-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

أردوغان.. هل يؤسس جيشاً إسلامياً لتركيا؟

سهيل الخالدي
  • 7305
  • 18
أردوغان.. هل يؤسس جيشاً إسلامياً لتركيا؟

لنا كأمّة عربية تجربة منسية في الإطاحة الشعبية بالحكم العسكري، ففي عام 1964 أطاح الشعب السوداني عبر مظاهراته بحكم الجنرال إبراهيم عبود وأعاد السلطة للمدنيين، لكن ما لبث الجيش أن كسر الديموقراطية وأخذ كل جنرال يغتصبها من سابقه حتى الجنرال الحالي عمر البشير.. فهل يمكننا كمواطنين عرب عاديين أن نقرأ ما جرى في تركيا ليلة 15/16 جويلية 2016 بدم بارد؟

هذه القراءة ضرورية لنا؛  فبالإضافة إلى أن تركيا دولة من دول الجوار العربي وتربطنا بها علاقاتٌ تاريخية، مازال رجب طيب أردوغان يحاول استثمارها وقام بزيارة معظم الدول العربية ومنها الجزائر، فتركيا دولة أصبحت لاعبا أساسيا في المنطقة وصانعا ميدانيا لإعادة الشرقنة، وبعض العرب يريد لها هذا الدور في مواجهة إيران وبعضهم يريده لأسباب اقتصادية بحتة وبعضهم     لا يريد لتركيا أي دور حفاظا على دوره هو..

  وبناءً على ذلك رأينا مواقف عربية متباينة من حركة الانقلاب التي جرت في تركيا تلك الليلة:

في دمشق انطلقت مع اللحظات الأولى للانقلاب رصاصات الفرح تُطلق في الهواء مرفقة بالزغاريد مرحبة بالانقلاب.

وفي مصر أقيمت الأفراح أيضاً ليلة الانقلاب، ورأينا في اليوم التالي عرقلة لمقترح قرار في مجلس الأمن يصف الحكومة التركية بأنها حكومة ديمقراطية منتخبة.

–  أما السعودية فقد فعلت ما فعلته معظم دول أوروبا، فأيدت  أردوغان بعد أن رأت فشل المحاولة الانقلابية ضده.

 وهذا الفشل لم يكن متوقعا أبدا؛ فالجيش الذي قام به هو ثاني أكبر جيش في حلف الناتو وله تاريخ طويل في الانقلابات الناجحة، فكيف له أن يفشل؟

والملاحظ على ما جرى في تلك الليلة أن ردة الفعل كانت أكثر تنظيما ودقة من الفعل نفسه، فليس من المعتاد أن يقوم الجيش التركي الذي يرى نفسه جيشا علمانيا بحتا أن يقوم بانقلاب ورئيس الجمهورية -الذي هو هدف الانقلاب- خارج العاصمة، كما ليس من المعتاد في أي انقلاب أن لا يبدأ باعتقال السياسيين من أعضاء الحكومة على الأقل والسيطرة على الرئاسات الثلاث دفعة واحدة،   وأكثر من ذلك فإن المستشار القانوني لرئيس الأركان المتهم بأنه العقل المدبر للانقلاب الذي رأسه قائد  سلاح الجو هو شخص محل شبهة من أجهزة أردوغان، بل سبق وأن حوكم ولم تثبت التهمة عليه  ووضع تحت الرقابة حتى وهو في منصبه.

 يقابل هذا الارتجال في الفعل الانقلابي تنظيمٌ كبير في ردة الفعل، فقد استعمل أردوغان أجهزة التواصل  الاجتماعي التي كان يعلن محاربتها حتى تلك اللحظة، وطلب عبر هاتفه النقال  من الجماهير الخروج إلى الشارع، فاستجابت له بأسرع من البرق، وكأنها كانت تنتظر، وبنفس اللحظة وجه ضربة قوية إلى القضاء الذي لم يكن على وفاق معه وأوقف قرابة ثلاثة آلاف قاض ومثلهم من العسكريين، مما يوحي بأن أسماءهم كانت مُعدّة سلفا.

