-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

آفة التعليم الأولى : الإضرابات!

آفة التعليم الأولى : الإضرابات!

جاء في اجتماع مجلس الوزراء المنعقد يوم الأحد 31 أكتوبر أن رئيس الجمهورية طلب من السلطات المعنية “تحضير مشروع قانون إطار لممارسة النشاط النقابي، في مختلف القطاعات، ينظم الحقوق والواجبات ويدافع عن مصلحة الموظفين والعمال، بعيدا عن التجاذبات الحزبية والسياسوية”. وبطبيعة الحال، فقطاع التعليم بكل مراحله معني بهذه القضية الشائكة … وهذا القطاع الحساس هو الذي يهمّنا الحديث عنه في هذا المقام بوصفنا ننتسب إليه منذ نصف قرن.

دعوة إلى حظر الإضرابات في التعليم

وحتى لا يفهم النقابيون ومن والاهم أن دعوتنا الصريحة هنا إلى حظر الإضرابات في قطاع التعليم في كل مراحله، ليست دعوة ضد نشاطهم النقابي نقول إن وجود نقابات تدافع عن حقوق المنتسبين لكل قطاع ضرورة ملحة لتوازن الصلاحيات والوقوف في وجه التجاوزات من حيث أتت. لكن الخلاف في الرؤى ناجم من الإفراط في استغلال هذه الأداة في ما لا يخدم المصلحة العامة.

لا حاجة إلى التأكيد بأن قطاع التعليم يمسّ كل أسرة في الجزائر، فبفضل مبدأ ديموقراطية التعليم الذي طُبّق في البلاد منذ الاستقلال ارتفع عدد التلاميذ والطلبة في المؤسسات التعليمية إلى أزيد من 12 مليون نسمة عبر الوطن. ومن البديهي أن هؤلاء التلاميذ والطلبة لا بد أن يقضوا جزءا كبيرا من وقتهم خلال 10 أو 13 أو 18 سنة في التكوين داخل المدرسة والمتوسطة والثانوية والجامعة تكوينا علميا ومهنيا ليصبحوا موظفين ومسؤولين في مختلف المرافق الوطنية. ولذا فمستقبل البلاد مرتبط بجدية هذا التكوين.

لكن ما نلاحظه -منذ لاح القرن الحادي والعشرين وتوالت إصلاحات المنظومة التربوية والجامعية- أن وتيرة الإضرابات زادت في جميع المؤسسات التعليمية وطالت مدتها سنة بعد سنة في سياق مواجهات غالبا ما تكون بين سلك المدرسين (في مختلف مراحل التعليم) والإدارات المسيرة في الوزارتين. كما أن جزءا كبيرا من تلك المواجهات تتم في الجامعة بين الإدارة والطلبة و/أو الأساتذة والإدارة والطلبة. إننا لا نبالغ عندما نقول إن أدنى معدل لمدة الإضرابات والتوقفات عن الدراسة يتجاوز الشهر سنويا! ولذلك فمن درس 10 سنوات فقد درس في الواقع أقل من 9 سنوات؛ ومن درس 13 سنة كمن درس نحو 11 سنة؛ ومن درس 18 سنة كمن درس أقل من 16 سنة. ولذا نقول إن الإضراب في سلك التعليم ليس كالإضراب في مصالح البريد مثلا أو المجالس البلدية…

وهذا التقدير هو أدنى بكثير مما هو واقع في الميدان : فلو ندقق أكثر لوجدنا أن مدة 5 سنوات دراسة في معظم جامعاتنا ومدارسنا العليا تعادل في الواقع نحو 3 سنوات فعلية (أي أن الحاصل على الماستر كمن حصل في واقع الأمر على الليسانس “ل م د”). والوضع مشابه في مراحل التعليم الأخرى. كيف لا يكون ذلك عندما يقرر المضربون مثلا بأنهم مضربون يومين كل أسبوع؟ وكيف لا يكون ذلك عندما يحتجّ عدد من الطلبة على علامات امتحان أحد المقررات فيغلقون المؤسسة بأكملها لمدة 3 أسابيع أو يزيد؟ وقس على ذلك بمراعاة عدد الطلبة المحتجين كلما أغضبتهم علامات الامتحانات.

