-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

مكتبة العالم الثالث: تاريخ ونضال من أجل أن يحيا الكتاب

مجيد صرّاح
  • 593
  • 0
مكتبة العالم الثالث: تاريخ ونضال من أجل أن يحيا الكتاب
ح.م
مكتبة العالم الثالث

مكتبة العالم الثالث، هي واحدة من أعرق المكتبات في الجزائر، عاشت تاريخ الكتاب في الجزائر المستقلة منذ فتح أبوابها أيام كانت الجزائر العاصمة كما قال عنها أميلكار كابرال “مكة الثوار”، إلى غاية كتابة هذه الأسطر اليوم في 2023.

وفي ذلك الزخم التحرري والثوري تم إطلاق تسمية “العالم الثالث” عليها، وتم افتتاحها عام 1964 بحضور المؤرخ محمد حربي الذي كان مسؤولا ساميا آنذاك، وقد تخصصت في بيع الكتب حول قضايا التحرر والحركات التحررية وعدم الانحياز.

المكتبة تتواجد في وسط العاصمة في شارع العربي بن مهيدي، تحت ظل تمثال الأمير عبد القادر، واضع أسس الدولة الجزائرية وهو السياسي والعسكري والشاعر، وغير بعيدة عن “الميلك بار” الذي وضعت أمامه جميلة بوحيرد وزهرة ظريف قنبلة أثناء الثورة التحريرية. مكتبة العالم الثالث ليست فقط جزءا من المكان، بل جزء من تاريخه.

أثناء الفترة الاستعمارية المكتبة كانت محلا للمجوهرات وبعد الاستقلال تم استبدال المجوهرات بما هو أثمن، وهي الكتب.

وهي المكتبة التي مر عبرها كل من يسمينة خضرا، أمين زاوي، واسيني لعرج، بنجاما ستورا، علي ديلام، محمد ساري، الطاهر وطار، ميسة باي وغيرهم كثيرون. هي ليست مجرد مكتبة، بل متحف ترك فيه مؤلفون وفنانون جزائريون بصمتهم.

استقبلنا فيها علي باي عبد الرحمن مسير المكتبة، والذي بفضله لا تزال المكتبة قائمة. حيويته التي استقبلنا بنا وحماسه حين يتكلم عن الكتاب لا تعكس أنه بلغ السبعين من عمره.

علي باي عاد بنا بحديثه معنا، وكله حنين، إلى ذلك الزمن الذي كانت فيه الجزائر “تستورد فيه الكتب بالباخرات”، وحين كانت الجزائر مركز إشعاع فكري، فكان “الأجانب من أوربيين وروس يأتون إلى المعرض الدولي للكتاب بالجزائر العاصمة من أجل اقتناء أحدث الكتب”.

طلبنا من مستضيفنا أن يحدثنا عن المكتبة التي يدير، فأخبرنا أنه لا يمكن الحديث عن مكتبة العالم الثالث دون التطرق إلى الكتاب وسياسة الكتاب عندنا. وبدأ يسرد علينا تلك الرحلة الشاقة التي سارها الكتاب غداة الإستقلال.

البداية كانت في 1966 حين تم إطلاق المؤسسة الوطنية للنشر والتوزيع، وهي مؤسسة وطنية كانت ثمرة تأميم شركة النشر “هاشيت الجزائر”، وهي مجموعة دور نشر وتوزيع فرنسية.

المؤسسة الوطنية للنشر والتوزيع آنذاك كانت تحتكر كل ما له علاقة بالكتاب من استيراد، طبع وتوزيع الكتاب. وكانت تمتلك وتسيير 67 مكتبة على المستوى الوطني، كلها متواجدة في أماكن إستراتيجية في مختلف مدن وهران، قسنطينة، عنابة، تيزي وزو… “في ذلك الوقت بين شارع ديدوش مراد والعربي بن مهيدي كانت هناك حوالي 11 مكتبة، تبيع الكتب، اليوم لم يبق سوى مكتبتين : القرطاسية والعالم الثالث” يقول علي باي عبد الرحمن.

