لاجئون سوريون في الجزائر شعارهم “دلونا على السوق”

فروا من جحيم الحرب ولجؤوا إلى الجزائر، باحثين عن الأمان والسلم، أرادوا فقط مأوى يحميهم ولقمة عيش تسد رمقهم، إلا أن طموحهم فاق كل التوقعات، فاستطاعوا أن يجعلوا من لا شيء كل شيء، هم سوريون قصدوا الجزائر باسم اللجوء فأصبحوا من أكبر المستثمرين والتجار، الشروق رافقتهم ووقفت على سر نجاحهم وإصرارهم..
هم سوريون أعطوا صورة جميلة عن أبناء الشام، معاكسة تماما لما روّجه بعض المتسوّلين السوريين، الذي احترفوا مهنة التسوّل تحت غطاء اللجوء السوري، فرسموا مثالا يحتذى به في الإرادة والنجاح ومجابهة الصعاب، حيث استطاعوا أن يقتحموا شتى المجالات، بعضهم طوّر تجارته وحجز مكانته في السوق الجزائرية، والبعض الآخر غير مهنته فكان النجاح حليفه.
“الريان عمر” حجز مكانته كمستثمر بفضل الأكل الشامي
اشتهر بأكلاته السورية التقليدية واستطاع في وقت وجيز حجز مكانة في قلوب الكثير من المتعطشين للتبولة، الفتوش والشوارما العربية، إنه “الريان عمر” الذي بدأ مسيرته في عالم الطبخ السوري التقليدي من “بوابة دمشق”، وهو المطعم السوري الشهير في بن عمر بالقبة، والذي أصبح قبلة لعشاق الأكل الشامي، واتبعه فيما بعد بمحل للأكل السريع على غرار البيتزا وبعض السندويشات التي تميزها النكهة السورية الأصيلة، وليتم تشكيلته افتتح محل حلويات أطلق عليه اسم “حلويات بوابة دمشق”.
استقبلنا “الريان عمر” في مكتبه بمحل حلويات بوابة دمشق وكانت لنا معه دردشة خفيفة جمعت حنينه إلى بلاد الشام مع طموحاته في أرض الجزائر الشقيقة، التي أثنى على شعبها المضياف، قال إنه كان دائم الزيارة إلى الجزائر، بحكم امتهانه للتجارة، إلا أنه بعد الحرب قرر الاستقرار بها، معترفا أنه لم ينجح إلا عندما وطئت قدماه أرض المليون ونصف مليون شهيد، ويبدو أنه عرف اللعب على الوتر الحساس للجزائريين، الذين يعشقون كل ما له صلة ببلاد الشام، وخاصة الأكل السوري، الذي أصبح الجزائريون يستطيعون الاستمتاع بذوقه المميز دون الحاجة للسفر.
قال محدثنا إنه واجه عدة صعوبات في بداية استقراره في الجزائر، تتعلق بكراء محل وبيت وغيرها من الأمور، إلا أنه استطاع تجاوزها بفضل إرادته، وهاهو اليوم يتوسع في تجارته وأعماله، حيث افتتح إضافة إلى محل بوابة دمشق محلا للفاست فود ومحلا للحلويات وكذا محلا ألبسة، وهو حاليا بصدد التحضير لمشروعين، وهما افتتاح قاعة حفلات تحمل الطابع الشامي وكذا شركة للبناء والمقاولات.
“طلال الشيخ” أكبر محل لبيع الألبسة السورية في العاصمة
قصدنا محل “زنوبيا” لبيع الألبسة السورية والجزائرية التقليدية، الواقع بساحة الأمير عبد القادر بالعاصمة، الذي كان يعج بالزبائن، بما أن يوم زيارتنا صادف عطلة نهاية الأسبوع، ولم نتمكن من الحديث مع صاحب المحل “طلال الشيخ” فمنحنا رقم هاتفه للتواصل معه لاحقا.
اتصلنا بطلال وكانت لنا معه دردشة خفيفة، روى لنا فيها أهم المحطات التي مرّ بها قبل أن يمتلك أكبر محل لبيع الألبسة التقليدية السورية، الجزائرية والمغربية، حيث قال إنه قصد الجزائر هربا من الحرب التي وضعت أوزارها بسوريا، رفقة زوجته وأطفاله الثلاث.
وتحدث “طلال” عن صعوبات بالجملة واجهها لمزاولة عمله في الجزائر، خاصة وأنه لا يملك الإقامة، إضافة إلى القوانين التي سنتها الدولة الجزائرية، فيما يخص تجديد الوثائق في مدة 45 يوما، حيث يعاني السوريون في استخراج الوثائق كل مرة، داعيا السلطات الجزائرية إلى ضرورة تمديد هذه المدة، حيث يصبح على اللاجئين السوريين تجديد وثائقهم كل ستة أشهر على الأقل.
