-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

أخيرا.. الأئمَّةُ في مواقعهم

أخيرا.. الأئمَّةُ في مواقعهم

تغييرُ الخطاب الديني أو الدعوي، ليس من ناحية صياغة الكلمات وتغيير الوجوه، وإنما من ناحية الأفكار المتطورة، صار ضرورة في زمن طار فيه الآخرون، وبقينا في الأرض، ننتظر نزولهم إلينا.

ويبدو الاقتراح المقدَّم من بعض رجال الدين، لوزارة الشؤون الدينية، بإرسال مجموعة من الدعاة والوعاظ إلى قلب الشوارع والمقاهي والملاعب وحتى ما يسمى “الأماكن الخطيرة” لتنبيه الشباب والمراهقين على وجه الخصوص إلى مخاطر تعاطي المخدرات وترويجها، هو عينُ الصواب، وسيؤتي أكله في عاجل الزمان، حتى لا يبقى الكلام منحسرا بين جدران المساجد، التي يؤمُّها من لا يتعاطون هذه السموم أصلا.

عندما تطلب من المصلين أن يصلّوا، أو الصائمين أن يصوموا، فإنك في أحسن الأحوال قد دخلت دائرة: “فذكِّر إن الذكرى تنفع المؤمنين”، أما أن تقتحم أوكار المنحرفين والداعين إلى تحطيم المجتمع، وتسرد مشروع الإسلام الكبير في بناء الفرد، مستدلا بالحجة والدليل من أجل المنفعة العامة، فأنت هنا لا تختلف إطلاقا عن المجاهدين الذين واجهوا قوى الشرّ، في بدر وحنين واليرموك وأنطاكيا وحطين والأوراس وسيناء وغزة… وسيجد الواعظُ أو الداعية بتوجيهات من الوزارة المعنية نفسه في المكان الصحيح، من أجل هدف أسمى، ما كان سيحققه لو بقي طول عمره ينبِّه إليه من فوق منبر الجامع الذي يؤمُّ فيه الناس.

قبل زمن كورونا طلب حارسُ مرمى في فريق صغير، ينتمي إلى الدرجة الثالثة في إحدى ولايات شرق البلاد، من إمام بلدته، التنقُّلَ مع الفريق، إلى أحد ملاعب بلدية مجاورة، حتى يطلب من الجمهور، عدم شتم والدته المتوفية منذ بضعة أسابيع، لأنه ما عاد يحتمل المساس بمن حملته في بطنها تسعة أشهر وتركته للحياة وحيدا، فحمل الإمامُ الشيخ مكبِّر الصوت قبل بداية المباراة ببضع دقائق، وسلّم على الجمهور ونبَّههم إلى ما سيقترفونه من ذنب لو سبّوا سيدة أمّا، هي الآن في قبرها، وأتحفهم بمجموعة من الأحاديث الشريفة، وآيات تحريم السخرية والتنابز بالألقاب من سورة الحُجرات، وما كاد ينتهي الشيخ من وصلة الوعظ أمام الجماهير في الملعب، حتى قابله الجمهورُ بعاصفة من التصفيق، ومرت تلك المباراة بردا وسلاما على حارس المرمى اليتيم، الذي منح لوالدته الأمان، ومنح لهؤلاء الجماهير الأمان أيضا.

الإمامُ هو قطعة أساسية من المجتمع، فلا يمكنه أن يدخل بيوت الناس لممارسة الرقية، أو يقبل دعوتهم لحضور وليمة أو المساهمة في عقد القران بقراءة الفاتحة فقط، ولا يشارك في محاربة هذه الآفات الاجتماعية ومنها تعاطي المخدرات والحبوب المهلوِسة التي صارت تروَّج في المدارس والأسواق والأحياء السكنية والساحات…

لقد قالها الشهيد العربي بن مهيدي جملة فجّرت الثورة، عندما طالب بإلقائها إلى الشارع، حتى يتلقفها الناس، كذلك هي الموعظة تؤتي أكلها كلما كانت تسير في الشوارع والأسواق، ما دامت من نبع الخير، من نبع القرآن.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!