أعلن أردوغان على الفور بأن المؤسسة العسكرية ستطهر نفسها بنفسها، واستعمل كف رابعة وهو يتحدث عن شعاره؛ أي أن تطهير الجيش التركي سيكون باتجاه تكوين جيش إسلامي بالضد من الجيش العلماني ، فهل يمكن أن يكون ثاني أكبر جيش في حلف الناتو جيشا إسلاميا؟

 وأعلن أردوغان على الفور بأن المؤسسة العسكرية ستطهر نفسها بنفسها، واستعمل  كف رابعة، وهو يتحدث عن شعاره؛ أي أن تطهير الجيش التركي سيكون باتجاه تكوين جيش إسلامي بالضد من الجيش العلماني، فهل يمكن أن يكون ثاني أكبر جيش في حلف الناتو جيشا إسلاميا؟ هل ستقبل أوروبا في اللحظة التي تضرب في  الريفيرا الفرنسية ضربا موجعا  قيل إن صاحبها اعتنق التطرف  الإسلامي قبيل أسابيع، هل ستقبل أن يكون على حدودها جيش كامل من المسلمين؟ هل أخطأ أم تعجّل أردوغان في هذا الإعلان؟  أم أنه قاله في وقته المحدد لينهي أسطورة جيش كان يدّعي حماية العلمانية  ولا يعترف بالديمقراطية وجعلهما منذ 1926 في خطين متوازيين لايلتقيان؟ وهل يعني هذا أن حلف الناتو رفع الغطاء عن هذا الجيش فتحرك أردوغان؟ أم أنه رفعه عن أردوغان فتحرك الجيش؟

لقد جاءت حركة الانقلاب في ظروف برهن فيها السلطان العثماني  عن قدرته على الانقلاب على نفسه وتغيير سياسته من النقيض إلى النقيض؛ إذ تقارب فجأة مع  روسيا  المناهضة للغرب بدرجة كبيرة  ومع إسرائيل المتماهية مع الغرب حتى النخاع، بل جرت تكهنات من أنه قد يغير مواقفه من سوريا ومصر.

لا أعتقد أن إمكانياتنا المتواضعة كمحللين إعلاميين عرب تجعلنا قادرين على تقديم أفكار تمكِّن المواطن العربي من  قراءة ما جرى في اسطمبول بدم بارد، فهي إمكانيات مبنية على انفعالات ساذجة – كما حدث للإعلام المصري الذي راح يتشفى قبل أن يرى النتيجة- لأن أعلامنا كجزء من اللوجستيك السياسي هو تابع لساسة عرب  ليس لهم مكانة في السياسة الدولية ولا يعرفون ما يجري في كواليسها، سواء ما يخص بلدانهم أو بلدان غيرهم، وأردوغان نفسه سحب البساط من تحتهم عدة مرات حتى في قضية فلسطين التي كادت تصبح قضيه وليس قضيتهم، أما قضية الدين وقضية التنمية فحدث ولا حرج.

 ولانعدام معرفة الحكام والساسة العرب بالخطوة التالية التي يمكن أن يتخذها أردوغان  بعد أن جعل يوم 15 جويلية عيدا رسميا للديمقراطية ساحبا البساط من 14 جويلية الفرنسي الذي تلاشت قيمه في نيس وقبلها في باريس، فما هي خطوته التالية نحو الإقليم؟

ماذا لو أعلن عن تأسيس جامعة الشرق الأوسط بدلا من الجامعة تضم تركيا وإيران وإسرائيل، من الذي سيقف في وجهه؟ هل هو أحمد أبو الغيط أم العبادي؟

 وماذا لو أعلن عن تأسيس جامعة الشعوب الناطقة بالتركية أو العثمانية؟ هل سيقف في وجهه الاتحاد

الأوروبي أم أمريكا…؟

إنه يبدو في هذه اللحظات كنابليون لن يوقفه إلا جنرال الثلج،

 لكن المناخ العالمي الطبيعي والسياسي قد تغير،

 فالثابت الوحيد في هذا الكون هو تخلف حكامنا وسياسيينا العرب،  فهم وحدهم الذين يصمدون وبكل قوة في مواقعهم والدنيا حولهم تتحرك بقوة.

