-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

أسباب تباين الإصابات بكورونا من بلد إلى آخر

محمد شيدخ
  • 509
  • 0
أسباب تباين الإصابات بكورونا من بلد إلى آخر

لم يكن شهر نوفمبر من سنة 2019عاديا على مدينة “يوهان” بمقاطعة “هوباي” الصينية بل أسس لأخطر وباء في هذا العصر، إذ أنه بالرغم من وجود عديد الدراسات التي اشارت الى احتمال ظهور فيروس جديد من النوع التاجي على غرار ما نشرته جماعة من علماء الفيروسات بجامعة برشلونة الاسبانية يوم 12 مارس 2019  قبل تأكيد ظهور فيروس الكورونا بتسعة اشهر تقريبا.

بعدها كذّب هذه النتيجة الدكتور “جووان رامون” مدير معهد مراقبة النوعية الذي صرح بأن ما وجد بهذه المياه الراكدة ليس الا نتيجة “موجبة خاطئة” لتشابه ما وجد مع الفصيلة الأم للفيروسات التاجية. ثم تلتها أبحاث واكتشافات جامعة “سيان” الايطالية في شهر سبتمبر من نفس السنة مصرحة بوجود مضادات أجسام كورونا المستجد عند أربعة مرضى، وغيرها من المنشورات إلى أن ثبُت ضبط هذا الفيروس يوم اول ديسمبر 2019 عند مريض عمره 55 سنة أصيب بوعكة صحية يوم 16 أو 17 نوفمبر، وبعد ثلاثين يوما أصبح عدد المصابين 27 حالة فكان شهر نوفمبر قد بصم يوميات الصين بأحوال هذا المرض الجديد الذي جاب كل بلدان العالم في ظرف قياسي، إذ أعلنت المنظمة العالمية للصحة الحالة الاستعجالية العالمية بترسيم هذا الوباء المستجد يوم 30 جانفي 2020، ثم صرحت بأن العالم يمر بجائحة خطيرة وكان  ذلك يوم 11 مارس 2020.

انتشر الوباء سريعا عبر القارات وسجلت القارة الأمريكية  أول حالة لها  يوم 31 جانفي 2020 بالولايات المتحدة الأمريكية، وكانت لشخص من واشنطن، ثم تلتها القارة الأوروبية بتسجيل أول حالاتها بفرنسا بتاريخ 24 جانفي 2020، ثم ايطاليا يوم 28 من نفس الشهر. والى غاية 17 مارس 2020 كانت كل الدول الاوروبية  قد صرحت بوجود على الاقل حالة موجبة على ترابها.

أما في إفريقيا فتم تسجيل أول حالة إصابة مؤكدة  بكورونا  بمصر أوائل فيفري 2020 ثم باقي الدول الإفريقية الأربع والخمسين تدريجيا .وخلال هاتين السنتين من عمر الجائحة التي تميزت بتفاوت كبير في أعداد الاصابات والوفيات من بلد إلى آخر ومن  قارة إلى أخرى عانت أثناءها دول أوروبا الغربية الأمرّين ثم تلتها الأمريكيتان، بينما كانت إفريقيا وآسيا تسجلان أقل الأعداد إصابة وأقل الوفيات.

ويجدر بنا الإشارة إلى أن المقارنات الدولية بين البلدان لابدّ من تفسيرها بحذر شديد لأن الدول تستعمل معايير مختلفة في تقييم وقع الجائحة عندها وتحليل نتائج تقييماتها. وبعد مرور عشرة أشهر على الجائحة لاحظ العلماء أن إفريقيا كانت الأقل إصابة، هذه القارة التي تحتوي على مليار ومائتي مليون نسمة لم تسجّل في ظرف ثمانية أشهر في أعداد الوفيات ما سجلته فرنسا لوحدها في نفس المرحلة بتعداد سكانها الذي يقارب 67 مليون نسمة، وبالرغم من عديد التحذيرات التي أطلقت هنا وهناك خوفا من كارثة كبيرة جراء الجائحة، تكون القارة السمراء مسرحا لها بأعداد الوفيات والإصابات وكذا تشبّع المستشفيات وشلل جل المنظومات الصحية وما يلحقها من متاعب اقتصادية تكابدها القارة. وقد حذرت المنظمة العالمية للصحة من هذه التبعات المحتملة وعبّرت عن خوفها من هذا السيناريو الذي لم يحدث اطلاقا فما السر في ذلك؟

وتقريبا الأمر ذاته حدث بقارة آسيا التي سجلت أعداد إصابات أقلّ وأرقام وفيات أقل كذلك وكان وقع الجائحة أخفّ، فعندما كانت أوروبا وأمريكا الشمالية خاصة تكابدان متاعب الموجات الثانية والثالثة وحتى الرابعة من الجائحة، كانت إفريقيا، وكذلك في عموم الأحوال آسيا، تحصيان أعدادا صغيرة من الإصابات والوفيات.

