-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

ليبيا.. السيناريوهات الخمسة المرتقبة وآفاق الوضع

بقلم: علي اللافي
  • 499
  • 0
ليبيا.. السيناريوهات الخمسة المرتقبة وآفاق الوضع

رغم أن كل الدلائل تشير إلى أن تشكيل حكومة توافقية مصغرة ومن ثم تنظيم الانتخابات البرلمانية بين سبتمبر وديسمبر المقبلين هو الترتيب الأقرب بناء على وصول المسارات الأربعة (السياسي– الدستوري– العسكري/ الأمني– الاقتصادي) إلى خواتمها، فإنَّ طبيعة التطورات والمتغيرات في الإقليم قد تدفع الأمور في ليبيا إلى مربعات غير اعتيادية وتغيّر تفاصيل الاستراتيجيات الدولية في بلد تتداخل فيه الأجندات الإقليمية والدولية، خاصة وأن السياسات الأمريكية والأوروبية فيه تعتمد منطق التفاعل مع طبيعة موازين القوى على الأرض وبناء على تطورات في مربعات دول الجوار المحيطة به إضافة إلى امتدادات التأثر والتأثير مع التطورات الجارية في دول الساحل والصحراء، فما هي آخر التطوُّرات في ليبيا؟ وما هي آفاق الوضع في أفق نهاية جوان الحالي؟

سيبقى الوضع غامضاً بشأن ما سيحدث بعد 22 جوان خصوصا مع عدم وضوح مستقبل الانتخابات المؤجلة منذ ديسمبر الماضي، ووسط خلاف حكومي كبير بين حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبد الحميد الدبيبة، الذي رفض تسليم السلطة إلا لسلطة منتخبة، وحكومة كلفها مجلس النواب برئاسة فتحي باشاغا وتتخذ من مدينة سرت مقراً مؤقتاً لها، بعد فشلها في دخول العاصمة طرابلس في مناسبتين.

1- أولا: معطيات التاريخ والجغرافيا في ليبيا وإن تراكمت كميا وكيفيا إلا أنها لم تتغير منذ عقود؛ ذلك أن الخصائص العامة للمجتمع الليبي بقيت هي نفسها (التماسك والتمسك بالخصائص الحضارية، عدم تلوث السلوكات الاجتماعية، ارتكاز الشخصية الليبية على ثالوث “القبيلة” و”الغلبة” و”الغنيمة”)، وهو ما يعني أن تلك الخصائص محددة في مواقف المجتمع السياسية وفعله الثقافي والاجتماعي ورؤيته للفاعلين الإقليميين والدوليين.

وفي سياق ثان بقيت معادلة أهمية ليبيا الجغراسياسية نتاج أهمية وطول سواحلها على المتوسط ووجود حدود برية وطويلة لها مع أغلب دول الساحل والصحراء إضافة إلى ثرواتها الهائلة والنادرة ويُسر المرور من أراضيها إلى العمق الإفريقي، وكل ذلك جعل المجتمع الدولي ضمن إطار صراع نفوذ بين مكوناته وخاصة في ظل فرادة موانئ وسواحل ليبيا الإستراتيجية والتي لا تُضاهيها إلا نظيرتُها السودانية، ومن ثمّ فإن أيَّ مواجهة أمريكية وأوروبية مستقبلية، سواء كانت باردة وناعمة أو مباشرة ومعلنة مع الروس والصينيين، لن تكون إلا عبر الأراضي الليبية وانطلاقا منها.

2- ثانيا: كل الحقائق والمحددات والتراكمات السابقة وسالفة الذكر أعلاه  مضاف إليها طبيعة الصراع منذ 2014 والذي يتفق كل المتابعين أنه ليس سوى حرب بالوكالة تخوضها أطرافٌ ونخب ليبية ضيّقة الأفق الاستراتيجي ولصالح أذرع إقليمية خادمة بدورها لقوى دولية ومحافل وشركات عابرة للقارات، ستكون بالضرورة ضابطة لأي فعل وسلوك واصطفاف سياسي سواء كان محليا أو إقليميا أو دوليا مع ليبيا وعلى ترابها أو قريبا منها في أي دولة من دول الإقليم وخاصة في ظل حقيقة توازن الضعف (أو توازن القوى) القائم دوليا وإقليميا ومحليا منذ بداية سنة 2019، بل وستكون ليبيا حاضرة بقوة في لقاءات الرئيس الأمريكي “بايدن” في الشرق الأوسط وفي الخليج في منتصف جويلية القادم.

3- ثالثا: مثلت لقاءات القاهرة الأخيرة سواء بين المسؤولين الأولين للمؤسسات القائمة حاليا في ليبيا وبين لجان مناقشة فصول الدستور المختلف حولها أو الأسس الدستورية التي ستُجرى بناء عليها الاستحقاقات الانتخابية القادمة، مرحلة أخيرة للتوافق السياسي وبالتالي فإنّ نجاحها من عدمه قد تدفع نحو هذا السيناريو أو ذاك، وقد التقى رئيسُ المجلس الرئاسي، محمد المنفي، رئيسَ مجلس النواب، عقيلة صالح، خلال زيارة قصيرة للعاصمة المصرية القاهرة يوم 15 جوان الجاري، ويُحتمل أن يكون صالح قد التقى خالد المشري رئيسَ المجلس الأعلى لدولة لتثبيت التوافقات السابقة وترحيل النقاط الخلافية لمرحلة ما بعد الانتخابات، كما قدم رئيس مجلس المفوضية الوطنية العليا للانتخابات “عماد السائح”، إحاطة للمجلس الرئاسي حول عمل المفوضية والتحديات التي واجهتها طيلة الأشهر الماضية أثناء الإعداد للانتخابات.