إذا كان بين هذين الشارعين لم تتبق سوى مكتبتين، ففي مدينة الجزائر العاصمة أين يعيش قرابة خمس ملايين شخص، والتي تعد واحدة من أكبر المدن المغاربية، فلا لا يوجد بها اليوم سوى حوالي 10 مكتبات، أي مكتبة واحدة لكل 500000 مواطن.

في 1983 وفي إطار إعادة هيكلة المؤسسة الوطنية للنشر والتوزيع، خرجت منها أربعة مؤسسات : المؤسسة الوطنية للكتاب، وهي المؤسسة التي أوكلت إليها مهمة استيراد وتوزيع الكتاب، المؤسسة الوطنية للأدوات التربوية والثقافية، وهي المؤسسة التي أوكلت إليها مهمة استيراد وتوزيع الأدوات المدرسية والمكتبية، المؤسسة الوطنية للفنون المطبعية، وهي المؤسسة التي أوكلت إليها مهمة طبع الكتاب إضافة إلى أشغال طبع أخرى، والمؤسسة الوطنية للصحافة، وهي المؤسسة التي أوكلت إليها مهمة استيراد وتوزيع الصحف.

“فيما يخص الصحف، كانت الجزائر تستورد اليوميات التي تصدر في الخارج، كجريدة “لوموند” الفرنسية مثلا، وتضعها في يد القارئ الجزائري يوم صدورها. ما كان يسمح للجزائريين بالإطلاع على ما يحدث في العالم”، يقول علي باي.

في 1985 عرف العالم بداية أزمة بترولية خلفت انعكاسات كثيرة على اقتصاديات البلدان التي كانت تعتمد على البترول كمصدر رئيسي للدخل، ومن بين هذه البلدان التي تضررت الجزائر.

فتوقفت المؤسسة الوطنية للكتاب عن استيراد الكتاب في الوقت الذي كان فيه الإنتاج الوطني قليلا لا يكفي احتياجات القراء ولا يلبي طلباتهم. ما أوقع المؤسسة في عجز انتهى بحلها نهائيا في 1998 وعرضها للبيع في المزاد العلني.

تواجد المكتبات في أماكن إستراتيجية بالمدن جلب إليها العديد ممن يريدون شراءها وذلك من أجل استغلال أماكنها في نشاطات أكثر ربحا.

حينها التف بعض عمال هذه المكتبات، خاصة المكتبيين منهم، في جمعية بهدف الحفاظ على المكتبات ومنع تغيير نشاطها، يقول علي باي عبد الرحمن، الذي كان بين أولئك المكتبيين ورئيس تلك الجمعية أن ما ناضلت من أجله هو حفاظ تلك المكتبات حتى بعد بيعها على نشاطها “قلنا آنذاك أنه إذا كان لازم يبيعوا المحلات، يجب فرض نفس المهنة على المشتري لتبقى مكتبة” الجمعية قامت بالتعبئة من أجل الحفاظ على هذه المكتبات، فقامت بنشر عريضة موقعة من طرف مثقفين وفاعلين نشرت، والاتصال بالجرائد التي كانت تبنت مطالب الجمعية وكانت تنشر يوميا مقالات على الموضع، كما طرقت أيضا أبواب المسؤولين أصحاب القرار، وطرحت المشكل “لا يمكن تصور بلد بدون مكتبة”، يقول لنا علي باي وهو يعرض علينا سجلا يوثق هذه التعبئة بعشرات قصاصات لمقالات صحفية. كثمرة لكل تلك التعبئة من أجل الحفاظ على المكتبات، تراجعت الدولة عن قرار بيعها في المزاد العلني وقررت بدلا من ذلك منحها للعمال لتسييرها.

فمنحت كل مكتبة لخمسة عمال، لكن ليسوا كلهم مكتبيين ولا منتمين إلى مجال الكتاب، ومع مادة تسمح لهم ببيع هذه المكتبات بعد 5 سنوات، فما حدث هو أن بيعت أغلبية المكتبات بعد ذلك التاريخ، يتأسف علي باي.