 يا لها من ليلة اسطمبولية كم هي حبلى بالمسلسلات.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
18
  • عبد اللطيف - غارداية

    الغرب وأعداء الإسلام كلهم لا يحبون التطور لبلداننا الإسلامية أبدا. أنظر في كل الدول المتطورة و الغربية و الاوروبية هل ترى أي جنرال في الحكم ؟ هل ترى أي جنرال رئيسا للوزراء ؟ هل ترى أي جنرال أصبح وزير صناعة أو ثقافة أو أي وزارة أخرى سوى وزارة الدفاع ؟ وبالمقابل كل الدول التي حكمها العسكر أو وقعت فيها انقلابات عسكرية كلها بدون استثناء دول متخلفة. أليس ها صدفة ؟؟ مجرد صدفة ؟
    انقلاب مصر لماذا أيده الغرب ؟ رغم أن العسكر ذبحوا الناس الأبرياء و قتلوهم و هم يصلون الفجر ؟ لماذا يدعمون الجنرال حفتر ليب

  • عبد اللطيف - غارداية

    إنك عندما تزور تركيا ستكتشف بسرعة سبب تعلق الشعب التركي برئيسه أردوغان. كنت أود من الأستاذ أن لا يبدي أي تعجب من فشل الإنقلاب. ففشل الإنقلاب شيء حتمي عندما يصطدم برئيس جاء لسدة الحكم عن طريق الشعب... كما أن سقوط الرئيس في انقلاب سريع وخاطف بدون أي حركة في الشارع هو دائما من نصيب الرؤساء الذين يصلون لسدة الحكم عن طريق أي شيء بدون الحاجة لانتخابات شرعية.
    كنت أريد من الاستاذ أن يتعجب كيف استطاع أردوغان وشعب أردوغان من النهوض بدولتهم ورفعها إلى مصاف الدول العظمى في خلال سنوات قلائل.. هذا هو السؤال

  • الباحث: لعبيدي مسعود / بسكرة

    لنترك الارقام تتكلم: عاشت تركيا ازمة اقتصادية قاتلة،تمثلت في التضخم وارتفاع الدين الخارجي،وانخفاض الناتج الداخلي،ادى الى تعويم الليرة التركية وارتفاع نسبة البطالة ،وهروب الاستثارات الاجنبية،الى ان استلم أردوغان السلطة في 2002 ،فشهدالعام 2003 نموا ب5.3 ثم9.4 في2004 ثم 8.4في 2005فا 6.9في 2006،حيث كان متوسط انمو 6.5 من 2001الى 2011، كا تعدتركيا :
    - ضمن العشرين الاكثر تقدما.
    - الاقتصاد الاكبر نموا ب4.8 في الربع الاول من2016 ،ونسبة بطالة 8.7 في 20015
    - لا يفي المقام لذكر النجاح الذي ولد الانقلاب.

  • محرز

    أنها عناية الله يا صاحب المقال الله سبحانه وتعالى وفر الأسباب لكي لا ينجح الأنقلاب...ولو اجتمعت الإنس والجن لما استطاعوا الإطاحة بأردوغان المنتخب من طرف الشعب...

  • Hassan

    السلام لكل من يحب السلام.

    حزب العدالة والتنمية السؤال يطرح كم سرق من المليرات?
    وهل وصلت العدالة والتنمية بنية حزبية ام اصلحيةاسلمية.
    وهل اردوغان جاء على الدببات والتزويروالبندير ام بالنمو والتقدير
    شعب حبهو وهو خدوم له.
    وعندناالشعوب عبيدعندعربيد.

  • الوطني

    أردوغان.. هل يؤسس جيشاً إسلامياً لتركيا؟ .... انها التفاهة لبعض الكتاب القدم الشياتين وماذا فعلتم انتم بجيوشكم العلمانية الا الانبطاح والخنوع والركوع ... اردوغان لا يهمه الجيش ولم يلتفت له الا بعد محاولة نقل فيروس الجيوش المتخلفة العلمانية ومحاولته الانقلاب اليوم نعم من حقه تنظيفه من الاوساخ والعملاء لان العلمانية لا تقبل الغير وخير دليل ما حدث في الجزائر ومصر من طرف الجيش وهذه الدولتان اليوم في دمار وتخلف من حق اردغان ان يؤسس جيش كما اسس لدولة قوية اقتصاديا وسميها كما ارادت يا الشيخ الخالدي.

