الرأي

أحجية “النفوذ” الفرنسي في الجزائر

حبيب راشدين
  • 2640
  • 6
ح.م

حق للسيد برينار باجولي السفير الفرنسي السابق، أن يتهم النخبة الوافدة من ثورة التحرير وجيل نوفمبر، ويحمِّلها مسؤولية تعطيل تنمية العلاقات الجزائرية الفرنسية (وهو يتهمها في السر بممارستها لحالة من الممانعة لتمدد النفوذ الفرنسي، ومشاغبتها لمنظومة “فرانس– أفريك” التي سبقت “داعش” في تبني شعار “باقية وتتمدد” في أغلب مستعمرات فرنسا القديمة).

العلاقات بين البلدين ليست على ما يرام، لا على المستوى السياسي، مع نماء ما يشبه الحرب الباردة المستدامة في أكثر من ملفٍّ أمني ودبلوماسي، ولا على المستوى الاقتصادي حتى بعد خسارة فرنسا لموقع الشريك الاقتصادي الأول، ولا على المستوى الثقافي حتى مع حرص الإدارات الكبرى ومنظومة التعليم الوطنية على تمويل فرْنَسة الألسن والعقول لأجيال ما بعد الاستقلال، وباستثناء عقدين من غزل المراهقين بعد رحيل بومدين، وهيمنة نخبٍ محسوبة على “دفعة لاكوست”، فإن العلاقات كانت وما زالت رهينة لمخلفات الحقبة الاستعمارية، وفشل النخب الفرنسية في التحرر من عقدة “الفردوس المفقود”.

ما لم يرِد على لسان باجولي أن هذا الجيل المتهم عنده، لم ينس كيف جازفت فرنسا بتمديد عمر المواجهة الدامية بست سنوات بعد اكتشاف النفط والغاز سنة 1956، وكانت عند تحرير اتفاقية ايفيان أحرص ما تكون على ضمان الهيمنة على قطاع النفط، والاستفادة عسكريا من الصحراء الكبرى لمواصلة تجاربها النووية حتى 1966، ولم تلتفت كثيرا لا إلى مستقبل أبنائها من مجتمع الأقدام السوداء، ولا إلى عملائها من مجتمع الحركى، اللذين تساوم بهما اليوم في السر والعلانية للتملص من استحقاقات الاعتراف بجرائم الحقبة الاستعمارية.

دعونا نكتشف الأسباب الفعلية التي منعت وتمنع النخب الفرنسية الحاكمة من فتح صفحة جديدة مبنية على الندِّية مع بلد كانت تعتبره جوهرة إمبراطوريتها الاستعمارية، وترى فيه اليوم مصدر تهديدٍ لمصالحها ومشاغبة نفوذها في حديقتها الخلفية بدول المغرب العربي وغرب إفريقيا والساحل.

في أغلب تحليلات دور الدراسة والدبلوماسية الفرنسية وفي الإعلام، تكاد الجزائر تُختَزل في مؤسستين: مؤسسة الجيش ومؤسسة سوناطراك، وأن تقدير النفوذ إنما يُحسب عندئذ بقدر ما يتحقق من اختراق لهاتين المؤسستين.

ومع كل ما يروَّج حول تغوُّل منظومة “حزب فرنسا”، فإن الواقع يشي بخلاف ذلك، لأن المؤسستين اللتين تُختزل فيهما الدولة الجزائرية قد أغلقتا أبوابهما في وجه النفوذ الفرنسي، في سبعينيات القرن الماضي بالنسبة لقطاع المحروقات، فيما تعزز إغلاق مؤسسة الجيش بالتطهر الناعم من بقايا ما كان يُسمى بـ”ضباط فرنسا”، ولم تنجح فرنسا منذ الاستقلال في الفوز بسهم ذي شأن من صفقات التسليح، فهي بهذا المنطق فاقدة للنفوذ في المؤسسة العسكرية.

وما دامت المؤسستان محميتين من الاختراق، فإن العلاقات بين البلدين ـ مع هذه الأجيال أو مع الأجيال القادمة ـ سوف تظل معوقة معطلة ابتداء بذاكرة فرنسية لم تهضم مرارة ضياع “الفردوس الجزائري” وذاكرة جزائرية تأبى النسيان، وفوق هذا وذاك يعطِّلها فقدانُ فرنسا لأي أمل في تحقيق النفوذ إلى قلب الدولة العميقة وإلى “أمِّ” مصادر الريع، وما سوى ذلك يظل محض مغالبة للحق بالباطل.

مقالات ذات صلة