أخرجوا شجعانكم!
صحيح أن “نظام بوتفليقة” وحاشيته وكذا العصابة، صحّرت الطبقة السياسية، ودفنت شخصيات مرموقة حية ترزق في مقبرة السياسة طوال 20 سنة كاملة، بما جعل الفضوليين والمواطنين يشعرون وبمرارة وأسف، بأنه لم يبق في الجزائر “رجل” يمكن الاعتماد عليه سياسيا، وأن “الصالحين والمصلحين” في التدبير والتسيير السياسيين قد انقرضوا وقرأت عليهم الفاتحة، فمنهم من تبدّد ومنهم من تعدّد ومنهم من لم يتجدّد!
رئاسيات 12 ديسمبر 2019، هي فرصة لتفنيد هذا التشخيص المزعوم، والواقع الافتراضي، الذي كان مقصودا، للإبقاء على الأمر الواقع، من باب “ألـّي تعرفوا خير من ألّي ما تعرفوش”(..)، خاصة بعد انسحاب واختفاء واختباء عديد الوجوه الوازنة خلال السنوات الماضية، بعضها كره السياسة، وبعضها الآخر “خاف من الحقرة” من زاوية “ألّي خاف سلم”، والبعض فضل الانتظار ولو طال الزمن إلى أن تتغيّر الأمور بالتي هي أحسن!
الكثير ممّن عزلوا أنفسهم اختياريا أو اضطراريا، أو تمّ عزلهم بالتصريح أو التلميح، في المراحل البائسة، وجدوا أنفسهم اليوم قد “هرموا”، وبعضهم فاتهم القطار، وبعضهم أتعبه المرض والسنون، والبعض زهد في الممارسة السياسية حتى وإن أطال الله عمره، ومازال في نظر شرائح واسعة نظيفا وشريفا، فيما اختار آخرون الاستسلام لما هو كائن فاستقالوا نهائيا!
هذا لا يعني برأي متفائلين وعارفين، بأن لا وجود لمن “يقدر على شقاه” عندما ينادي الصندوق ويقول: “أخرجوا لنا شجعانكم”(..)، وهذا النوع من الرجال، قد يكون صامتا في “الأرشيف” أو منسيا في “خزانة الكفاءات” أو منتظرا في ذاكرة السابقين واللاحقين، وكل أولئك بإمكانهم أن يشكلوا قوة دافعة في الرئاسيات القادمة، من أجل تنافس حرّ ونزيه، يُساعد على انتشال البلد من الأزمة، وإعادة كلمة الفصل للإرادة الشعبية!
تتفيه كلّ الموجودين والمعروفين و”المنسيين” والمنسحبين، القدماء منهم والجُدد، واللعب خلال السنوات الأخيرة على رهان الوقت للقضاء على حظوظهم وفرصهم، لا يُمكنه دون شك أن يكرّس أكذوبة أن الجزائر أصبحت عاقرا، وأن “فخامة الشعب” غير قادر على إخراج رئيسه من وسطه، وأن “الموالفة خير من التالفة”، وأن “القادم أسوأ”.. بضاعة مسمومة أنتجتها العصابة والحاشية وبطانة السوء، من أجل ديمومة الاستفادة باسم “الاستمرارية”!
العقل يقول إن القادم أحسن بحول الله تعالى، وإنه لا وجود دون شك لـ”المهدي المنتظر” ولا لخاتم سليمان ولا لعصا موسى، لكن هناك جزائري من وسط ملايين الجزائريين، “سيظهر ويبان وعليه الأمان”، ليكون مطالبا بإظهار “حنة يديه”، وإقناع الأغلبية وتحقيق حلمها وتنفيذ مطالبها المقبولة والمعقولة، بعدما تمنحه الشرعية التي بها يثبت للمشككين و”الخلاطين” والانتهازيين، بأن الجزائر ولاّدة وهي “الدار الكبيرة” مثلما يقول المثل الشعبي الشهير “ألّي ما تعشاش فيها يبات دافي”!