-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

أصدقاء الجزائر الذين نسيناهم

أمين الزاوي
  • 11594
  • 16
أصدقاء الجزائر الذين نسيناهم

حين اقترح أحدهم على الجنرال دوغول توقيف وسجن الفيلسوف جان بول سارتر معاقبة له على ما يقوم به من فعاليات ثقافية سياسية مساندة للثورة الجزائرية والمتمثلة في تنظيم التجمعات العامة وتوزيع المنشورات وكتابة اللوائح والعرائض لإدانة الاستعمار وفضح التعذيب الهمجي الممارس ضد الجزائريين الذين لم يكونوا يطالبون سوى بالحرية والاستقلال، حين سمع الجنرال دو غول اقتراح هذا المعاون رد عليه بما يلي:” إن فولتير لا يسجن”. كان يريد أن يقول: إن فرنسا لا تسجن ولا تهين عظماءها مهما اختلفوا معها، وبذلك أراد أن يذكر بأن الفيلسوف سارتر من طينة ومن سلالة فولتير.

كان سارتر بقلمه وعقله أكبر من جيوش فرنسا الاستعمارية كلها. كانت مقالاته وتجمعاته وحلقاته أكبر من دسائس وزارة الداخلية وأجهزة التعذيب المتخصصة.

حين نشر سارتر بيان أو “مانيفستو الـ 121″ زلزل أركان القيادة العسكرية وبدد أوهام العسكر وأعاد لفرنسا بعضا من شرف قيم الثورة الفرنسية، وبالتالي استرجعت فرنسا فولتيرها الذي لا يسجن.

لماذا اليوم، والجزائر تحفل بخمسينية استقلالها العظيم، نرى الجيل الجديد قد نسي أو يجهل تماما هؤلاء الفلاسفة والكتاب والمثقفين الذين وقفوا إلى جانب الثورة الجزائرية بما كانوا يملكونه من قوة رمزية وسياسية وأدبية وفلسفية، قوة كانت تسكن أقلامهم وتنبت في مدادهم الشجاع.

أعتقد أن هؤلاء الكتاب والفلاسفة والإعلاميين هم رأسمال ثقافي كبير جزائري وإنساني يجب الانتباه له والتنبيه إليه، إن للثورة الجزائرية رأسمالا كبيرا، أكبر من البترول، هو رأسمال مشكل من هؤلاء الأصدقاء من دعاة الحرية ومناضلي التحرر والانسانية المتواجدين عبر العالم وفي كل اللغات.

إن سيكولوجية النخوة التي سادت ما بين سنوات الاستقلال الأولى، وغياب دور المثقف النقدي عن بنية جهاز السلطة الوطنية في الجزائر الجديدة، هو الذي جعلنا ننسى كثيرا من أصدقاء الثورة الجزائرية من الأوروبيين والأمريكيين.

ليس من اليُسْر أن تكون ضد بلدك، وكان سارتر ضد فرنسا الاستعمارية لأنها خانت فرنسا التي كان يؤمن بها، بلد الحرية والتحرر وحقوق الإنسان، بلد فوليتر وبودلير ورامبو وزولا وألفريد دي موسيه.

ليس من اليُسْر أن تكون ضد بلدك ولكن سارتر كان ضد فرنسا الاستعمارية وإلى جانب الجزائر الباحثة عن الاستقلال والحرية.

وحين رسم الفنان العالمي بيكاسو لوحة هي بورتريه للمناضلة جميلة بوباشا، وهي وقتها مهددة بالإعدام تنتظر محاكمتها، قابعة في زنزانة من زنازين سجن مدينة كاين Caen بنورمانديا السفلى الذي نقلت إليه، وهو ذات السجن الذي قضى فيه الشاعر المناضل بوعلام خلفة سنوات ومنه هرب، كانت هذه اللوحة التشكيلية لبيكاسو المثقف المناهض للفرانكوية هي عبارة عن لوحة نجاة حقيقية بالنسبة لهذه المناضلة الشريفة، فلولا بيكاسو ولجنة المساندة العالمية التي تشكلت لنصرتها والمطالبة بحريتها والمتكونة من مجموعة من الكتاب من أقصى اليسار إلى رجال الدين من بينهم سيمون دي بوفوار وجزيل حليمي ولويس أراغون وإلزا تريولي وسيمون فيي وغابرييل مارسيل وجيرمين تييون وغيرهم لولا هؤلاء لكان سيكون مصير جميلة بوباشا هو مصير أحمد زبانا، أي المقصلة.

دارت لوحة بيكاسو أروقة العالم الكبرى ومن خلالها وبها دق ناقوس خطر الموت الذي تواجهه المناضلة جميلة بو باشا ويعيش يومياته الجزائريون جراء مسلسل الاستعمار الفرنسي.

