-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

أربعة أشهر شداد.. ما الذي غيّرتْه في حياتنا؟!

سلطان بركاني
  • 638
  • 0
أربعة أشهر شداد.. ما الذي غيّرتْه في حياتنا؟!

مضت على أحداث غزّة أربعة أشهر شداد، تجرّع فيها اليهود -أحرصُ النّاس على الحياة- من كؤوس الخوف والذّعر حتّى تفطّرت قلوبهم وكست حمرة الخيبة وجوههم، وما تخفيه صدورهم من الرّعب أعظم.. أشهرٌ أربعةٌ لم يستطع الصّهاينة في أيامها المائة والعشرين إلا أن ينفّسوا خيبتهم في المدنيين والأبرياء، ليحصدوا أرواح 28 ألف مسلم جُلّهم مم النّساء اللاتي وَلدن وربّين الأبطال، ومن الأطفال الذين يتهيؤون لتطهير أرض الإسراء من دنس الأنذال.

المائة والعشرون يوما التي مرّت من عمر هذه المواجهة الحاسمة، لم تُبق للصّهاينة ورقة توت واحدة يغطّون بها سوءاتهم ويخفون بها دنس طباعهم ودناءة أخلاقهم، حتّى أصبحت شعوب العالم كلّها تتظاهر ضدّ نازية المحتلين الصهاينة، وتواجه قادة العالم الغربيّ وتفضح تواطؤهم مع المجرمين!

كما عرّت هذه الأيام الخائنين من بني جلدتنا الذين أخذتهم الرّأفة بالصّهاينة فسارعوا إلى فتح طريق بريّ يوصل بضائع الصين والهند إلى المحتلين، بديلا عن طريق البحر الأحمر الذي لم يعد آمنا.. في الوقت الذي يحاصرون فيه غزّة ويمنعون عن أطفالها الطّعام!

هذه الأيام، لم تعَرّ الصهاينة وعملاءهم فحسب، بل قد عرّت لنا أنفسنا نحن الرّاضين بدور المتفرّجين، وكشفتها على حقيقتها، ومن لم يعرف نفسه في هذه الأيام فإنّه لا قلب له.. مشاهد الدّمار والدّماء والأشلاء والجثث المرمية في الشّوارع والجثث التي تأكل منها الكلاب، ومشاهد الأطفال وهم يُحمَلون جثثا مقطّعة، والمقاطع التي تصوّر الأبرياء الذين فقدوا أطرافهم، ومشهد أحدهم وهو يبكي وينظر إلى رجله المبتورة ويقول للطّبيب: “هل ستعود رجلي مرّة أخرى كما كانت؟”… كلّها مشاهد امتُحنت بها قلوبنا، فتأثّرت لبعض الوقت، ثمّ بدأت تألف الصّور وتعتاد الأخبار، لتصبح عند بعضنا لا تختلف كثيرا عن أخبار التهاب الأسعار وأخبار الزيادات في الرواتب وصور الأهداف التي يصنعها نجوم الكرة في كأسي أفريقيا وآسيا!

إنّنا في حاجة لأن ننعش قلوبنا من حين لآخر، حتى لا تتبلّد أحاسيسنا مع توالي الصّور والأخبار وحتّى لا نتعامل مع مشاهد الإبادة التي تحصل في غزّة كما يتعامل الواحد منّا مع مشاهد فيلم رعب، تؤثّر فيه وتهزّ قلبه بضع دقائق، ثمّ ينسى كلّ شيء عندما تنتهي تلك المشاهد!

أحد إخواننا في غزّة كتب قبل أيام يقول: “نحن لسنا مشهداً من فيلم رعب تشاهده وأنت متكئ على أريكتك تأكل الفشار ودموعك على خدك ثم إذا تركت الشاشة انقلبت إلى الدنيا ونسيت ما كنت تشاهد! نحن إخوانك في الدين وأخوتنا أعظم من أخوة الدم والنسب، ولا خير فيك إذا لم تكن معنا بكل جوارحك وتنصرنا بحسب قدرتك وطاقتك، إنما المؤمنون إخوة!”.

إذا كنّا نهنأ بالعيش، ونجد من أنفسنا القابلية للاهتمام بأخبار كأس أفريقيا وكأس آسيا، لأنّنا نرى أبناءنا من حولنا يلهون ويمرحون ونجد في بيوتنا ما نحن في حاجة إليه وما لا نحتاج إليه، فإنّ في غزّة الآن ما يربو على 17 ألف طفل أمسوا من دون ذويهم، وأكثر من مليون طفل بحاجة إلى دعم نفسي بسبب ما رأوه من أهوال الحرب!

