فوجئنا بإصرار الجزائريين على تدريس الإنجليزية بدل الفرنسية
كشف وزير التربية والتعليم الأسبق، علي بن محمد، عن حقيقة الصّراع القائم منذ الاستقلال، بين دعاة التعريب التي تقودها أغلبية مسحوقة، والتغريب بزعامة أقلية ساحقة، وعن الدور الذي لعبته وتلعبه فرنسا وأتباعها من الفرانكفونيون للإطاحة بالعربية، حفاظا على مصالحهم. حيث أكد الدكتور في حوار مُطول مع الإعلامي أحمد منصور على قناة الجزيرة، أن موضوع استبدال اللغة الفرنسية بالإنجليزية كلغة ثانية في الابتدائي، ليس وليد اليوم، بل طرحه بن محمد أثناء توليه حقيبة التربية والتعليم في التّسعينات، حيث وافق مجلس الوزراء على قرار دخول الإنجليزية للطور الابتدائي، وتمّ التحضير للعملية بتكوين 2000 معلم وإحضار مفتشين عامين من بريطانيا، “وكان الأمر سابقة في المدرسة الجزائرية”، وقبل الدّخول المدرسي بأشهر، وُزعت وزارة التربية استمارات على أولياء التلاميذ لاختيار اللغة الأجنبية لأولادهم، “فتفاجأنا اختيار الأغلبية للإنجليزية”، لكن القرار – حسبه – لم يرض فرنسا، التي اعتبرته محاربة لتواجدها بالجزائر”، أعقبه مباشرة فضيحة تسريب مواضيع البكالوريا في 1992 لأول جيل، بعد 12 سنة من التعريب”، يقول، والتي كانت -حسبه- عملية جدّ منسقة “…وصلت حتّى تسريب الموضوع الرئيسي والأسئلة الاحتياطية وأجوبتها في الشوارع، وتعليقها بالثانويات”، لتنتهي الواقعة بتقديم بن محمد استقالته، والإطاحة بمشروع الإنجليزية حسب قوله.
3 آلاف أستاذ فقط بقي بالجزائر بعد الاستقلال، فاستعان بن بلة بالمشارقة وكتبهم، وأكد علي بن محمد الذي نزل ضيفا على حصة بلا حدود بقناة الجزيرة، أمس، أن المعركة بين المتفرنسين ودعاة العروبة لا زالت مفتوحة، بل اشتد الصراع وبقوة بين الطرفين، يوضح “الإصلاح في نظر كثير من مسؤولي وزارة التربية، يكون بزحزحة اللغة العربية من مكانتها التي وصلتها منذ 1963 بجهد جهيد، بعد قرار بن بلة إدخال ساعات لتدريس اللغة العربية والإسلامية في جميع المدارس، رغم تواجد 3 آلاف مدرس للعربية فقط، بعد مغادرة 15 ألف أستاذ فرنسي الجزائر، بعد الاستقلال، وحتى هؤلاء استدعتهم الإدارات الجزائرية للعمل كمديرين ومستشارين… فطرقنا أبواب إخواننا المشارقة، وكل جلب كتابه… السوري والمصري واللبناني، وحتى الفرنسي… بقيت الجزائر 8 سنوات تستورد كميات كبيرة من الكتب“.
وحسب الدكتور، فرنسا خرجت مخلفة وراءها بين 90 و97 بالمئة من نساء ورجال الجزائر أمّييّن، بعدما قضت على الزوايا وملحقات المساجد، واستولت على الأوقاف، “المحتل الإنجليزي لم يقض على الأزهر بمصر، والفرنسي ترك جامع الزيتونة بتونس والقرويين بفاس…”، ودعاة الفرنكفونين – حسب الوزير الأسبق– كانوا يتشدقون بشعار انخفاض مستوى التعليم، وخنق البلد وعُزلتها، في وجه أي مطلب بتعميم استعمال العربية، “في حين هؤلاء الذين صنفتهم فرنسا من النخبة وقامت بتعليمهم، كانوا متخوفين أن يأخذ المعربون مكانهم بعد الاستقلال“، وحسبه، ظهرت بعد الاستقلال أصوات نادت بالعودة للغة الجزائر العامية، والتي اعتبرها المتحدث لغة نقية وصافية، وليست هجينا مثلما هي عليه الآن.
وتحدث بن محمد عن انتقام فرنسا بترحيلها لمهندسيها من صحراء الجزائر، بعد تأميم البترول في 24 فبراير 1971، ولسوء نيتها يقول “لم تسحب ولا معلما واحدا“، لكن بومدين استبق الخطوة، وأمر وزير التربية المرحوم عبد الكريم بن محمود بالتوسع في التعريب في الدخول المدرسي المقبل، والنتيجة جاءت بعد 3 أو 4 سنوات ثلث المدرسة الجزائرية معرب“. لكن مجيء مصطفى الأشرف على رأس قطاع التربية في 1977، والذي وصفه بن محمد بالرجل المحترم والمجاهد، لكن رأيه كان “شاذا” لاعتباره العربية غير قادرة على النهوض بالمسؤولية، وقال نتركها لتصبح قادرة.
جميع الدول العربية وضعت العربية بالرفوف
وحسب الدكتور، الوزراء المتعاقبون على التربية، لم تكن لهم قدرة كبيرة على اتخاذ القرار، “لكن في حدود سياسة الدولة يمكن أن يفعل الكثير، فكل النصوص السياسية والقانونية تدفع نحو التعريب“، مؤكدا أنه سبق له تقديم استقالته للرئيس محمد بوضياف، الذي وصف التربية ساعتها بالمنكوبة، وتخرج ناسا جهلاء، انطلاقا مما وصله من معطيات، ليتراجع عن قوله بعدما شرح له بن محمد التطور الكبير للمدرسة الجزائرية، وفي فترة حكم علي كافي، الذي وصفه المتحدث بالرجل المعرّب، طلب منه الأخير إيجاد طريقة للمضي بقانون التعريب، “فاقترحت عليه تعريب ما هو ممكن، والقطاعات التي لا تستطيع تؤجل إلى حين توفر الشروط“.
وتطرق بن محمد لواقع المدرسة الآن، فهي حسبه تهدر طاقات الطلبة، فـ20 بالمئة فقط ينجحون في البكالوريا، فيما يتوجه الأغلبية نحو الشارع، “اقترحتُ توجيه الطلبة انطلاقا من الأولى ثانوي حسب رغباتهم، سواء للدراسة أو التكوين، لكن مقترحي رُفض، لأن أبناء المسؤولين يجب أن يصلوا إلى البكالوريا، وحتى لو رسبوا يتنقلون للجامعة بأي طريقة“.
واستغرب المتحدث رسوب نصف مليون طالب في شهادة البكالوريا 2015، غالبيتهم يقول سيكون مصيرهم الانحرافات، في ظل عزوف عن التكوين المهني، “وحتى الجيش صار لا يطلب إلا الجامعيين“.
وختم الوزير الأسبق حديثه، بأن مسألة تعميم العربية في النهاية ليست سياسية أو إيديولوجية، هي مسألة وفاء لتاريخنا، مشبها وضع الجزائر بحال الدول العربية، التي حنطت العربية وركنتها على الرفوف “مقارنة بدول مثل إيران وتركيا المحافظة على لغتها وهويتها”.