-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

أثر القوة القاهرة على المواعيد الإجرائية

زودة عمر
  • 1444
  • 0
أثر القوة القاهرة على المواعيد الإجرائية

يجتاح وباء الكورونا دول العالم ومنها الجزائر، وقد أحدث تأثيرا بالغا في جميع الميادين، وأمتد تأثيره إلى الميدان القانوني، وبالتالي يطرح التساؤل التالي: ما مدى تأثيره على التصرفات القانونية والخصومات القانونية؟

وإذا كان الأصل أن العقد شريعة المتعاقدين، فيجب تنفيذه طبقا بما اتفق عليه، ولايجوز لاحدهما أن ينقضه.

غير أنه قد تقع حوادث في المجتمع غير المتوقعة، وتجعل تنفيذ الالتزام مرهقا للمدين بل يهدده بخسارة جسيمة، وهذا ما يعرف بالظروف الطارئة، تؤدي إلى تعديل الالتزام ولا تلغيه.وتبعا لذلك سنتطرق (أولا) إلى التعريف بالقوة القاهرة، و(ثانيا) وقف المواعيد الإجرائية و(ثالثا) التمسك بالقوة القاهرة وذلك على الوجه التالي:

أولا: التعريف بالقوة القاهرة
يشترط في الحادث الذي يشكل القوة القاهرة أن يكون غير ممكن التوقع ومستحيل الدفع، وهما الشرطان الواجب توافرهما في القوة القاهرة، وبتوافرهما يتوافر السبب الأجنبي يؤدي إلى قطع علاقة السببية التي تعفي المدين من المسؤولية وتوقف سريان المواعيد الإجرائية، ومن ثم فهل يعتبر فيروس الكورونا قوة قاهرة، تؤثر في التصرفات القانونية، وعلى سريان المواعيد الإجرائية.
مما لاشك فيه أن وباء الكورونا يشكل حالة نموذجية للقوة القاهرة، لأنه ترتبت عليه وقف جميع أوجه النشاط في المجتمع، فتوقفت المواصلات وغلق المؤسسات والإدارات العمومية في وجه الجمهور، وإمتد الغلق إلى المؤسسات القضائية.

ويمكن القول أن وباء الكرونا يشكل حالة نموذجية للقوة القاهرة ويتوافر فيها الشرطان المشار إليهما، وهو غير ممكن التوقع ومستحيل الدفع.

المواعيد الإجرائية فلا تؤثر علىيها القوة القاهرة، إلا إذا بدأت المواعيد في السريان، وهذا ما نتطرق إليه فيما يلي:

ثانيا: وقف المواعيد الإجرائية

ويحدد القانون الواقعة التي تبدأ منها المواعيد، وسواء تعلق الأمر بالمواعيد المنصوص عليها في قانون الإجراءات المدنية والإدارية أو قانون الإجراءات الجزائية. فإن مواعيد الطعن يبدأ سريانها من تاريخ التبليغ الحكم أو القرار أو الأمر، سواء كان حكما غيابيا أو حضوريا ما لم يرد نص يقضي خلاف ذلك.

أما في قانون الإجراءات الجزائية فهو يميز ببين نوعين من الأحكام والقرارات.

فالأحكام الصادرة حضوريا في مواجهة المتهم، يبدأ سريان ميعاد الطعن فيها من تاريخ النطق بالحكم أو القرار، و بين الحكم الحضوري أو الغيابي، فيبدأ سريان الميعاد من تاريخ تبليغ الحكم أو القرار.

والأصل أنه إذا بدأ الميعاد في السريان ولم يستعمل صاحب الحق الإجرائي حقه خلال الأجل المحدد تعرض للسقوط، وهذا ما تقضي به المادة 322/1 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية.

وقد إستثنى المشرع الحق الإجرائي من السقوط، في حالة القوة القاهرة، وفقا للفقرة الأولى من المادة المذكورة أعلاه.

ولم ينص ما إذا كان يترتب على القوة القاهرة إنقطاع الميعاد أم وقفه، ولذلك وجب التمييز بين إنقطاع الميعاد، فإذا بدأ الميعاد في السريان وإنقطع فإن المدة السابقة تزول ولايعاد سريان الميعاد إلا بعد إعادة تبليغ الحكم أو القرار إلى صاحب الصفة، كما هو عليه الحال عند فقد الشخص لأهليته بعد تبليغ له الحكم أو القرار فبفقد أهليته ينقطع الميعاد

ولايعاد سريان الميعاد إلا بعد إعادة تبليغ الحكم إلى الوصي أو القيم فيبدأ الميعاد من جديد، وكذلك نفس الحكم ينطبق على الشخص المتوفي، فلا يعاد سريان الميعاد إلا بعد تبليغ الحكم من جديد إلى الخلف العام.

ويبن وقف الميعاد، وفي هذه الحالة يجب أن يبدأ الميعاد في السريان وقبل إنقضائه تقع القوة القاهرة فيتوقف الميعاد وبعد زوال القوة القاهرة يعاد سريان الميعاد، ويؤخذ بعين الاعتبار المدة السابقة على الوقف، و يستأنف الميعاد سيره في حدود ما تبقى من الميعاد، على أن يرفع الطعن خلال المدة المتبقية من الميعاد.

ومن المتفق عليه فقه وقضاء أن قيام حالة القوة القاهرة، يترتب عليها وقف المواعيد التي بدأت في السريان.