وعلى كلّ فإن الأحوال داخل نفس القارة متفاوتة؛ إذ نجد في إفريقيا بعض الدول التي تأثرت أكثر من غيرها مثل الجزائر، المغرب، كينيا وإفريقيا الجنوبية، ونفس الوضع نجده في قارة آسيا حيث سجلت الهند وإندونيسيا وتركيا وحتى اليابان وإيران أرقاما أكبر من غيرها من دول القارة.

يقول بعض العلماء إن هرم الأعمار، إلى جانب نِسب السمنة، لعبا دورا هاما في توضيح بعض الفوارق وتبايناتها، ويضيف البعض نِسب تفشي الأمراض المزمنة وأمراض انهيار المناعة واختلاف درجة تفشيها في المجتمع من دولة إلى أخرى، ويذهب آخرون إلى مدى قدرة الدول على ضبط الإحصائيات وإخراجها بدقة، وكذا قدرات الكشف عن الفيروس والتي تتباين بين الدول حسب اقتصادياتها.

وفي ما يتعلق بعلاقة المناعة والتقدم في السن، فإن حدثت تغيرات وظيفية تمس نظام وجهاز المناعة، وتتجلى بوضوح مع التقدم في العمر بتضاعف الوهن أمام مختلف الأمراض مع نقص المراقبة والمتابعة المناعية ضد السرطانات، فمن الطبيعي أن الهرم العمري يُصحب بهرم سائر الأعضاء، مما ينجر عنه انهيار واضح لفعالية ونشاط جهاز المناعة ممثلا في نشاط التهابي تصاعدي ونقص في أهلية الجسم على تكييف ميكانزمات  المناعة حسب مختلف الأحوال، والاعتداءات الفيروسية والبكتيرية بصفة عامة فيتقلص عدد الخلايا اللمفاوية من صنف “تي” غير المنشطة وغير المتمايزة إلى أنواعها المتعددة.

المعيار الثاني يتعلق بسوء التغذية الذي يؤدي إلى إضعاف وتقليل عدد ونشاط الخلايا اللمفاوية، الدرع القوي في نظام المناعة، والحديث عن سوء التغذية مرتبط أساسا بالفقر وضعف اقتصاد بعض الدول، وحتى الدول الصناعية الغنية تعاني من نقص الفيتامينات والمعادن في أكلاتهم، وهذه الظاهرة مرتبطة بعادات غذائية غير صحية ويسمونها “الأكل السيء” الذي أساسه الأكلات السريعة والمعلبات والافتقار إلى الخضر والفواكه الطازجة، باستثناء بعض دول اوروبا التي تعتمد شعوبها على نظام غذائي شبه نباتي غنيّ الزيوت النباتية والأسماك ونسميه غذاء دول حوض البحر الابيض المتوسط أو نظام “كريتوا”.

وفيما يخص الأمراض المزمنة فقد لاحظ العلماء أن هؤلاء المرضى تتميز أحوالهم المناعية بنقص في تركيز خلايا النظام المناعي المصنف في السلم الأول أو المناعة الأولى وهي – إلى جانب تدني  نسبة الانترفيرون – إي أن أف– الضروري للنشاط  والنجاعة.

أما فيما يخص المناخ المختلف وتأثر فيروس كورونا به، فقد كان الاعتقاد السائد أن الحرارة لم تؤثر في مسار الفيروس واستقواءاته عبر عديد الموجات التي مرّت بها الدول في هذه الأثناء، ولكن هناك بحثين يثبتان أن فيروس كورونا لا يحب الشمس، وقد يتأثر بالموجات فوق البنفسجية الناتجة عن أشعة الشمس؛ إذ ذكرت الدراسة الأولى أن هناك قلة في أعداد الوفيات في المناطق الحارة والمشمسة جدا والدراسة الثانية اشارت إلى شلل فيروس كورونا عند تعرضه لأشعة الشمس الشديدة.