ثم ما الداعي لتعدد النقابات في سلك التعليم؟ ما الداعي لاعتماد 26 نقابة في وزارة التربية الوطنية وعدد مماثل في الجامعات بين نقابات للأساتذة والموظفين والجمعيات الطلابية؟ ما ينجرّ عن هذا التعدد الذي نعيش مآسيه على مرّ السنين أن تلك النقابات والجمعيات تعمل أحيانا كثيرة على إبراز عضلاتها بالتنافس على شنّ الإضرابات لأتفه الأمور،

حتى باستعمال العنف، ليس لصالح المنخرطين فيها بل لصالح أفراد أو أحزاب سياسية أو جهات ضاغطة يمكن أن تكون تابعة للسلطة. وهنا يصبح دور النقابة أو الجمعية سلبيا يعمل ضد الأهداف التي أنشئت من أجلها تلك التنظيمات، بل يعمل ضد الصالح العام.

المصالح العام مسؤولية الجميع

لماذا يلجأ المحتجون إلى الإضراب ويفرطون فيه؟ لأنهم وجدوا هذه الأداة أبسط طريقة لتحقيق الأهداف التي يطالبون بتحقيقها :

– الإضراب عندنا يتجاهل المصلحة العامة وعدد الضحايا ومدى التداعيات السلبية، ويشلّ النشاط بالمؤسسة فيضطر أصحاب القرار إلى الإسراع بتلبية مطالب المحتجين قدر المستطاع حتى بالدوْس على القانون.

– الإضراب لا يترتب عليه قطع الراتب أو خصم من بعض علاواته، فالمضرب في التعليم عندنا يظل يتقاضى أجره كاملا حتى لو أضرب شهورا. بمعنى أن الإضراب لدى معظم المحتجين عطلة مدفوعة الأجر، فما الذي يحفزهم على الاستئناف؟ بل هناك من ينتهز فرصة هذه العطلة لقضاء حاجاته، وربما اغتنمها لتكثيف حصص الدروس الخصوصية ونحوها. وفي هذا السياق نتساءل، والجواب واضح، لماذا لا نجد من يضرب في المدارس الخاصة؟ أهَلْ المدرسون في تلك المؤسسات أفضل حالا من حال زملائهم في المؤسسات العمومية؟

– أما إضراب الطلبة فهمُّه أعظم : مهما كانت مدة الإضراب ومهما كانت نسبة التقدم في دروس ومحاضرات المقررات فهم ناجحون، ولا يهمهم ولا يهمّ الإدارة ولا الأستاذ مقدار ما نالوه في ذلك المقرر من تكوين. والنجاح يعني هنا الحصول على الشهادة (الورقة) التي سيستظهر بها للحصول على وظيفة بعد التخرج. وفي هذا السياق، لو كان التوظيف يخضع لتقييم علمي ثان جاد لأدى الوضع بمجمل الطلبة إلى نبذ الإضرابات عند الاحتجاج وتعويضه بأدوات ووسائل ضغط أخرى. ولو كان المضربون من الطلبة وزملاؤهم يدفعون جزءا ضئيلا من راتب الأستاذ لما أضربوا ولكانوا أكثر جدية في طلب العلم.

من جهة أخرى، ما الفائدة من جمعيات الطلبة : أليس كافيا أن يتمّ انتخاب مجموعة من الطلبة خلال كل سنة جامعية تمثل كافة طلبة المؤسسة، وتعبر عن إنشغالاتهم وتنقلها لمن يهمه أمرها، وتنتهي صلاحيتها في نهاية السنة الدراسية؟ لماذا نربط مصير طلبة مؤسسة بنشاط جمعيات تميل أكثر إلى تمثيل أحزاب سياسية وتيارات إيديولوجية وجهات خارج المؤسسة بدل تمثيل أغلبية طلبة المؤسسة والدفاع عن مصالحهم؟

