاقبة مستهدفيهم من جيش الاحتلال.
لكن عن فعالية النصوص القانونية والمؤسسات الدولية في حماية هؤلاء الصحفيين، تقول مورينيير: “القوانين والمؤسسات الدولية موجودة، لكن فعاليتها محدودة، وليست ملزمة بما يكفي. فمثلًا، تنص قرارات الأمم المتحدة بوضوح على أن الصحفيين يجب أن يُعتبروا مدنيين ولا يجوز استهدافهم. ومع ذلك، يتم استهدافهم. ورغم وجود آليات مثل المحكمة الجنائية الدولية وقرارات الأمم المتحدة التي تهدف نظريًا إلى حماية الصحفيين، إلا أن هذه المؤسسات تفتقر غالبًا إلى وسائل التدخل السريعة والفعالة. إن غياب العقوبات الملموسة، وعدم فعالية آليات العدالة الدولية، سمحا للعديد من مرتكبي الجرائم بحق الصحفيين بالإفلات من العقاب. من الضروري أن يفرض المجتمع الدولي عقوبات أشد، وأن يتم تعزيز مؤسسات العدالة لحماية الصحفيين فعليًا، خصوصًا في مناطق الحرب مثل غزة. ومنذ سنوات، نطالب باعتماد اتفاقية دولية ملزمة لحماية سلامة الصحفيين تُلزم الدول كافة بحمايتهم.”

رئيسة قسم الاتصالات والحملات في “الاتحاد الدولي للصحفيين” باميلا مورينيير. صورة: ح. م
في ختام حديثها لـ”الشروق/الشروق أونلاين”، تلفت رئيسة قسم الاتصالات والحملات في “الاتحاد الدولي للصحفيين”، باميلا مورينيير، إلى أن منظمتها تواجه تحديات لحشد الدعم لصالح الصحفيين الفلسطينيين بسبب “تسييس الصراع”، وتقول: “غالبًا ما تطغى القضايا الجيوسياسية على النقاش، ويُنظَر إلى الضحايا من خلال عدسة هذا الصراع. علينا أن نواجه الميل إلى التقليل من شأن أو تجاهل قتل الصحفيين بسبب الطابع السياسي لهذا النزاع. هناك أيضًا مشكلة الوصول المحدود إلى غزة من قِبل الصحفيين الأجانب، مما يصعّب عملية جمع الأدلة والتغطية الإعلامية اللازمة لتوعية الرأي العام العالمي. كما أن الضغط على الحكومات والمؤسسات الدولية أمر معقد، خاصة عندما تدعم بعض هذه الجهات أعمالًا عسكرية تنتهك حقوق الصحفيين. لكننا نبقى مصرّين. نحن على تواصل دائم مع فرعنا الفلسطيني، نتابع تطورات الصراع عن كثب، ونواصل توعية الرأي العام والحكومات من أجل اتخاذ خطوات ملموسة لحماية الصحفيين، وضمان احترام عملهم في غزة، ودعمهم من قبل زملائهم الأجانب على الأرض.”