إذا كان بيكاسو قد رسم لوحة جميلة بوباشا فإن رفيقة درب حياة جون بول سارتر الكاتبة الجريئة سيمون دو بوفوار قد خلدت المناضلة جميلة بوباشا بكتاب مشترك مع المحامية والكاتبة جيزيل حليمي بعنوان “جميلة بوباشا” يدين الاستعمار ويذكر العالم بكوارث التعذيب وممارسات التعسف والقمع ضد حرية الشعوب وبه إدانة لثقافة الاستعمار ودعوة لحرية الشعوب والأفراد.

وإذا كان سارتر وبيكاسو الرسام المناضل والكاتبة سيمون دي بوفوار والمحامية جزيل حليمي قد استطاعوا أن يصنعوا الرأي العام العالمي ضد نسيان مناضلة قد تموت في زنزانة أو معلقة في حبل مشنقة، فمن يا ترى ينقذها اليوم، ونحن نحيي الذكرى الخمسين للاستقلال، من مقصلة النسيان، هذه المرة نسيان الأهل والرفاق وأبناء الوطن؟ ذلك ما يحزنني كثيرا كثيرا.

في غمرة الاحتفالات بخمسينية الاستقلال لا أدري لماذا أجدني وبكل صدق أفكر في جون بول سارتر بشكل خاص وأتساءل ألا يستحق هذا الفيلسوف الكبير التفاتة منا نحن أبناء الاستقلال وذلك بتنظيم ملتقى علمي عالمي تحتضنه إحدى جامعاتنا من خلال قسم من أقسام الفلسفة التي تتواجد في كثير من جامعات البلد، وأتساءل بصدق أيضا وبحسرة ألا يستحق أن يطلق اسم هذا الفيلسوف صديق الجزائر على واحدة من جامعاتنا أو مؤسساتنا الثقافية اعترافا لما قدمه من صنيع عمل في صالح الثورة الجزائرية وضد فرنسا الاستعمارية.

يظل الفيلسوف سارتر وجماعة قائمة 121 جزءا من ذاكرة الثورة وجزءا من ثقافة المقاومة التي شكلها أحرار العالم من المثقفين والكتاب ضد التعذيب والاستغلال والاستعمار الهمجي في الجزائر، وإذا كان هذا النضال قد خاضته هذه الأنتليجانسيا في منتصف الخمسينات إلا أنني أرى أن الأفكار التي جاءوا بها لا تزال صالحا الاستعمال في هذا الزمن المحاصر بالقمع ومصادرة الحريات الفردية والجماعية في كثير من البلدان المستقلة والتي كانت مستعمرات سابقة.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
16
  • محمد

    شكرا الأديب أمين الزاوي و الله و هذا شهر الصيام و القيام أنني أتعلم من مقالاتك الكثير بعيدا عن ما يكتبه السياسيون، منك أيها الدكتور نتعلم الثقافة و الاختلاف و من خلال مقالاتك نطل على العالم
    جازاك الله خيرا يأ دكتور الزاوي على ما تمتبه
    العبد الفقير محمد

  • محمد

    هذا الي كان ناقص يا سي الزاوي..جامعة جون بول سارتر...و الله بدون تعليق و لا حول و لا قوة الا بالله.

  • ahmedabdelbaki

    وماذا عن نور الدين الأتاسي أليس صديقا للجزائر ...ألا يستحق الشعب السوري تنويها بوقوفه إلى جنب الجزائر ...ألا يستحق المثقفون العرب وقفة عرفان أم فقط تبحثون عن أسماء بعينها ...

  • djema

    لسيت المشكلة في اننا لا نعرف او ننسى من وقف مع الجزائر ابان الثورة ، فاذا نسشينا هؤلاء فان التاريخ لا ينسانهم ، وربما ياتي جيل يمجدهم مستقبلا .
    لكن العبرة من بيساكو وسارتر ، هذا الاخير الوفي لمذهبه الوجودي ، قد وقف مع الجزائر لا لاننا جزائريين بل لان قضيتنا تتفق مع افكاره ومذهبه ، فكما وقف معنا وقف حتى مع اسرائيل ولاا اشك انك تجهل هذا الامر .
    لكن العبرة هل بيئتنا سمحت بان يكون لنا مفكر بمثل وزن سارتر وهل لنا جنرال يحترم راي ذلك المفكر ان فكر بما يخالف منطق الجنرال ، هذه الاشكالية .

  • دياب

    يا السى امين واش اداك للغرب دور شويا نحو الشرق وتدكر الافغانى جمال الدين وجنبلاط البنانى والشيخ الحلبى الدى يقال عن اصله جزائرى تحدث عن محمد الخامس والملك السنوسى وجمال عبد الناصو والا هادوا ما عمرولكش عينيك يالزاوى

  • احمد

    لا باس بان نذكر فضل اصحاب الفضل لكن لماذا تنسى الجزائر حكومه و شعبا افضال كثير من العرب عليهم في حين تتذكر افضال الغربيين و تعيد التذكير بهم كلما نسيناهم .. هل نسينا وقفه مصر ؟ هل نسينا وقفه العراق الذي هو في اقصى الشرق ؟ تونس القريبه منا هل نسينا وقفتها .. ؟ كل ذلك ينسى اليوم و نتذكر سارتر الصهيوني و بيكاسو الاحمق .. لا غرابه هي ازمه قيم

  • مزوار أحمد ياسين

    في الواقع،مقصلة النسيان لم تقتل الصديق،بل قتلت قبله القريبـ و الغريب أن القاتل هو نحن بالتاكيد ....... يا لسخرية القدر.

