رابطة الشعب والجيش.. صرح الوطنية وحصن السيادة

منذ تأسيس الدولة الجزائرية المجيدة خلال عهد الأمير عبد القادر في شكلها الجديد والمتجدد، شكلت العلاقة بين الجيش والشعب أحد الأسس الجوهرية لمقاومة الاستعمار، والدفاع عن الهوية الوطنية، وحماية سيادة الجزائر، هذه العلاقة لم تكن مجرد تفاعل بين قوى عسكرية مقاومة ومجتمع، بل كانت وما تزال رابطة مصيرية قائمة على التلاحم والتكامل بين الإرادة الشعبية والقوة العسكرية، بما يعكس وحدة الهوية والنضال المشترك في سبيل الحرية والاستقلال.
لقد جسَّد الجيش الوطني الشعبي، بصفته الامتداد الطبيعي لجيش التحرير الوطني، هذا التلاحم في مختلف مراحل التاريخ الوطني، فلم يكن مجرد مؤسسة قائمة على الانضباط العسكري، بل كان تجسيدا حيا للإرادة الشعبية، مُستمدا شرعيته من تضحيات الأمة وكفاحها ضد الهيمنة والاستعمار. ومنذ الاستقلال، ظل الجيش الوطني الشعبي ساهرا على حماية الوطن، مدافعا عن سيادته، وملتزما بمبادئه الثورية وتاريخه العريق، مؤكدا بذلك أن الجزائر لم تكن لتبقى شامخة من دون هذا التلاحم المصيري بين شعبها وجيشها.
ولعل شاعر الثورة والاستقلال مفدي زكرياء قد لخّص هذه العلاقة العضوية الخالدة بين الجيش والشعب في النشيدالوطني المقدس “قسما”حين قال:
نحن جندٌ في سبيل الحق ثرنا وإلى استقلالنا بالحرب قمنا
الجيش والشعب… وحدة لا تتجزأ
إنّ جذور العلاقة بين الجيش والشعب في الجزائر تمتدُّ إلى عمق التاريخ، إذ كان الشعب الجزائري على مر العصور سندا لقواته المدافعة عن الأرض والعرض، من مقاومة يوغرطة وسيفاكس للرومان إلى مقاومة الأمير عبد القادر وثورة المقراني والشيخ بوعمامة ولالا فاطمة نسومر وغيرهم من قادة المقاومة الشعبية الأبطال الماجدين…
لكن التجسيد الأبرز والأقوى لهذه الوحدة ظهر مع انطلاق ثورة نوفمبر 1954، حينما التحم الشعب مع جيش التحرير الوطني في معركة التحرر من الاستعمار الفرنسي، في تلك المرحلة، لم يكن هناك فاصل بين الثائر والمواطن، فقد كان الشعب هو القاعدة الخلفية للثورة، يَمُدُّ المجاهدين بالرجال والسلاح والدعم اللوجستي، ويؤمِّن لهم المخابئ والتموين، بينما كان جيش التحرير الوطني هو اليد المسلحة للإرادة الشعبية، يحمل أحلام الأمة في الاستقلال والسيادة.
وبعد الاستقلال، تحوّل جيش التحرير الوطني إلى الجيش الوطني الشعبي، ليواصل دوره كدرع واق للوطن، يحمي وحدته ويصون حدوده، ولم تكن مهامه عسكرية فقط، بل أدّى دورا أساسيا في بناء الدولة الوطنية، من خلال المساهمة في التنمية، وحماية مؤسسات الدولة، والمشاركة في مشاريع البنية التحتية.
وكما قال الرئيس المجيد “الثائر الذي بني دولة” الراحل هواري بومدين: “بناء الدولة لا يكون إلا بسواعد أبنائها الأوفياء”.
يحرص الجيش الشعبي الوطني على تطوير قدراته الذاتية عبر التسلح والتصنيع العسكري، والتحديث المستمر للمعدات والتكنولوجيا الدفاعية، إيمانا به بأن القوة العظيمة والقدرة الفتاكة والتحضير القتالي الفعال والجاهزية العسكرية هي التحدي الأول لجعل قدراته أكثر جاهزية ومهامه أعظم فاعلية، فكما قال الرئيس الأمريكي الساس والعشرون تيودور روزفلت “احمل عصا غليظة وتكلّم بهدوء، فسوف تذهب بعيدا”.
