-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
فيما تحتفظ الجمعيات الخيرية بـ"زبائن" دائمين

فوضى العمل التضامني تقصي فقراء حقيقيين

وهيبة سليماني
  • 406
  • 0
فوضى العمل التضامني تقصي فقراء حقيقيين
أرشيف

تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن، وتأتي الأمطار والعواصف بما لا تنتظره الكثير من العائلات والمتشردين في الشوارع دون سقف وغطاء يحميهم من البرد وقوت وألبسة تدفئ أجسادهم، فالأمطار الأخيرة التي تهاطلت بكثافة، استبشر بها الفلاحون خيرا، وفي مقابل ذلك استنهضت روح العمل الإنساني والتطوعي وجعلت فاعلي الخير يسارعون لمد يد العون لمن للمتضررين من سيول الأمطار.. الحساء الساخن والبطانيات والخيم والمواد الغذائية ضروريات ينتظرها الفقراء والمعوزون هذه الأيام الباردة، فالقوافل التضامنية قد تكون موسمية وتستهدف فئة دون غيرها وقد تنسى أو تتناسى أو تتجاهل من هم أكثر حاجة إليها، أو لا تعلم بوجودهم في خانة المحتاجين!

بن حبيلس: مطلوب تجنيد الأئمة لترسيخ التكافل الإنساني

وقد برزت في السنوات الأخيرة العديد من المبادرات الخيرية، لمساعدة الفئات الاجتماعية المتضررة والمعوزة خاصة مع كل موجة برد، تحمل شعار”شتاء دافئ” للتحسيس بحرارة هذا التكافل وجعله دعما نفسيا قبل أن يكون مساعدة مادية، لكنها على قدر ترسيخ مبدأ التضامن الاجتماعي، وفك كربة الكثير من الرازحين تحت خط الفقر، إلا أن بعض الجمعيات الخيرية وقعت في فخ النشاط الروتيني المرتكز على الدعاية والشكليات وأبقت على نفس الفئات المستفيدة من إعاناتها فتحوّل البعض إلى زبائن دائمين لديها..

منوار: معظم العمل الخيري شكلي لا يستفيد منه مستحقوه
ناصري: المساجد نجحت في توزيع الزكاة وتنتظر التنسيق مع الجمعيات

ولعل حادثة إنقاذ أعوان الحماية المدنية لأم وطفليها من الجوع بسبب حالتهم المزرية بعد ان لم يتناولوا الطعام مدّة 20 يوما شهر أكتوبر المنقضي، بمدينة خنشلة واحدة من بين قصص عشرات الجزائريين، الذين تدهورت حالتهم الاجتماعية حتى رمى بهم الجوع في دوامة المرض والموت..

رئيسة الهلال الأحمر الجزائري تخرج عن صمتها!
وعبّرت في سياق هذا الموضوع، سعيدة بن حبيلس، رئيسة الهلال الأحمر الجزائري، عن أسفها لوجود عائلات تتخبط في الجوع وأخرى متشردة في الشوارع، دون أي تكافل أو مساعدة من طرف الأقارب والجيران، وقالت بن حبيلس إن التبرعات بدأت تتراجع بشكل ملحوظ، وأن الهلال الأحمر، يتوقف عمله على حجم هذه التبرعات.
وأكّدت المتحدثة أن التضامن مع الفقراء والمحتاجين لا ينبغي أن يكون موسميا، حيث إن الهلال الأحمر الجزائري اتخذ كل احتياطاته منذ شهر أكتوبر، وقام بتوزيع أفرشة منها بطانيات، وخيم، ومواد غذائية استعدادا لمواجهة البرد على عائلات في المناطق الحدودية للجزائر، وفي مناطق جبلية وأخرى معزولة، وحتى في بعض المدن الكبرى، كما قام الهلال بترميم سكنات متضررين من الأمطار الخريفية.
وأوضحت سعيدة بن حبيلس، أن الهلال الأحمر الجزائري، استفاد من تجربته في أزمة كورونا، حيث يبحث باستمرار عن التبرعات وتوزيعها، ووجه نداءات لبعض المحسنين، لتقديم يد العون للمرضى في المستشفيات، وفي أوساط تعاني ظروفا قاسية.
وخرجت رئيسة الهلال الأحمر الجزائري، عن صمتها، قائلة: “إن العمل التضامني التطوعي لم يعد يأتي بفائدة كبيرة وأصبح شكليا وموسميا، وحتى تقديم الوجبات الساخنة في ليالي البرد، مجرد تقليد غربي أعمى، حيث أكدت أنها ستفتح هذا الملف مع وزير الشؤون الدينية لترسيخ أصالة التكافل بين الجيران، والأقارب، وجعل المساعدات ثقافة بين كل الجزائريين، ودون انتظار إعانات الجمعيات”.
وقالت بن حبيلس: “للمسجد دور كبير في استرجاع ثقافة التضامن،وأنوي مقابلة وزير الشؤون الدينية، يوسف بلمهدي، بغية تجنيد الأئمة، لذلك، حيث بات الحث على التراحم والتلاحم بين أفراد العائلة والأقارب والجيران ضروريا، بعد أن اختفت هذه الأخلاق لدى بعض هؤلاء”.
وأردفت “الوجبات الساخنة في الشتاء، مجرد تقليد، وهي لا تحل مشكل المتشردين، والفقراء الذين يتزايدون يوما بعد يوم في بلادنا.. من وراء هؤلاء المتشردين في شوارعنا..أين أقاربهم، جيرانهم، ومعارفهم، وجمعيات أحيائهم؟!”.
وقالت: ” أنا أرفض رفضا قاطعا وجود دور الشيخوخة..أنا لا أدخلها، لأنني ضد الفكرة أصلا”، وعلى الجزائريين المسلمين أن لا يفكروا أصلا في ترك ذويهم في مثل هذه الدور”.