وبغضّ النظر عن المناطق الحارة، هناك نوعان من تآكل وتناقص سمك طبقة الأوزون، النوع الأول عامّ وشامل وهو تناقص بطيء ومنسجم قوّمه العلماء بمقدار 4 بالمائة كل عشر سنوات، وكان ذلك منذ 1970 إلى يومنا، مما قد يزيد  من حرارة بعض المناطق ويسمح بتسريب أكبر لأشعة الشمس بما تحمله من موجات فوق بنفسجية من نوع “ألف” و”باء”. أما التآكل الثاني فيتعلق بفقدان كبير لسمك الأوزون يخص القطبين ويسمى بثقب الأوزون والذي قد يسمح بمرور الموجات البنفسجية من صنف “سين” الخطيرة على سكان القطب الشمالي الذي يقطنه حوالي أربع ملايين نسمة، وفي هذه الحالة نعتبر أنه لو انتقل فيروس كورونا إلى هؤلاء فإنه لن يستطيع العيش والتنقل بين الأشخاص فنجدهم معافين من كورونا، ولكن قد يكون سرطان الجلد موجودا بقوة هناك.

كان الاعتقاد السائد أن الحرارة لم تؤثر في مسار الفيروس واستقواءاته عبر عديد الموجات التي مرّت بها الدول في هذه الأثناء، ولكن هناك بحثين يثبتان أن فيروس كورونا لا يحب الشمس، وقد يتأثر بالموجات فوق البنفسجية الناتجة عن أشعة الشمس؛ إذ ذكرت الدراسة الأولى أن هناك قلة في أعداد الوفيات في المناطق الحارة والمشمسة جدا والدراسة الثانية أشارت إلى شلل فيروس كورونا عند تعرضه لأشعة الشمس الشديدة.

وفيما يخص البدانة أو السمنة، فإن أكبر نسبة أو معدل بدانة موجود بقطر “42.3 المائة” تليها الكويت والإمارات المتحدة، وفي باقي الدول تتربع الولايات المتحدة الأمريكية على كبر نِسبة من ذوي السمنة المرضية “33.7 بالمائة” من السكان  وبريطانيا بنسبة “28.1 بالمائة” تليها المجر، فرنسا واسبانيا ثم ايطاليا، فنلاندا، السويد وبلجيكا بنسبٍ تتراوح بين 20 و24 بالمائة، وسجلت ألمانيا والبرتغال نفس النسب ماعدا هولندا وسويسرا اللتين سجلتا حوالي 19 بالمائة لكلتيهما.

أما في دول آسيا، فتتراوح النسب بين دول بها مستوى عال من البدانة، إذ سجلت المكسيك وإيران نسبة 28 و26 بالمائة على التوالي، بينما نجد مستويات أدنى بكثير تتراوح بين 2 و4 بالمائة في عديد الدول على غرار الهند، الفيتنام، وكوريا الشمالية. أما فيما يخص السن، فنجد أكبر نسب حسب إحصائيات قدّمتها هيئة الأمم المتحدة في عديد الدول الأوروبية وأمريكا الشمالية؛ إذ تتراوح نسب المواطنين الذين تفوق سنهم 65 سنة بين 14 و21 بالمائة في دول أوروبا، و15.2 بالمائة في أمريكا مع 16.5 بالمائة في كندا. أما آسيا فغالبية النسب ضعيفة وتتراوح بين 4 و10 بالمائة ما عدا اليابان وكوريا الجنوبية اللتين سجلتا على التوالي 26.9 و17.6 بالمائة على التوالي، ولنا في دول إفريقيا نسب أقل بين 2 و7.8 بالمائة.

وفي الأخير نلاحظ أن عديد العوامل مجتمعة هي التي تحكّمت في ضراوة وشدة وقع الجائحة وتباينها بين الدول، وعلى رأسها نسب شيخوخة وأعداد الأمراض المزمنة إلى جانب معدلات السمنة وأنماط التغذية، دون نسيان العامل المناخي وأثر الحرارة في ذلك، مع توفر آليات كشف كافية وشاملة وإحصائيات دقيقة تتحكم في ظهور الحقيقة وتجليها وتناغمها مع الواقع.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!