  • gharib

    من الواضح في مقالكم الحقد الكبير لاردوغان.فكرتني يا سيدي بنفاق الغرب,من جهة يريدون سقوط اردوغان لانه مسلم ونجح في اقامة دولة اسلامية قوية على الحدود الاوربية ومن جهة اخرى يتكلمون عن حقوق الانسان والديمقراطية.سيدي ليس هناك فبركة فهو شعب يحب رئيسهم ارتقى بهم في جميع المجالات.نقطة الى السطر يا استاذ

  • التغزوتي

    لن ينجو أردوغان المغرور بفعلته والأيام بيننا..الكل ضده اليوم ماعدا العرب السذّج.

  • عثماني

    ربما سيعيد التاريخ نفسه.

  • Zegzagou

    Non il va créer une armée diaboliques ainsi il sera votre héros comme il est actuellement d ailleurs

  • بشير

    و هو يقبل يد الصهاينة بعد خزعبلاته التي عقام بها في قضية باخة مرمرة؟؟؟؟

  • حمورابي بوسعادة

    العسكر من اسطنبول الي بغداد الماكلة والرقاد ؟ جيش الحلف الأطلسي الذي يخوف العرب مع الجيش الاسرائيلي -جيوش من ورق ...

  • حمورابي بوسعادة

    حسب ما رأينا في التلفزيون الشرطة تسوق قطعانا من الجيش في سابقة تاريخية وقائد طيران الجو يضع ضمادة علي أذنه وآثار لكمات علي جسمه ...هذه هي حالة الجيش القوي أوردوغان أهان جيشه والأفضل له استبداله بجيش جديد ...من العدالة والتنمية أو من بقايا داعش ؟

  • الباحث: لعبيدي مسعود / بسكرة

    ماأروع ماكتبت ياأستاذ سهيل الخالدي . أردوغان يعيد كتابة تاريخ تركيا ، وصياغة منطقة أوراسيا، أردوغان تنين حقيقي يبعث أمته من تحت الرماد،كانت فرحة الجميع بالانقلاب عليه، لانه يحاصرهم بنجاحه وهم الفاشلون ، بطهارته وهم الفاسدون ،و بوفائه وهم الخائنون ،فالخبيث والطيب خطان لا يلتقيان.
    آن لأردوغان ان ييكشف عن الوجه الحقيقي لمشروعه ، وان يضرب بحديد ،ويعيد المجد التليد، وان يترك اشباه الرجال لموائد الثريد، يساقون سوق العبيد.
    وتأكيدا لما أقول أنظر كيف هرول الجمع نفاقا ،يقبلون الايدي المتوضئة،طمعا ورهبة.

  • أسامة

    شكرا على المجهد المبذول في التحليل. الله أعلم بخبايا السياسة. لن نغتر بأردوغان ولكن يبدوا في طريق صحيح لحد الآن. إن لم نفرح به هو فعلينا أن نفرح بفشل الإنقلابات والتآمرات التي لا تؤدي إلا للدماء. لا أظنه يبني جيشا إسلاميا ليس بهذه السرعة. و لا ننتظر أن يحمينا أردوغان. عندنا جيش و حكومة و شعب و الأولى أن ننظر كيف كسب تأييد شعبه لعلنا نقتدي به. المصالحة الوطنية خطوة طيبة رغم أن الكثير لم يفهم من صالح من. و نرجوا من الحكومة أن تبرهن النوايا الحسنة فالجزاءريون لا يترددون في التضحية إذا وجدت الثقة

  • بدون اسم

    الدي له قاعدة شعبية واسعة لا يحتاج الى سناريو الانقلاب.

  • DZ

    كأنك تلمّح إلى أن الانقلاب "سيناريو مدبّر". هذا مستبعد جدا. لو تكرّمت علينا بأدلتك لتنوّر عقولنا مشكورا. بدل أن تقارن الأتراك بحكام العرب.

  • بدون اسم

    صدقت يا أستاذ:" المناخ العالمي الطبيعي والسياسي قد تغير،
    فالثابت الوحيد في هذا الكون هو تخلف حكامنا وسياسيينا العرب، فهم وحدهم الذين يصمدون وبكل قوة في مواقعهم والدنيا حولهم تتحرك بقوة. "...بل يعطلون التاريخ و يعودون به إلى الوراء قرونا...