ومعلومٌ أن عملية إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية لاقت تعثرا، بعد أن كان مقررا إنجازها في 24 ديسمبر الماضي، فيما عزت المفوضية فشل إجرائها إلى ما وصفته بـ”القوة القاهرة”، وفي القاهرة أيضا طرح رئيس الأركان اللواء محمد الحداد تصوُّرا لتوحيد المؤسسة العسكرية، وكل ذلك يعني أن اللقاءات الكثيرة والماراطونية في القاهرة أننا أمام لحظة الحسم؛ فإما التوافق والخروج من مربعات التجاذبات، أو فتح باب الحروب والتقسيم من جديد.

4- رابعا: سيبقى الوضع غامضاً بشأن ما سيحدث بعد 22 جوان خصوصا مع عدم وضوح مستقبل الانتخابات المؤجلة منذ ديسمبر الماضي، ووسط خلاف حكومي كبير بين حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبد الحميد الدبيبة، الذي رفض تسليم السلطة إلا لسلطةٍ منتخبة، وحكومة كلفها مجلس النواب برئاسة فتحي باشاغا وتتخذ من مدينة سرت مقراً مؤقتاً لها، بعد فشلها في دخول العاصمة طرابلس في مناسبتين، ومعلوم أن القاهرة -وإضافة للاجتماعات المفصلة وسالفة الذكر أعلاه- تحتضن بالتزامن اجتماعين ليبيين، الأول للجولة الثالثة والأخيرة لمفاوضات اللجنة الدستورية، المكونة من 24 عضوا بالمناصفة بين مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة، لبحث مسار يفضي إلى إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المؤجَّلة، والثاني لأعضاء اللجنة العسكرية المشتركة 5+ 5 لـ”مواصلة مناقشة خيارات التنفيذ الكامل لاتفاق وقف إطلاق النار الشامل، وتنسيق جهود وترتيبات انسحاب المقاتلين والمرتزقة الأجانب”، بحسب بيان للُّجنة العسكرية.

5- خامسا: بناءً على كل المعطيات والمحددات سالفة الذكر، هناك عمليا خمسُ سيناريوهات مرتقبة وهي قد تتحدد خلال الأسبوعين القادمين بناء على تطورات الأمور ميدانيا وسياسيا وبناء على تفاعل الفاعلين الإقليميين وخاصة الجزائر وتركيا ومصر وما قد يجري من لقاءات خاصة ومغلقة في القاهرة وتونس، إضافة للّقاءات الرئيسية والمعلنة في القاهرة خاصة وأن عقيلة صالح يخلط المواقف والتصريحات والخطوات (تصويت مجلسه لميزانية حكومة “باشاغا” غير المعترف بها دوليا والتي لا يوافق البنك المركزي الليبي على التعامل معها حتى الآن)، والسيناريوهات الخمس هي:

  • السيناريو الأول (60 بالمائة): ويتمثل في الوصول إلى حل توافقي وحل الإشكالات في المسارات الأربع، وسيقوم عمليا عبر تشكيل حكومة مصغرة من حوالي 14 وزيرا، وتقود نفسُ الحكومة البلاد لمدة سنة على أن تجرى الانتخابات البرلمانية في ديسمبر 2022 والرئاسية في جوان 2023.
  • السيناريو الثاني (20 بالمائة): وينبني ربما على أحداث وتطورات فُجائية خلال الأيام القادمة؛ إذ قد يتم استهداف الحقول من طرف كتائب وقوى اجتماعية وعسكرية بحثا منها على طرد قوات “الفاغنر” الروسية هناك، ثم يتم لاحقا ترتيب السيناريو السابق نفسه تقريبا أي انتخابات برلمانية ثم رئاسية.
  • السيناريو الثالث (5 بالمائة): ويتمثل في إقناع “الدبيبة” بأن ولايته انتهت يوم 22 جوان وتتم دعوته للترشح مقابل إيجاد حل لمباشرة حكومة باشاغا مع تعديلها كميا وكيفيا ثم تشرف بنفسها على مسار انتخابي مضبوط بخارطة طريق واضحة المعالم.
  • السيناريو الرابع (10 بالمائة): ويتمثل في أن تتطور الأحداث نحو مزيد من التأزيم، ولكن قد لا تتوسّع الاشتباكات ويتم الحرص على أن تبقى محدودة، ومن ثم تتم المبادرة بدعم خطة إعادة الملكية لليبيا والاعتماد على دستور 51 جزئيا أو كليا.
  • السيناريو الخامس (5 بالمائة): وهو نفس السيناريو السابق تقريبا مع الدفع الإقليمي والمحلي للتقسيم أو ما شابهه سواء عبر الفيدرالية أو حتى الكونفدرالية المقنَّعة، وهنا سيتم إنشاء عملي لثلاثة جيوش ولكنها جيوش تابعة لوزير دفاع مركزي (ضمن حكومة مركزية قوية ولكنها أقرب للتبعية للفاعل الدولي) وهنا ستواصل قيادة البعثة الأممية بمهام بعينها إلى ما لا نهاية.
أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!