منوار: لا يوجد إحصاء للمحتاجين ولمن يتقاضون أجورا متدنية
ومن جهته، قال حسان منوار، رئيس جمعية الأمان لحماية المستهلك الجزائري، أن ديوان الإحصاء لم يقدم لنا إحصاء ولو تقريبيا حول المرضى والمحتاجين، وحول أصحاب الأجور المتدنية، الذين يقبضون 4 آلاف دج أو 3 آلاف دج، لكي يسهل على الهيئات والجمعيات الخيرية، توزيع الصدقات بعدل وبدون إقصاء أحد.
وقال منوار، إن 1541 بلدية في الجزائر في كل منها مكتب خاص بالشؤون الاجتماعية حيث من المفروض حسبه، أن يتمثل عمل هذه المكاتب في تحديد عدد العائلات والتحقيق الميداني لمعرفة المعوزة منها،ومن الغريب أن لا تعرف هذه المكاتب عائلات تموت جوعا!”
وتزامنا مع الحملة الانتخابية للمجالس البلدية والولائية، أكد حسان منوار، على ضرورة لعب المجلس البلدي دور السلطة الجوارية بقربها من المواطن، والاهتمام به، حيث أن الجمعيات الخيرية، حسبه، تأخذ المعلومات من رؤساء البلدية، ليكون الإسعاف الاجتماعي بطريقة دقيقة، وعادلة، وفي غياب هذه المعلومات أصبحت الكثير من الجمعيات تستهدف الفقراء والمتشردين الذين يظهرون أمامها في الشوارع فقط.

جمعيات ينقصها التكوين.. و”زبائن” دائمون على قوائمها
ويرى رئيس جمعية الأمان لحماية المستهلك الجزائري، حسان منوار، أن الكثير من الجمعيات الخيرية اليوم، ليست لديها تكوين ومؤهلات للقيام بالعمل التطوعي والتضامني بطريقة علمية، ومحددة وبمعرفة وخبرة ميدانية، وبأمور أخرى شعبية، حيث أن أغلب هذه الجمعيات تعمل مع نفس الفئات المسجلة لديها، بل تستغل هذه الأخيرة في الترويج لها عبر وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي لخدمة أهداف شخصية وسياسية، والدعاية بهدف الشهرة.
ودعا منوار إلى إصدار قانون يعاقب للترويج للإعانات أو يظهر الطرف الآخر المستفيد منها عبر منصات التواصل الاجتماعي أو الإعلام بجميع أشكاله وأنواعه.
والنظرة الاستشرافية، حسب منوار، التي يفترض العمل بها في الجمعيات، جيدة تجعل من العمل التضامني التطوعي أكثر قيمة، فمن الضروري تعزيز التكوين، لأنّ بعض الفقراء والمحتاجين يستحون من مدّ أيديهم.
وعلى خلاف هؤلاء تحوّل بعض المحتاجين إلى “زبائن” دائمين للجمعيات على قوائمها الموسمية، حيث يستفيدون من إعانات عديد الجمعيات في وقت واحد مفوّتين الفرصة على المحتاجين الحقيقيين.

