-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

هذا هو السّلاح الذي تفتقد إليه إيران

حسين لقرع
  • 1853
  • 0
هذا هو السّلاح الذي تفتقد إليه إيران

لا أحد ينكر أنّ إيران قد سعت جاهدة، منذ انتصار ثورتها عام 1979 إلى اليوم، إلى تصنيع أسلحتها الخاصة التي تمكّنها من التصدي لأيّ عدوّ وعدم الاعتماد فقط على استيراد السلاح من روسيا والصين ودول أخرى كما تفعل غالبية الدول الإسلامية والعربية.. لقد صنّعت تشكيلات متنوعة من الطائرات المسيّرة والمنظومات الصاروخية، البرّية والبحرية، وأسلحة فتّاكة مضادة للدبابات والدروع، وجرّبت العديد من هذه الأسلحة بنجاح في حرب تموز 2006 بين “حزب الله” والعدو الصهيوني، والحرب الحالية في غزة، وحتى حرب روسيا مع أوكرانيا التي أثبتت فيها مسيّرات “شاهد 136” فعالية كبيرة وأقلقت الغرب كلّه.

لكنّ هناك سلاحا على درجة كبيرة من الأهمية والفعالية لم تتمكّن إيران من تطويره بعد وهو منظومات الدفاع الجوي، وفي مقدّمتها صواريخ أرض- جوّ التي تمكّنها من التصدي لطائرات أيّ عدوّ تُغير على أراضيها، وقد صنّعت منذ سنوات منظومة “باور 360” التي قالت إنها تناهز منظومة “آس 300” الروسية، لكنّ حرب الـ12 يوما مع الكيان الصهيوني أثبتت محدوديتها؛ إذ لم تتمكّن من التصدّي بنجاح للطائرات الحربية المتطوّرة التي كانت تعربد بالعشرات يوميّا في أجواء إيران، وفي الوقت ذاته، لم تحصل طهران على منظومة “آس 400” الروسية لأسباب غير معروفة بالرغم من التعاون الوثيق بين البلدين، ما مكّن، في النهاية، طيران الاحتلال من قصف مواقع نووية وعسكرية حسّاسة واغتيال قادة عسكريين وعلماء ذرة إيرانيين كبار، من دون أن تتمكّن الدفاعات الجوية المتوفّرة من التصدّي لها أو تقييد حرّيتها، ثم جاءت الطائرات الأمريكية “الشبح بي 2” وأكملت العدوان بضرب ثلاث منشآت نووية محصّنة بقنابل عملاقة خارقة للتحصينات.

والسؤال الآن: كيف تصل إيران إلى هذا الوضع وتنكشف سماؤها للطائرات المغيرة بهذه السهولة والبساطة، بعد عشرات السنين من بناء منظومات دفاع جوي يُفترض أن تتصدّى اليوم لهذا العدوان؟

ما قلناه عن إيران ينطبق أيضا على 56 دولة عربية وإسلامية أخرى؛ إذ ليس فيها دولة واحدة تملك منظومة دفاع جوي فعّالة تستطيع حماية أجوائها من الطيران الأمريكي والصهيوني.

بسبب هُزال دفاعاتها الجوية، هُزمت مصر وسوريا في ظرف 5 ساعات فقط خلال حرب 5 جوان 1967، وسقطت كابول وانهار نظام طالبان بعد ثلاثة أسابيع أمام ضربات الطيران الأمريكي في أكتوبر 2001، والأمر ذاته حدث لنظام صدّام حسين الذي انهار بدوره بعد ثلاثة أسابيع فقط من الضربات الجوية الأمريكية في أفريل 2003، والآن يعربد الطيران الصهيوني في سماء غزة بحرّية مطلقة ويواصل مسح مبانيها من على وجه الأرض، والأمثلة كثيرة عن الحروب التي خسرها العرب والمسلمون بسهولة كبيرة أمام أعدائهم بسبب افتقارهم إلى منظومات دفاع جوي فعّالة تمنع استباحة أجوائهم وأراضيهم وتدمير جيوشهم ومقدّراتهم.

وإذا علمنا أنّ الولايات المتحدة تملك أزيد من 13 ألف طائرة عسكرية هي الأكثر تطوّرا في العالم، ومنها طائرات “الشبح” التي ضربت، يوم 22 جوان الجاري، المواقع النووية الإيرانية الحصينة جدّا، فإنّ هذا يعني ببساطة أنّ الطيران الأمريكي قادر على سحق الدول العربية والإسلامية الـ57 جميعا، من جاكرتا إلى الرباط، وإعادتها إلى العصر الحجري، من دون أن يتمكّن أيّ منها من اعتراضها.

لذلك، حينما تهوّن إيران الآن من شأن الضربات الجوية الأمريكية والصهيونية لمنشآتها النووية، وتقول إنها ستعيد بناءها وتواصل تخصيب اليورانيوم الذي هرّبت نحو 400 كيلوغرام منه قبل الضربات الأمريكية، أو تقول بعض الأوساط إنّ إيران يمكنها الإصرار الآن على صنع قنبلة نووية لحماية نفسها وردع أعدائها عن ضربها مستقبلا، نقول: إنّ إعادة بناء المنشآت النووية الإيرانية في سنوات قليلة لا يحميها إذا لم تتوصّل إلى صنع منظومات دفاع جوّي متطوّرة و”قبب حديدية” لاعتراض الطائرات والصواريخ المغيرة. إذا ركّزت إيران جهودها على إعادة بناء برنامجها النووي المتضرّر من القصف وتمكّنت من ذلك بعد سنوات من الآن، فسيعيد الاحتلال وحليفه الأمريكي تدميره في ساعات أو أيام بالطائرات وصواريخ “توماهوك”، فما الفائدة من إهدار الجهد والوقت والمال والطاقات في كلّ مرة ما دامت إيران غير قادرة على حمايتها؟

والآن وقد انتهت حرب الـ12 يوما بين إيران والكيان المدعوم أمريكيّا، ينبغي للدول الإسلامية جميعا استخلاص العبر من هذا الدرس وغيره، صحيح أنّ الجيل الخامس من الحروب يتّجه إلى الاعتماد أكثر على المسيّرات والذكاء الاصطناعي والحروب السيبرانية، لكنّ أهمية الطيران الحربي التقليدي لم تتراجع قيد أنملة، وهو لا يزال فاعلا وعنصرا أسياسيا في تحديد نتيجة الحروب، وما على الدول الإسلامية سوى تركيز جهودها الآن على البحث العلمي العسكري وحشد كلّ عقولها وطاقاتها لتطوير أنظمة دفاعية فاعلة وقادرة على حماية نفسها ومقدراتها وشعوبها، بعيدا عن استيراد السّلاح الذي أثبت محدوديته، أو الاحتماء بجوف الأرض والجبال بلا جدوى. هذه هي الأولوية القصوى للدول الإسلامية كلّها والسّلاح الضروري الذي يحميها من التدمير والإذلال.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!