رئيس البرلمان الفرنسي يتبنى دعوات مراجعة اتفاقية 1968
بشكل بدا وكأنه مرتب له بإحكام، وصل مطلب مراجعة اتفاقية 1968 لتنقل الأشخاص بين الجزائر وفرنسا، إلى المستوى الرسمي، بتأكيد رئيس مجلس الشيوخ الفرنسي، جيرار لارشي، الرغبة في مراجعة الاتفاقية المثيرة للجدل من قبل الطبقة السياسية والإعلامية في فرنسا.
يرى لارشي وهو رئيس مجلس الشيوخ ومنتخب في حزب “الجمهوريون” اليميني في حوار لإذاعة “فرانس إنتر” أنه “بعد 55 عاما” من توقيع هذه الاتفاقية التي تنظم دخول وإقامة وتوظيف الجزائريين في فرنسا، “الظروف تغيرت”، وأنه حان الوقت لإعادة النظر في هذه الاتفاقية.
وقال رئيس الغرفة العليا للبرلمان الفرنسي: “يجب إعادة النظر في الاتفاقية (المبرمة) مع الجزائر”، منسجما بذلك مع إدوار فيليب، رئيس الوزراء الفرنسي الأسبق في العهدة الأولى للرئيس الحالي، إيمانويل ماكرون، في الحوار الذي خص به صحيفة “ليكسبريس” الأسبوعية .
غير أن جيرار لارشي، تأسف لكون رئيس الوزراء السابق لم يجسد ما يدعو إليه هذه الأيام “في عام 2018 عندما اقترح نصًا لتنظيم تدفقات الهجرة التي لم يكن لها في النهاية أي تأثير على تنظيم تدفقات الهجرة”، متسائلا: “لماذا لم يستجب (في ذلك الوقت) للمقترحات التي قدمتها الأغلبية في مجلس الشيوخ لتنظيم تدفقات الهجرة فيما يتعلق بهجرة العمالة ولم شمل الأسرة”؟
وبالنسبة لرئيس الغرفة العليا للبرلمان الفرنسي، فإن “الحاجة إلى سياسة هجرة حقيقية” تهدف إلى “التحكم في التدفقات وتوجيهها وتسهيل سياسات الاندماج”، في الوقت الذي تريد الحكومة الحالية بقيادة إليزابيت بورن، تمرير قانون الهجرة هذا الخريف، علما أن وزير الداخلية جيرالد دارمانان، يحضر مشروع قانون في هذا الإطار، بالتوازي مع مشروع آخر لليمين سبق لرئيس حزب الجمهوريون، إيريك سيوتي، أن أعلن عنه.
وزير الداخلية جيرالد دارمانان الذي يحمل النص، ينتظر دعم اليمين وتصويته. ومن المقرر أن يلتقي جيرار لارشيه ظهر الأربعاء ويتذكر “الخط الأحمر” الذي حدده حزبه، وهو إنشاء تصريح إقامة جديد للوظائف المتوترة. يصر جيرار لاريشر قائلاً: “نحن لا نؤيد تلقائية” مثل هذا الجهاز للوظائف المتوترة.
ويعني خروج جيرار لارشي بصفته رئيس للغرفة العليا في البرلمان الفرنسي، وجود توجه قوي داخل مؤسسات الدولة الفرنسية لدعم خيار مراجعة اتفاقية 1968 مع الجزائر، الذي بات على لسان الكثير من السياسيين والإعلاميين الفرنسيين المعروفين بتوجهاتهم اليمينية، غير أن القرار يبقى بيد الرئيس الفرنسي، الذي يبدو أنه يعاني ضغوط الدولة العميقة لحمله على تبني خيار متشدد مع الجزائر، على مقربة من الزيارة المرتقبة للرئيس عبد المجيد تبون إلى فرنسا قبل نهاية الشهر الجاري، وفق التقارير غير الرسمية.
ويرى مراقبون أن الفرنسيين يواجهون معضلة حقيقية من أجل نجاح مسعاهم، لأن الاتفاقية المذكورة تعتبر في القوانين الدولية أسمى من القوانين العادية، وهذا ما يجعل من أمر مراجعتها مرهون بموافقة الطرف الجزائري، الذي لا ينوي بتاتا الجلوس إلى طاولة المفاوضات بخصوص هذا الأمر.
ويبرر الفرنسيون مسعاهم بعدم خضوع الرعايا الجزائريين لقانون الهجرة الفرنسي، كون الاتفاقية تسمو على القانون في الأعراف الدولية، ولذلك فأي قرار أحادي الجانب يعتبر لاغ من الناحية القانونية، وهو ما جعل الفرنسيين في وضع لا يحسدون عليه، علما أن من المبررات التي يرفعونها أيضا، هو السعي إلى جعل الجزائريين يتساوون مع غيرهم من الأجانب، في مبرر يبدو غير مستساغ.
ويعتبر جيرار لارشي أول مسؤول فرنسي يخوض في هذه القضية، بعد ما كان الأمر في السابق مقتصرا على دبلوماسيين متقاعدين (السفير السابق في الجزائر، كزافيي دريانكور)، وزعيم المعارضة اليمينية ورئيس الجمهوريون، إيريك سيوتي، ومسؤولين بارزين في اليمين المتطرف “التجمع الوطني” حاليا والجبهة الوطنية سابقا لمارين لوبان، وخلال الأسبوع المنصرم، رئيس الوزراء الأسبق، إدوار فيليب.
وتنص الاتفاقية قيد الجدل، على أن الجزائريين لا يخضعون للقانون العام على عكس مواطني الدول الأخرى في العالم، ويحوزون على امتيازات خاصة بخصوص دخولهم إلى الأراضي الفرنسية، مع الحصول على تصاريح الإقامة الصالحة لمدة عشر سنوات بسرعة أكبر من مواطني البلدان الأخرى، كما يستفيدون من حرية ممارسة نشاط تجاري أو مهنة حرة.
وقد تمت مراجعة الاتفاقية ثلاث مرات في 1985 و1994 و2001، ولكن تم الحفاظ على المبادئ الرئيسية للاتفاقية والاستثناءات من القانون العام.