-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

آخر المستعمرات العربية الإفريقية

آخر المستعمرات العربية الإفريقية

احتضنت مخيمات اللاجئين الصحراويين في منطقة تندوف الجزائرية جانبا من احتفالات جبهة تحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب (البوليزاريو) بمرور نصف قرن على انطلاقها لمحاربة الاستعمار الإسباني للصحراء الغربية، وتضمنت الاحتفالات عقد الندوة العربية الثانية للتضامن مع الشعب الصحراوي.

وتلقيت دعوة كريمة للمشاركة في الندوة من المناضل إبراهيم غالي، رئيس الجمهورية العربية الصحراوية الديموقراطية، الأمين العام للبوليزاريو.

وأعترف بأنني أشعر بالكثير من الخزي والعار وأنا ألاحظ أن هذه الندوة هي مجرد الندوة العربية الثانية للتضامن مع الشعب الصحراوي، الذي يكافح منذ نحو نصف قرن دفاعا عن سيادة أقرتها كل المواثيق الدولية، وذلك بدلا من أن تكون الندوة الثانية والأربعين أو الثلاثين أو حتى الندوة العاشرة.

وطوال الطريق نحو المخيمات كنت أتساءل: أليس من العار أن تحتضن بلدان أجنبية، يُقال عنها أنها بلدان كافرة، تجمعات متضامنة مع الشعب الصحراوي، دفاعا عن حقه المشروع في تقرير المصير، في حين أن بلادَ خير أمة أخرجت للناس، كما يُقال عنها، تدير ظهرها لأشقاء يواجهون عدوانا سافرا تدعمه قوى الشر والمتحالفين معها، وأليس من المنطق السليم أن نعتبر أن غير الأشقاء، لكيلا أنعتهم بالأجانب، أصبحوا هُمْ، في هذا الزمن الرديء، خير أمة أخرجت للناس

وأليس من المؤسف أن تتنكر جامعة الدول العربية لحق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره، مكررة بذلك موقفها المُخزي من موريطانيا، التي لم تعترف بها إلا في مؤتمر الجزائر عام 1973، وفي الظروف المعروفة التي تميزت بالضغوط الجزائرية في عهد الرئيس الراحل هواري بو مدين، عندما رفض المشاركة في القمة الإسلامية بالرباط عام 1969 ما لم يشارك فيها الرئيس الموريطاني، بينما كانت الأغلبية العربية والإسلامية تقاطعه، والذي نسِيَ ذلك بعد سنوات قليلة بعد أن ذاق لذة “البسطيلة، وأدار ظهره لكل ما بذلته الجزائر من أجله، وكان سببا في أن ينتقد كثيرون في الجزائر دعمنا لبعض الأشقاء، لولا موقف الرجال من أمثال نلسون مانديلا، الذي أورث رجولته لحفيده، وقبل ذلك وبعده شباب فلسطين الذين رفعوا العلم الجزائري في القدس وغزة والضفة.

كان أول ما قرأته عن الكفاح الصحراوي كان في العام 1973 وعلى الصفحة الأولى من مجلة “العلم” المغربية، وكان ذلك في عدد 7 أوت، أو “غشت” حسب كتابة التاريخ في الجوار.، وبعنوان “المناضلون يقاومون الاستعمار الإسباني في الصحراء الغربية”، وحدّدَتْ جريدة حزب الاستقلال المغربي، وتوجهاته التوسعية معروفة، بأن المناضلين هم من رجال “جبهة تحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب”، هكذا بالاسم الكامل الذي أصبح يختصر إعلاميا بالبوليزاريو.

وقالت الصحيفة بأن الجبهة أرسلت رسائل إلى اللجنة الأممية لمحو الاستعمار وإلى الأمين العام للجامعة العربية، ويبدو أن الأخير لم يطلع على الرسالة لأنه كان في دورة المياه، ولعل من جاءوا بعده، ما يزالون هناك.