  • rezzzag

    كلام في الصميم استاذ .
    هؤلاء مثقفين واقصد جلهم لم يتنكروا لقيمهم ومبادئهم الانسانية واستحقوا تكريمنا قبل غيرنا، لكن سارتر تنكر لذلك وكان ايضا من مساندي الصهيونية ولم يعتبر اسرائيل دولة محتلة، بل كان من الداعين لانشاء وطن قومي لليهود.

  • جرير

    أنت تحنّ وتشتاق لفولتير و سارتر و هوغو و تريد تسمية الجامعات بهذه الأسماء اذهب إلى فرنسا فإنّ لك فيها ما سألت أم أنّك سئمت من الأسماء العربية كعبد القادر و العربي و مصطفى!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!

  • Amine HKouider

    شكراً لك يا دكتور على هذا المقال الهادف. دائماً تفاجئنا بقلمك السيّال.
    للجزائر أصدقاء و بخاصة أولائك العَرَابوفيل (المحبّين للعرب) من أوروبا و كندا و الأمريكتيْن. فبول سارتر كان أحد المثقفين الذين أيّدوا إستقلال الجزائر و دعوا إلى تحرر ها من الإستعمار الفرنسي. وكان قوله دائماً السلام هو الحرية. فمثله مثل فرانتز فانون الذي لعب دوراً بارزاً و انضم كطبيب إلى جبهة التحرير الوطني. شكراً يا دكتور!! فقد ذكًرنتا بالماضي المجيد.

  • جزائري

    السلام عليكم و رحمة الله، أما بعد:
    جزاك الله عنا كل خير أستاذنا الفاضل، و الله مقال في القمة؛ تعلمنا منه الكثير. أما فيما يخص تسمية أحد معاهد الفلسفة باسم هذا الفيلسوف العظيم فيبقى من المستحيلات في بلد أصبح فيه الجهل و الرداءة سيدا الموقف. لقد ضاعت الجامعة الجزائرية و ضاعت المدرسة الجزائرية و ضاعت معها الأجيال و و الله سندفع الثمن غاليا في المستقبل إن لم نكن قد بدأنا حقا دفعه ... لم أعد أستسيغ العيش هنا من شدة الجهل الذي أجد نفسي محاطا به رغم أنه لا ينقصني شيء من الأمور المادية.

  • محمد

    لا تنس أن الفيلسوف جان بول سارتر تنكر لمبادئه وأصبح من أكبر أصدقاء اسرائيل ومن مؤيدي الكيان الصهيوني ضد الشعب الفلسطيني

  • عمر الفرزدق

    تحيه طيبه الاخ امين وبعد ان الجزائر لم تدرج المثقف ضمن النخبه التي تقود البلاد منذ الاستقلال لذلك بقي دوره هامشي لا اثر له ..فكيف يتسنى لمخططي احتفالية 50 ان يتفكروا اصدقاء الجزائر الذين هم من طينة المثقفين امثال سارتر مع العلم انهم يفتقدون لابسط مادة المثقف...طلب مستحيل...

  • ابنة شهيد

    كنت اتمنى ان تذكر من هؤلاء الاصدقاء اصدقاء عرب ومسلمين كان لهم فضل كبير فى مؤازرةالثورة الجزائرية ومساندة الثوار سواءبجهودهم المادية او بكتاباتهم وحتى بفنهم الراقى ..لكن يبدو انك فى اى مناسبة لاتشيد الا باصدقاء لك هم من بنى العم سام ...ولا ادرى ما هو السبب الى يجعلك تعزف عن الافتخار باهلك ومن هم من بلدة جلدتك

  • تيارتي

    قال السي مخلوف البومباردي " عجباتك التصويرة علقها في دارك"
    علاش مانسموش جامعاتنا على الشهداء راني ما قلتش الصحابة باش مايجوش خاوة فرنسا يقولو رجعيين وتحدث فتنة جامعة العقيد سي الحواس طارق بن زياد فاطمة نسومر " جامعة الحاج لخضر" هذي عقلية مفكرينا
    جامعة ضربة وحدة يا سي امين كملت اسماء شهداءنا ام الاقصائيون مازالو ما داوش لاتريت

  • البشير بوكثير

    لأنّك تحنّ دوما للغة فولتير وروّادها ، وتمجّد الأجنبي بوبريطة على االمثقّف الجزائري ولو كان داير في بلاد الإفرنج بعلمه صيتا وعيطة.