أن أثر القوة القاهرة تخضع لها جميع المواعيد الإجرائية، سواء تعلق بالمواعيد المنصوص عليها في قانون الإجراءات المدنية والإدارية أو قانون الإجراءات الجزائية وأن هذه الأخير لم يرد فيه نص يشير إلى أثر القوة القاهرة بالنسبة لسريان المواعيد المنصوص عليها فيه، وبالتالي يجب تطبيق المبادئ العامة في القانون ذلك ليس من العدل والانصاف.

ألا تخضع المواعيد الإجرائية المنصوص عليها في قانون الإجراءات الجزائية إلى أثر القوة القاهرة، ومن ثم وجب تطبيق الاستثناء المنصوص عليه في المادة 322 المشار إليه.

ويجب أن يبدأ الميعاد في السريان قبل وقوع الحادث، وقبل انقضائه فتحدث القوة القاهرة، فيترتب عليها وقفه.

ومن الأمثلة على ذلك أن يبلغ الحكم ويبدأ الميعاد في السريان، ولقد إنقضى منه مدة 15 يوما من ميعاد الاستئناف المحدد بشهر واحد فحدثت القوة القاهرة، فيتوقف، وقد بقي

من المدة 15 يوما، فيجب أن يرفع الاستئناف خلال المدة المتبقية تحسب من تاريخ زوال القوة القاهرة.

وصاحب الحق الإجرائي إذا لم يستعمل حقه خلال الميعاد أو خلال المدة المتبقية من الميعاد بعد وقفه، يتعرض إلى السقوط.

ولكن إذا باشر الطاعن طعنه خارج الأجل القانوني كما يثبت من محضر التبليغ، فليس أمام الطاعن سوى التمسك بالقوة القاهرة وبالأثر المترتب عليها بوقف السريان وهي المسألة التي أتطرق إليها فيما يلي:

ثالثا: كيفية التمسك بالقوة القاهرة

تنص الفقرة الثانية من المادة المذكورة أعلاه، على ما يلي:
“يتم تقديم طلب رفع السقوط إلى رئيس الجهة القضائية المعروض أمامها النزاع، يفصل فيه بموجب أمر على عريضة غير قابل لأي طعن، وذلك بحضور الخصوم أو بعد تكليفهم بالحضور”.

ويستخلص من هذا النص: ان طلب رفع السقوط يقدم إلى رئيس الجهة القضائية المعروض أمامها النزاع طبقا لإجراءات العمل الولائي.

ومع ذلك يطرح التساؤل التالي: متى يتم تقديم هذ الطلب فهل يتم تقديمه قبل مباشرة إجراءات الطعن أم يتم تقديمه بعد مباشرتها؟

إجابة عن ذلك، نقول: أنه من حق صاحب المصلحة أن يباشر حقه في الطعن، بعد زوال حالة القوة القاهرة، ويتمسك في عريضة الطعن بالقوة القاهرة، ويبين فيها أنه يباشر حقه في الطعن خلال الأجل المتبقي من الميعاد، بعد زوال القوة القاهرة، وهذه الأخيرة تعد واقعة مادية تقبل إثباتها بكافة طرق الإثبات.

فإذا دفع المطعون ضده بعدم قبول الطعن لرفعه خارج الأجل ففي هذه الحالة، يجب على الجهة القضائية المعروض أمامها النزاع أن توقف الفصل في القضية. ويحدد أجل للطاعن لتقديم طلب السقوط إلى رئيس الجهة القضائية، وهذه الأخيرة ستفصل في الطلب بموجب أمر على عريضة غير قابل لأي طعن، أما برفض السقوط- وفي الحقيقة أن الحق الإجرائي إذا سقط، فلايمكن رفعه لأن الحق الإجرائي إذا سقط فلايعود للحياة مرة أخرى- أما إذا وجد أن الطعن قد تم رفعه خلال المدة المتبقية من الميعاد، صرح بقبول الطعن.

غير أن المشرع قد خرج عن المبادئ العامة في القانون بدون مسوغ، وعن قواعد المنطق السليم، ذلك أن مسألة قيام حالة القوة القاهرة التي يترتب عليها وقف المواعيد، تطرح أمام الجهة القضائية التي ستفصل في موضوع النزاع في شكل دفع، وأن الفصل بين النزاع والدفوع التي تثار بشأنه هو فصل لا يستقيم مع طبيعة العمل القضائي حيث يتم الفصل في أصل النزاع من جهة قضائية تختلف عن الجهة التي ستفصل في هذا الدفع، وبذلك سيتم تقطيع أوصال النزاع الواحد، وهذا ما يتناقض مع المبدأ العام الذي ينص على أن قاضي الأصل هو قاضي الدفع.

والأمر الذي يصدر في هذه الحالة غير قابل لأي طعن، وبذلك يكون المشرع قد غلق باب الاجتهاد القضائي، وهذا ما يجعل الفقرة الثانية من المادة 322 المشار إليها أعلاه تتناقض مع أحكام المادة 171 من الدستور، حيث جاء فيها ما يلي:
تضمن المحكمة العليا ومجلس الدولة توحيد الاجتهاد القضائي في جميع أنحاء البلاد، ويسهران على احترام تطبيق القانون.
والمحكمة العليا لا تستطيع توحيد الاجتهاد القضائي أو تعمل رقابتها على احترام تطبيق القانون إلا عن طريق الطعون المرفوعة إليها في الأحكام والقرارات والأوامر الصادرة عن المحاكم والمجالس القضائية، وبالتالي أصبحت الفقرة المشار إليها غير دستورية، يمكن الطعن فيها بعدم دستورية أمام المجلس الدستوري.

إعداد: زودة عمر

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!