آنذاك لم نكن نسمع تسمية “الصحراء المغربية”، ناهيك من استعمال تعبير “الصحراء الشرقية” الذي يستعمله الذباب الإلكتروني اليوم في الجوار، بفجور سياسي وأخلاقيّ معيب، حيث يمكن أن يعتبر تخوينا من البعض لمن يحمل صفة أمير المؤمنين، أي الملك الحسن الثاني، الذي وقع اتفاقية جوان 1972 مع الرئيس هواري بو مدين، والتي رسّمت الحدود نهائيا بين الجزائر والمغرب وأنهت خرافة الصحراء الشرقية والمطامع المغربية في التراب الجزائري، الذي كان الرئيس أحمد بن بله قد قال عنه بأن كل شبر من الأرض الجزائري تم تحريره بدماء جزائرية، ولا فضل أساسيَّ إلا لله وللشعب الجزائري.

ولن أدخل في تفاصيل يعرفها الكثيرون، مكتفيا بأن أسجل أن الجزائر كانت تؤكد دائما أن تضامنها مع الأشقاء الصحراويين هو تضامن مع شعب مكافح يناضل من أجل تأكيد سيادته على أرضه ولا يعني أي عداء للشعب المغربي، الذي كان الرئيس بو مدين يؤكد دائما محبته له وتقديره لأخوته وامتنانه لاحتضانه الخطوط الخلفية للثورة الجزائرية، وهو نفس ما كرره بعد ذلك الرئيس الشاذلي بن جديد، الذي قال في أول خطبه بعد وفاة الرئيس بو مدين وفي أكتوبر 1979 إن “تشجيع النظام المغربي على مواصلة سياساته العدوانية هو خطر على المنطقة كلها، بما في ذلك المغرب نفسه، ومن مصلحة الجميع، داخل المنطقة وخارجها، أن تزول الأسباب الحقيقية للتوتر والصراع، فالدماء التي تسيل في الصحراء الغربية هي دماء أشقاء لنا وجيران، ويعز علينا أن تراق هذه الدماء نتيجة حرب ظالمة أو أحلام توسعية”.

ونظرة سريعة إلى الخلف.

ففي عام 1974، ومع انكشاف رغبة المغرب في ضم الصحراء الغربية خارج إطار الاستفتاء، أصيب الرئيس الإسباني الجنرال فرانكو بغيبوبة اقتربت به من الآخرة، وتصور العاهل المغربي بأن وفاة فرانكو الوشيكة ستجعل إسبانيا تتصرف بنفس التسرع الذي استعملته البرتغال بعد وفاة الدكتاتور أنطونيو سالازار، حيث أخذت تتخلص بسرعة قياسية من مستعمراتها الإفريقية السابقة.

وهكذا، وبذكائه المعتاد، قرر الملك الحسن إعلان الحرب على إسبانيا، متصورا أن الاضطراب الذي ستعيشه مدريد إثر غياب فرانكو سيمكن عددا محدودا من الجنود المغاربة لا يتجاوز عدة عشرات من رفع العلم المغربي على العيون، القريبة من الحدود الدولية للمملكة، وتصبح القضية أمرا واقعا يلزم الجميع.

وقال العاهل المغربي في مؤتمر صحفي بأنه تلقى وعدا من  الرئيس بو مدين بأن الجيش الجزائري سيكون إلى جانب الجيش المغربي في أي مواجهة مع الاحتلال الإسباني، وأكرر…في أي مواجهة مع الاحتلال الإسباني.

وكانت المفاجأة أن فرانكو أفاق من غيبوبته، مما خلق وضعية بالغة الغرابة، فالحرب الفعلية قد تكون كارثية بالنسبة للمغرب.