وفيما يخص منع زواج الجزائريات من السوريين والتضييق عليهم، انتقد طلال ذلك بنوع من المزح قائلا “اللاجئون السوريون يعيشون على أرض الجزائر، فمن الطبيعي أن يتزوجوا من جزائريات وليس من صوماليات”.
وختم محدثنا قائلا إنه يتمنى توسيع استثماراته بالجزائر، إلا أنه يحتاج لبطاقة إقامة بطريقة شرعية، وتسهيل بعض الإجراءات الإدارية على جميع السوريين الذين يعيشون هنا.
مصطفى ومحمود .. من لحامين في سوريا إلى مالكي ورشة ميكانيك
انتقلنا إلى الدرارية المعروفة بتمركز عدد كبير من السوريين فيها، ودخلنا ورشة للميكانيك، فاستقبلنا مالكاها “محمود” ومصطفى درويش جزائرلي بحفاوة، هما من أصول جزائرية، دخلا الجزائر عام 2013 هروبا من حرب سوريا، كان لنا معهما دردشة قصيرة، سردا فيها تفاصيل الإقامة في بلدهما الأصلي، حيث قالا إنهما لم يتمكنا من التأقلم في بادئ الأمر، خاصة وأنهما جاءا برفقة عائلاتيهما المكونتين من زوجتيهما وأولادهما، وكانا في رحلة البحث عن مأوى يحميهم ولقمة العيش، رفضا مد أيديهما مثل ما يفعله بعض اللاجئين السوريين، الذين قالا عنهم إنهم لا يمثلون كل السوريين، بل يمثلون أنفسهم وأنهم كانوا في الأصل يحترفون مهنة التسوّل في سوريا قبل لجوئهم إلى الجزائر.
قال محمود إنه لما دخل الجزائر توقع تكفلا من السلطات الجزائرية به وبزوجته وبأطفاله، خاصة أنه من أصول جزائرية، إلا أنه فوجئ بالعكس، حيث أن زوجته ممنوعة من الحصول على الإقامة، باعتبارها أجنبية، مناشدا السلطات الجزائرية التكفل أكثر بانشغالات السوريين، الذين دخلوا الجزائر باحثين عن الأمن والاستقرار.
وأكد “مصطفى” أنهما كانا يشتغلان لحامين في سوريا، إلا أن طموحاتهما تحققت على أرض الجزائر، من خلال ورشة الميكانيك وأصبحا مختصين في تصليح الأجهزة والسيارات وأضحى يملكان زبائن خاصين بهما.
ورشات خياطة سورية تستقطب آلاف الجزائريين
غير بعيد عن ورشة الشقيقين مصطفى ومحمود يقع مستودع صناعة الخيط الذي يملكه الشقيق الثالث محمد درويش، دخلنا المستودع ووجدنا زوجة محمد، بما أن هذا الأخير كان منشغلا بإيصال الطلبيات إلى أصحابها، جلسنا بجانب نجلاء التي قالت إنهم جاؤوا من حلب لاجئين إلى أرض الجزائر، التي تعتبر بلد زوجها الأصلي وكانوا يتمنون أن تحتضنهم أرض الشهداء وأن يكون لهم مكان بين أبنائها، مؤكدة أن الشعب الجزائري كان كريما ومضيافا وساعدهم كثيرا في بداية مشوارهما، إلا أنها وزوجها قررا العمل بعرق جبينهما وعدم انتظار المساعدة، فاستأجرا مستودعا وأحضرا بعض آلات صناعة الخيط من سوريا والبعض الآخر من هنا، وشرعا في صناعة الخيط بشتى أنواعه وأشكاله وألوانه.
قالت نجلاء إنهما واجها بعض الصعوبات في بداية عملهما تتعلق باستئجار المحل، وعدم امتلاكهما معارف وزبائن لتسويق بضاعتهما، إلا أنهما مع مرور الوقت استطاعا التعامل مع الزبائن، بعد تقصيهما عن محلات بيع أدوات الخياطة والنسيج وغيرها، وأصبحا يملكان زبائن خاصين بهما، ويقومان بإنجاز طلبيات وفق ما يحتاجه الزبائن، الذين يقصدون المحل خاصة بعد أن يلاحظوا جودة البضاعة، التي يحرصان عليها كثيرا.
قبل أن نودع نجلاء طلبت منا إيصال صوتها وصوت جميع السوريين المتواجدين على أرض الجزائر إلى المسؤولين، قائلة “طموحاتنا كبيرة ونريد أن نعمل وننجح، إلا أننا نواجه عراقيل تتعلق بالبيروقراطية والوثائق الإدارية، التي تحول دون تقدمنا أكثر”.