الرأي

أحلام الشاب الذي شاب

عمار يزلي
  • 4387
  • 7

كل ما يحدث اليوم، وما حدث من قبل، يصب في نهر الرئاسيات القادمة، سيكون حتما، إن طالت الأعمار الرئيس بوتفليقة مكملا ومنهيا ما تبقى له وما تأخر، من برنامج طويل، ومشروع بعيد وطموح.. الحديث اليوم عن الرئاسيات، يصبّ في خطاب عمومي شعبوي إذ بدأ الحديث عن “تحضير البلاد للشباب”، خطاب سمعناه منذ أزيد من 30 سنة باسم “تقديم المشعل للشباب”، لكن المشعل كاد أن يخبو ويتحول الشباب إلى كهول، ولم يُقدَّم المشعل لا مشتعلا ولا خامدا، بل بقي لدى من أمسكوا به لأول مرة، مترددين بين المد والبسط: مد الذراع الماسكة بالمشعل، ثم إمساكها مثل حركة البخيل الذي يريد أن يناولك نقودا لكنه متخوف ومتمسك بها مخافة الفراق: خذ.. لا.. عندك.. بالاك.. حاول، ربما.. لكن..!

وجدت نفسي هكذا أعيش حالة سفر في المستقبل البعيد. صار الإنسان يعمّر أكثر من 945 سنة، ينافس سيدنا نوح في سنه، ويتمنى أن يدخل في موسوعة غينس لأكبر معمر (قذافي) ما بعد الطوفان. وزراء شباب، أصغرهم يبلغ من العمر 320 سنة، والبقية ما بين 500 و900، شباب في ريعان الشيخوخة! يتذكرون ما حصل قبل قرابة ألف عام، يتذكرون كيف كانوا رضّعا في 70 من العمر أو 80، وكيف كانوا يركبون سيارات غريبة مضحكة تسمى مرسيدس وبي أم دابليو، وطائرات بوينغ وقطارات كهربائية وطرام، وكيران وطاكسيات. اليوم لكل واحد منهم تيليكوموند يسافر بها على كرسيِّه الطائر (وليس المتحرك، التكنولوجيا تطورت كثيرا منذ ذلك العصر، العالم رحل إلى الفضاء إلا نحن.. الله غالب!) كما أنهم يتذكرون كيف أن الشعب كان كثيرا، 38 مليون نسمة! اليوم بعد نحو 800 سنة، لا يوجد أكثر من 250 شخص من المعمرين استعمروا البلاد بعدما باعوا الأرض للأجانب، وتركوها فارغة وصعدوا إلى المريخ وزحل والقمر، ولم يبق في الأرض غير بقايا العصر الحجري الجديد.. عهد البناء بالحجارة والعيش على البزنس والتجارة.. النفط قد جف والشعب قد كف بعدما ضرب كثيرا على الدف وعاش حتى مات بالهف، وصار شعبا يشف بعدما دار ولف، وانتخب وشرب وذاق الأمرين.. وروَّن وسف.

كنت أنا الوحيد من الشعب الذي لا يزال على قيد الحياة، بعدما نجوت من الاستئصال الممنهج بفعل الوراثة (أصلي أنا جدي الأول هو سيدنا آدم عليه السلام). وجدت نفسي قد بلغت 345 عام، وأنا أعزب! ماتت أمي وأنا رضيع في حجرها وكان عمري 88 عاما! وهي كانت في سن 723 سنة. كنت أنا الوحيد الممثل الشرعي الوحيد والأوحد للشعب الجزائري الذي لا يوجد غيره. وكان الحكام بضعة 245 من بقايا المستحثات القديمة. بقي النظام يحكم باسم الشعب بقية الشعب (الذي لا يوجد فيه إلا أنا!). مزقوني إربا إربا بالضرائب والضرب والتصويت والسياط، والسُّخرة والعمل ليل نهار لصالح السلطة، وبقيت “شعبا” وفيا للبلد وللقادة، وقد رأيت في رؤيا مؤخرا أني أنا من سأدفن الجميع لأبقى وحيدا سيد نفسه لا سلطة ولا سيادة عليه إلا سيادة السيد المطلق؛ خالق الأكوان والألوان والإنسان والحيوان والحيتان!

مقالات ذات صلة