أطفال يرتجفون بردا، وينامون في الطّين والوحل داخل خيام لا تقي من حر ولا قر، ومنهم من ماتوا من شدّة البرد.. وأطفال أصبح أكبر حلمهم أن يجدوا مياها نظيفة يشربونها.. وأطفال يقفون في طوابير طويلة للحصول على الطّعام، ويتكلّمون -وعيونهم مغرورقة بالدّموع- عن الجوع الذي أنهك أجسادهم.. وأمّهات يتوسّلن العالم أن يدخل إليهنّ طعاما يطعمنه أبناءهنّ الذين يموتون أمام أعينهنّ جوعا.. إحداهنّ تخاطب المسلمين بكلّ حسرة وتقول: “والله إنّ الواحد منّا من قلّة الطّعام، عندما يجد قطعة خبز ينظر حوله لعلّه يجد عينا باكية تحتاج إلى تلك اللقمة أكثر منه ليؤثره بها”.

لقد أمسى الألم الذي يكابده أهل غزّة بسبب خذلان إخوانهم أشدّ من ألم الحرب نفسها.. أحد إخواننا هناك كتب يقول: “كيف هو شعورك لو كنت تحت القصف والقتل والموت والدمار تنتظر نصرة إخوانك، وإخوانك بجانبك يحتفلون بكرة منفوخة غير آبهين بأوجاعك وآلامك؟!”.

كم هي مؤلمة هذه الكلمات! عندما تقرؤها، وأنت موقن بأنّك على مدار 4 أشهر كاملة من الحرب في غزّة، لم تقدّم لإخوانك شيئا، ربّما لم تستطع، وربّما كنت تستطيع ولكنّ نفسك أقنعتك بأنّه لا جدوى ممّا ستقدّمه! 4 أشهر لم تغيّر فيها من حياتك ولا من عاداتك وطباعك شيئا! أنت الآن بعد ارتقاء ما يقرب من 28 ألف شهيد من إخوانك في غزّة، كما كنت قبل 7 أكتوبر.. حتى المسجد ما زلت تهجره ولا تجد فيه راحتك، ولا تأتيه إلا يوم الجمعة في آخر ساعة، ونسيت أنّ إخوانك هناك في غزّة يبكون على مساجدهم التي هدمها الاحتلال الصهيونيّ وما عادوا يسمعون نداءها ولا عادوا يستطيعون الاجتماع في رحابها؟ لكنّهم مع ذلك ورغم الحرب والقصف والبرد الشّديد، لا يزالون يعمرون المساجد القليلة التي بقيت لم تهدم.. يقول أحد الأفاضل يوم الجمعة الماضية: “رغم القصف الشديد والحرب الطاحنة، ورغم تدمير أغلب مساجد غزة، ورغم الخوف والوحل والمطر، ذهبت إلى صلاة الجمعة نصف ساعة قبل الأذان، فوجدت المسجد وساحاته قد امتلأت بالمصلين، وصلى الناس في الشارع تحت زخات المطر”.. هكذا هم إخوانك وهم يواجهون الحرب والبرد والجوع، وأنت لا يزال المسجد يشكّل مصدر قلق لك! لا تزال السّاعة الوحيدة التي تقضيها بين جدرانه يوم الجمعة هي أثقل الساعات على نفسك!

نحن ننتظر أن ينتصر المجاهدون في فلسطين على أعدائهم وأعدائنا، وهم بإذن الله منصورون الآن أو بعد حين.. لكن ماذا عنّا نحن؟ على أيّ شيء انتصرنا؟ هل انتصرنا في المعركة مع أنفسنا؟ دين الله منصور وظاهر ولو بعد حين، لكنّ الخسران أن ينتصر الحقّ ولا يكون للواحد منّا فيه نصيب، حتّى في نفسه.. المعارك في غزّة حامية، والرؤوس تتطاير والأشلاء تتناثر، وأنت -أخي- لا تزال عبدا لنفسك: تنام عن الصّلاة، وتنظر إلى الحرام على هاتفك، وتخاصم أخاك وجارك وقريبك لأجل دنيا تافهة، وتبيت ليلك بهَمّ الدراهم وتصبح بهمّها، ليس لدينك من وقتك سوى بضع دقائق معدودة كلّ يوم!

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!