ولم يقتصر دور الجيش الوطني الشعبي على الدفاع ضد الأخطار العسكرية، بل تجسد تلاحمه مع الشعب في مختلف الأزمات التي مرت بها البلاد، ومن أبرز المحطات التي أكدت هذه العلاقة المتينة
1- مكافحة الإرهاب
في تسعينيات القرن الماضي، حينما مرت الجزائر بمرحلة عصيبة خلال العشرية السوداء، كان الجيش الوطني الشعبي في الصف الأول لمواجهة الجماعات الإرهابية التي استهدفت استقرار البلاد وأمن مواطنيها، ورغم التحديات الكبيرة، تمكن الجيش بدعم شعبي واسع، من إفشال المخططات التخريبية، واستعادة الأمن والاستقرار تدريجيا وفرض سيادة الشعب والدولة أمام التطرف والانحراف والإرهاب والهمجية ومحاولات تحويل الجزائر إلى دولة فاشلة أو منكسرة أو النيل من استقلالها ووحدتها وسيادتها.
2- مواجهة الكوارث الطبيعية
عند حدوث الكوارث الطبيعية كالزلازل والفيضانات والحرائق، طالما كان الجيش الوطني الشعبي أول من يتدخل لإنقاذ المواطنين، وتقديم العون والمساعدة، وتأمين المناطق المتضررة، ففي زلزال بومرداس عام 2003، وفي حرائق الغابات التي شهدتها بعض الولايات الجزائرية في السنوات الأخيرة، قدَّم الجيش نموذجا رائعا في الوقوف إلى جانب الشعب وسقط من أفراده شهداء في تيزي وزو، ليبرهن مرة أخرى أن دوره يتجاوز حدود المهام العسكرية التقليدية، إلى حماية المواطنين، وما يزال في الثلوج والتحديات المختلفة يخدم الشعب بكل إخلاص وتفان.
عقيدة عسكرية جزائرية
تقوم العقيدة العسكرية للجيش الوطني الشعبي على عدة مبادئ أساسية، أبرزها
1- الجيش من الشعب وإلى الشعب، فهو ليس جيشا منفصلا عن المجتمع، بل جزء أصيل منه، يتألف من أبناء الجزائر الذين نذروا أنفسهم لخدمتها وحمايتها، من كل قرية ومن كل مدينة حيث يشعر كل جندي وضابط بأنه لايدافع فقط عن البلاد بل عن أهله ومنطقته وشعبه ككل، فهو جزائري عسكري يدافع عن الجزائر والجزائريين ويفديهم كما فداهم المجاهدون والشهداء بكفاحهم وجهادهم وحتى استشهادهم.
2- الاستقلالية والاحترافية؛ يحرص الجيش الوطني الشعبي على الحفاظ على تنفيذ مهامه الدستورية المقدسة في حماية حدود الوطن وسيادته واستقلالية قراره التي تعتبر أمانة الشهداء والمجاهدين المخلصين، بعيدا عن أي تدخلات خارجية، مع تطوير قدراته الذاتية عبر التسلح والتصنيع العسكري، والتحديث المستمر للمعدات والتكنولوجيا الدفاعية، إيمانا به بأن القوة العظيمة والقدرة الفتاكة والتحضير القتالي الفعال والجاهزية العسكرية هي التحدي الأول لجعل قدراته أكثر جاهزية ومهامه أعظم فاعلية، فكما قال الرئيس الأمريكي الساس والعشرون تيودور روزفلت “احمل عصا غليظة وتكلّم بهدوء، فسوف تذهب بعيدا”.
3- الدفاع عن السيادة الوطنية؛ كانت الجزائر وستبقى حرة وسيدة وهي ترفض التدخل الأجنبي في شؤونها وتعمل على تقوية وحماية سيادتها وقدراتها، والجيش هو الحامي الأساسي لهذه السيادة، سواء على المستوى الداخلي أو الخارجي، وهو الحصن الحصين والسد المنيع التي تتحطم أمامه كل أحلام وأوهام الأعداء في ضعف أو انبطاح الجزائر للابتزاز الدولي، ومع تلاحم الجيش والشعب وقوة اللحمة الوطنية المقدسة فإن الجزائر حصينة بجيشها المجيد البطل وبشعبها الوطني الأصيل المخلص وكلاهما يتشرب كل يوم دروس الجهاد والتضحية من أجدادنا الثوار البواسل وشعبنا المجاهد المخلص لمبادئه. كما تتجلى هذه العقيدة في مواقف الجزائر الثابتة تجاه القضايا الإقليمية والدولية، إذ تلتزم الجزائر بمبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، مع دعم القضايا العادلة، وعلى رأسها القضية الفلسطينية وقضية الصحراء الغربية.