إن إدانة بعض ما تُقدم عليه النقابات والجمعيات الطلابية لا يعني تبرئة إدارات المؤسسات التعليمية أو الوصاية (وزارتي التعليم). ففي كثير من الأحيان نلاحظ أن السلوكات الإدارية هي التي تدفع وتحرض بطريقة مباشرة وغير مباشرة على الإضرابات. كما أن هناك سلوكات للمدرسين تؤدي إلى الانسداد وإلى احتجاج مقبول للطلبة لو لم يكن في شكل إضرابات وإغلاق الأبواب في وجه الجميع. ولذا بقدر ما يتحمل سلك المدرسين في مراحل التعليم مسؤولية جسيمة باللجوء إلى الإضرابات لتلبية مطالبهم، بقدر ما تثبت الإدارات الوصية إهمالها في متابعة قضايا موظفيها وطلبتها وتلاميذها لتفادي الإضرابات.

إن ما ينجم من تداعيات خطيرة على المدى المتوسط والبعيد عن الإضراب في سلك التعليم يجعلنا نحث بقوة أصحاب القرار بتلبية أي مطلب مشروع ينادي به المُطالب. وبالموازاة مع ذلك، ندعو إلى التزام الصرامة في تطبيق القانون ضد اللجوء إلى الإضرابات… ولِمَا لا تُحظر الإضرابات في سلك التعليم بسبب الإفراط في استعمالها كوسيلة ضغط وتحقيق المطالب؟ فنظرا للتعفن الذي وصل إليه الوسط التعليمي، نرى هذا الحظر يصبّ في مصلحة البلاد ومستقبل أبنائها.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
5
  • نمام

    مقدرات الدولة ينبغي ان تتجه لبناء الانسان قطاع التربية تراكمت مشاكله مما جعله مسرحا للاحتجاج ما اتعب الاولياء و و الابناءوالمعلمين رغم نفقات الدولة ومجانية التعليم و ديمقراطيته كل موسم ترجع نفس المشاكل و نفس النقائص حتى وصل الامر ببعض الاولياء لمنع ابنائهم من الذهاب الى المدارس لانعدام التجهيزات كراس طاولات حتى وصل الامر الى افتراش الزرابي ان لم نقل الحصائر حكاية والي وهران مع المعلمة ليست ببعيد الاكتضاض وصلت الاقسام الى50تلميذا نقص التاطير و التكوين الطابع الريفي النقل الاطعام النمو الديمغرافي المتسارع لذا انصاف الحلول الوعود غير الممكن الاستجابة لها في ازمة نحن في دوامتها الشفافية و ابعاد السياسية عن التعليم والشروع في الاصلاح بمشاركة اهل الاختصاص مع مرعاة الظروف التي يمر بها البلد مما يتطلب التنازل من كل طرف لمصلحة البلد

  • نبيل

    نظرة أحادية منحازة وغير موضوعية.

  • جزاءري

    اضرابات النقل والصحة والترببة والبريد أعتقد انه يجب حضرها لانها ببساطة تضر بمصلحة اطراف لا ناقة لها ولا جمل . المسافر يدفع الثمن والمرض اللذي يدفع حتى قبل الاضراب والشهار والزوالي آخر الشهر في البريد واالتلاميذ الابرياء. شخصيا لو صدرت فتوى شرعية مخلصة لله سيكون التحريم حظها. اضرابات لا تحترم مشاعر ومصالح الغير . انها الانانية . المطالب يمكن ممارستها دون ايذاءالغير .

  • المتأمل

    أستاذ بباك + 4 أو 5 سنوات أجرته 3 ملايين سنتم و نواب بمستوى الابتدائي ب 40 مليون سنتم ... ثم تقولون : لماذا الاضراب ؟ عجيب

  • احمد

    نحث بقوة أصحاب القرار بتلبية أي مطلب مشروع ينادي به المُطالب . هنا مربط الفرس استاذنا الفاضل ، لو تحقق هذا المطلب لما وجدت النقابات بمن تضرب