وهذا ما عاشته أيضا مكتبة العالم الثالث، فمحدثنا يقول أن العمال الآخرين أرادوا بيع المكتبة لكنه كان دائما يعارض الفكرة. حتى أن الخلاف حول مستقبل المكتبة ورغبة العمال الآخرين في بيعها ورفضه هو، أدى لإغلاق المكتبة لفترة من الزمن، وهذا إلى غاية عام 2005 حين اقترح صاحب دار النشر “القصبة”، إسماعيل أمزيان، شراءها مع الإبقاء على نفس نشاطها وتعيين علي باي عبد الرحمن كمسؤول عليها.

كي يعاد فتحها من جديد عام 2006، وكان الإفتتاح حدثا حظرته وزيرة الثقافة آنذاك خليدة تومي، وممثل شخصي عن رئيس الجمهورية السابق.

كي تعود بذلك الحياة إلى مكتبة العالم الثالث، والتي أصبحت تنظم لقاءات مع مؤلفين، بيع بالإهداء، زيارات للأطفال منظمة من طرف المدارس، خصوصا مع انتعاش قطاع الثقافة في بداية الألفينات، بعودة استيراد الكتب وعودة النشاطات الثقافية بعد سنوات من الركود، وهذا مع تحسن الوضعية المالية للجزائر.

وعما يقرؤه الجزائريون يقول علي باي ”كتاب التاريخ الذي كان يتكلم عن الجزائر، كان الأكثر طلبا. فأغلبية الجزائريين كانوا متعطشين لمعرفة تاريخهم، خصوصا مع بداية فاعلي الثورة في كتابة مذكراتهم مثل سعد دحلب، بن يوسف بن خدة، حسين ايت أحمد”.

كي تأتي بعد كتب التاريخ والمذكرات هذه، حسب محدثنا، من حيث الطلب، الروايات، ثم كتب الأطفال والكتب المدرسية، والكتب التقنية وكتب الطب.

“الجزائري متعطش للقراءة” يقول علي باي عبد الرحمن الذي يقول أن معرض الكتاب يعكس ذلك التعطش للقراءة، لكن إمكانيات المواطنين لا تسمح لهم باقتناء الكتاب.

“سابقا كان المواطنون يشترون من أربع إلى خمس كتب، أما الآن فيشترون فقط ما هم بحاجة إليه”، يقول علي باي ويضيف أن في فصل الصيف عدد كبير من مبيعات الكتب يتحقق مع السواح والمهاجرين الذين عادوا لأرض الوطن.

أما حول كيفية دعم الكتاب اليوم من أجل تشجيع الجزائريين للعودة للقراءة، مسؤول مكتبة العالم الثالث يقترح خفض الضرائب على كل ما له علاقة بطبع وتوزيع وبيع الكتاب.

فهو ليس بالنشاط المربح، فبعد ثلاث سنوات من جائحة “كوفيد” وجدت عديد المكتبات نفسها مضطرة لإغلاق أبوابها لأنها كانت عاجزة حتى على توفير نفقاتها. عن كيفية دفع الناس لتجاوز عتبة هذه المكتبة، وغيرها من المكتبات، خصوصا مع طغيان التكنولوجيا والهواتف الذكية على حياتنا اليومية، يقول ردوان كريم، وهو قارئ نهم للكتب، أن من لا يقرأ لم يجد فقط ما يجذبه للقراءة لذلك “يكفي أن تضعه بين ألاف الكتب و العناوين، مئات المواضيع، ينضر يمينا و شمالا حتى يقول لك “يجب أن أقرأ هذا! هذا الكتاب مهم!” هكذا نقع في حب الكتاب للوهلة الأولى لوحدنا بالكتاب الأقرب إلى شخصيتنا، وبعد قراءة الكتاب الأول نبحث عن الثاني و هكذا حتى نصبح قارئا متميزا في مجالنا.

لا أحد يستطيع أن يقنعك بقراءة كتاب ما! فالكتب مثل الألبسة، كل شخص حسب ذوقه وكل شخص حسب مقاسه. يجب أن تدخل المكتبة و وسط كل تلك الرفوف المليئة ستجد كتابا بمقاسك و ذوقك”.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!