يجب أن يكون العمل الخيري تشاركيا لتوزيع الصدقات بالعدل
وأكد حسان منوار، أن التحسيس والتوعية وخطاب المساجد، في تنظيم العمليات الخيرية والتضامنية، بات ضروريا جدا في ظل اتساع رقعة الفقر في الجزائر، وارتفاع عدد المحتاجين، والمتشردين في الشوارع، وبهذه الطريقة، يمكن ضمان حق الآخرين الأكثر حاجة للإعانة.
كما يرى منوار أنّ الرقمنة فرصة لمعرفة أسماء المحتاجين عبر الأحياء، وإدماجهم وضم أشخاص أكثر فقرا لتحديث القوائم ومتابعتها، حيث يمكن بذلك تفادي تقديم الإعانات لنفس العائلات، واستفادة هذه الأخيرة من عدة جمعيات أخرى في نفس الوقت، مع إقصاء آخرين ربما يكونون في أمس الحاجة إلى المساعدة والدعم.
وقال رئيس جمعية الأمان إنّ على أئمة المساجد أن يلعبوا دورهم في الدعوة إلى العمل الخيري الإنساني والدعوة إلى تفريج الكرب بعيدا عن أهداف شخصية بحتة ومطامع تحقق على حساب الفقراء والمساكين.

الشتاء الدافئ للمتشردين يحتاج إلى بنوك غذاء
وطالب حسان منوار، ببنوك غذاء للجمعيات الخيرية، تكون كمخازن تضم غرف تبريد، وسخانات للأكل، وهو ما دعت إليه جمعيته منذ سنتين، حيث يرى أنها فرصة لكل المحسنين المتطوعين وأصحاب الجمعيات الخيرية، لجمع الأكل المتبقي من المطاعم والفنادق، والولائم والاحتفالات الكبيرة، وتخزينه في غرف التبريد مع احترام المعايير ودون المساس بصحة الأشخاص الذين توجه إليهم الوجبات المخزنة، والتي تسخن وتوزع عليهم في وقتها، مع ضرورة تكليف مختص في السلامة الغذائية بمراقبة هذه الوجبات.

الإمام ناصري: الأئمة مستعدون لتعزيز العمل التضامني في الأحياء
وقال إمام مسجد الفتح بشراقة غرب العاصمة، محمد الأمين ناصري، إن أهداف العمل الخيري تتمثل بالأخص في التحسيس بمعاناة الأسر الفقيرة في المناطق المعزولة والبعيدة، والتكفل بالمرضى والمعوزين لتخفيف معاناتهم، والدعم النفسي والاجتماعي للأسرة الفقيرة.
وأكد الامام أن العمل التضامني له ثواب عظيم لكنه يحتاج إلى تنظيم، حيث باتت المساعدات تتكرر مع نفس العائلات، وتتجاهل من هم في أمس الحاجة إليها، وزكاة الفطر في المساجد، هي الأكثر تنظيما في توزيعها، حيث أوضح أن المشرفين عليها يبدؤون بالأرامل ثم اليتامى، وأصحاب الدخل الضعيف، إلى الأقل منهم ضررا.
وأشار ناصري في ذات السياق، إلى أن العمل التطوعي الخيري، لا بد أن يكون دائما، وليس مناسباتيا، وأن تقديم المساعدات للفقراء والمساكين، يحتاج إلى عمل جمعيات الاحياء والمساجد لتحديد هؤلاء بدقة، داعيا إلى ملتقى وطني للعمل التطوعي، الهدف منه التنسيق بين المجتمع المدني والأئمة لتنظيم توزيع الصدقات بالعدل ودون إقصاء فئة على حساب فئة أخرى.
وقال أيضا إن الأئمة مستعدون لترسيخ قيم وثقافة التكافل بين الأقارب والجيران، والحث على تنظيم النشاط الخيري، وتحريره من البروتوكولات والشكليات والمنافع الخاصة، لإعطاء الصبغة الإنسانية الحقيقية التي بها تفرج كربة المكروبين من أبناء الجزائر.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!