4 –دعم الاستقرار والتحول السياسي الدستوري؛ فقد أدى الجيش الوطني الشعبي دور الحامي لاستقرار البلاد، فهو جيش شعبي دستوري يحترم دوره المقدس بعيدا عن السياسة ودهاليزها، ويحرص في الأزمات والتحديات على قيادة قطار التغيير باحترافية وسلاسة حرصا على أمن البلاد، وحماية ديموقراطية وإرادة الشعب وحرياته المقدسة، وقد قدّم نموذجا باهرا ومسارا رائعا في تسيير مرحلة الحراك الشعبي وحماية الشعب وخياره المقدس في التغيير من دون دم أو صراع، وأكد بلا منازع أنه جيش جمهوري ديموقراطي حامي للشعب بحيث وجه بحماية المتظاهرين واحترام خياراهم في التظاهر والتغيير ورفض حكم “عصابة الفساد”، كما وقف في جاهزية تامة للتصدي لمحاولات أرادت أن تعيق أو تطيل أو تفشل مرحلة التحول الدستوري، ونجح في دعم مسار تنظيم الانتخابات لغاية انتخاب رئيس للجمهورية والعودة للمسار الدستوري، كما أثبت أنه جيش مهني ومحترف، يحرص على مدنية الدولة وعدم التورط أو الانحياز لطرف ما في الحياة السياسية، فهو جيش شعبي جمهوري دستوري أدى ولايزال يؤدي مهامه على أكمل وجه.
تلاحمٌ خالد
وفي ظل التحديات الجيوسياسية الراهنة والتحولات العالمية والإقليمية الاستثنائية، يظل التلاحم بين الجيش والشعب عاملا رئيسيا في ضمان استقرار البلاد، فالدروس المستخلصة من التاريخ تؤكد أن أي محاولة لفصل الجيش عن الشعب، أو التشكيك في دوره الوطني، ليست سوى مخططات لضرب استقرار الدولة وإضعافها، والمساس بوحدة الروح المعنوية لرابطة جيش شعب.
ومن هذا المنطلق، يواصل الجيش الوطني الشعبي في تأدية دوره الاستراتيجي، سواء من خلال تطوير قدراته الدفاعية، أو من خلال دعمه لمسار السيادة الوطنية. والواضح للعيان أنه لا يمكن تحقيق جزائر قوية من دون مؤسسة عسكرية متماسكة وقوية وفي أتمّ الجاهزية، ولا يمكن الحفاظ على الاستقرار من دون وعي شعبي بدور الجيش في حماية السيادة ومواجهة المخاطر الإعلامية والسيبرانية والديماغوجية ومحاولات التلاعب بسيكولوجية الجماهير لفك الرابطة المقدسة بين العمود الفقري لتماسك الجمهورية، الجيش الشعبي الوطني سليل جيش التحرير.
مصير مشترك وأمانة تاريخية
إنّ العلاقة بين الجيش الوطني الشعبي والشعب الجزائري ليست مجرد علاقة بين مؤسسة ومجتمع، بل هي وجود من وجود فالجيش ولد من رحم الشعب ووجد لخدمته وحمايته، وهي رابطة مصيرية قائمة على التاريخ، والتضحيات، والهوية الوطنية المشتركة، والسيادة والحرية الوطنية المقدسة، وهذه العلاقة لم تكن وليدة اليوم، بل تأسست منذ أن حمل المجاهدون الثوار السلاح ضد الاستعمار بكل أنواعه وحقبه التاريخية، وترسخت مع بناء الدولة المتجددة والمستقلة، وتجددت في كل أزمة أو محنة مرت بها البلاد.
وفي ظل التحديات الإقليمية والمتغيرات العالمية، يظل هذا التلاحم صمام الأمان الذي يحفظ الجزائر قوية، منيعة، وعصية على كل المؤامرات، فالجيش الوطني الشعبي هو الحارس الأمين لأمن البلاد، والشعب الجزائري هو العمق الاستراتيجي الذي يستمد منه الجيش قوته وشرعيته فهو جيش جمهوري شعبي وطني مجيد ومقدس.