وهكذا استبعد الملك فكرة مواجهة عسكرية تفوق قدراته ولجأ إلى هجوم قانوني، حيث تقدم إلى محكمة العدل الدولية ليطلب منها رأيا استشاريا حول حقوق المغرب في الصحراء الغربية، وهو ما باركته الجزائر وتفاعلت معه إيجابيا، لأنه كان موقفا يحترم الشرعية الدولية، ويأخذ بعين الاعتبار الطموحات المشروعة لشعوب المنطقة، ويحفظ ماء الوجه بالنسبة لجميع الأطراف، وأكثر من ذلك وافقت الجزائر على أن يختار المغرب بنفسه قاضيا مختصا ( JUGE-ADHOC) حدث أن كان من الكوت ديفوار.

لكن القراءة المغربية الانتقائية لما صدر عن”لاهاي” عرقلت كل شيء، وبدلا من أن يكون رأي المحكمة الدولية طريقا نحو الحل أصبح تأويله المُغرِض أهم مشاكله.

ولم تحقق محكمة العدل الدولية أطماع النظام المغربي، إذ لم تعترف له بالسيادة، وهكذا، وللالتفاف حول رأي المحكمة، أعلن العاهل المغربي الدعوة إلى ما أطلق عليه المسيرة الخضراء، والتي كانت عملية خداعٍ إعلامية هائلة، لكن ما عُرف بعد ذلك هو أن تحركات المسيرة كانت أساسا في شمال الصحراء الغربية، وقيل أنها لم تقطع كيلومترا واحدا في هذه.

أكثر من ذلك، قال الملك للمواطن المغربي المشارك في المسيرة:  إذا ما لقيت ‎اسبانيا كيفما كان، عسكريا أو مدنيا، فصافحه وعانقه واقتسم معه مأكلك ومشربك وأدخله مخيمك فليس بيننا وبين الأسبان غلّ ولا حقد، وإن أطلق عليك النار فتسلح بإيمانك وقوتك، ولم تطلق رصاصة واحدة ضد الغاصب الإسباني الذي كانت جنوده تحتل العيون، لأن أحد لم يقترب من العيون.

لكن الظروف التي عرفتها إسبانيا بعد وفاة فرانكو خلقت وضعية أدت إلى انسحاب الإدارة الإسبانية من المنطقة، وحاولت إسبانيا خوان كارلوس تخفيف الانتقادات التي وجهت لها بتخليها عن مسؤولياتها كقوة محتلة فقالت إن ما تم هو نقل للإدارة وليس نقلا للسيادة، لكن ما حدث كان بداية العمل لتغيير الخريطة الديموغرافية للصحراء الغربية بنفس طريقة التغلغل الاستيطاني الإسرائيلي في الضفة الغربية.

ويتخذ الوطن العربي، بكل مؤسساته، وضعية القرود الثلاثة، فهو لا يرى ولا يسمع ولا يقول كلمة الخير للمساهمة في تحرير آخر مستعمرة عربية، إن لم يكن العكس على طول الخط.

وواصلت الجزائر موقفها الذي يهدف لنزع فتيل التوتر من المنطقة، وثبت أن المخزن المغربي يناور لكسب الوقت على أساس الوهم الذي سيطر عليه من أن المقاتل الصحراوي سيتملكه اليأس، وسينفض مؤيدوه من حوله، وسيضطر إلى قبول الفتات المشبوه الذي يُعرضُ عليه، بينما يتغير الواقع الديموغرافي تدريجيا في الصحراء الغربية.

ولعلي أقول هنا لبعض من يتساءلون، ببراءة الأفعى، عن خلفية رفض الجزائر للمنطق التوسعي المغربي بأن القضية، وبجانب أنها تضامن أخلاقي وإنساني بجانب من يدافعون عن حقوقهم الشرعية، هي قضية أمن قومي، فمن يلتهم اليوم أصبع جارك لن يتوانى غدا عن محاولة التهام يدك.

وتاريخ الحرب العالمية الثانية ما زال في الأذهان.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!