أقذر مهنة في التاريخ
يُحكى في كتاب الاستبصار الذي يروي تاريخ الناصرية أن أميرة ساحرة الجمال كانت تسكن مدينة بجاية منذ قرون، وكان والدها ملكا يخاف على ابنته أكثر من خوفه على سلطانه، وبعد أن تعدّد الخُطاب من أمراء وملوك الدنيا طلبا للقرب من ابنته التي تدعى “بلارة”، بنى لها قصرا محصّنا وقررت هي أن تعيش عفيفة بعيدة عن أطماع ملوك الدنيا فماتت دون أن يمسسها إنس ولا جان في البلدة التي صارت تُدعى الآن “القصّر” في منطقة بجاية..
-
الرواية قد تكون أسطورة من نسج الخيال، ولكن كتاب الاستبصار فيه الكثير من التأكيدات على أن بجاية التي قيل فيها “دع العراق وبغداد وشامهما فالناصرية ما إن مثلها بلد” كانت دائما عاصمة للعفة في بلد العفة الذي مكثت فيه فرنسا قرنا وثلث قرن أغلقت فيه مدارس العلم في وجه شعبه، ومساجد الدين في وجه شعبه، ولكنها ما استطاعت أن تفتح أبواب أخلاقه لرياح المجون، فخرجت فرنسا وظلّت الملاءة السوداء حزنا على يوم دخولها إلى ما بعد الاستقلال تحجب وجوه القسنطينيات في المدينة التي وُلد فيها أجداد كارولين موناكو، والحائك الأبيض المبتهج بمغادرة الفرنسيين يحجب مفاتن العاصميات، والجلابة الوهرانية تقهر صالونات الموضة التي أسسها إيف سان لورون المولود في مدينة وهران.. ويروي التاريخ الحديث أن فرنسا عندما احتفلت بمئوية احتلالها للجزائر عام 1930 حاولت أن تقدم لضيوفها الذين حضروا إلى الجزائر العاصمة من بقاع العالم استعراضا تغريبيا تنتصر به على الجزائريين عبارة عن نساء جزائريات بلباس وطباع فرنسية ولكنهن صدمن الضيوف، وخرجن بحجابهن الجزائري الخالص.. ويروى أيضا أن فرنسا عندما قررت أن تبني لجنودها مع بداية القرن الماضي المواخير على أرض الجزائر ظلت تعتمد على مومسات فرنسيات خالصات إلى أن طردها رجال الجزائر والجميلات. فما لذي تغير الآن؟.. وما الذي جعل سكان الناصرية بعد أن احترقت قلوبهم غيظا يثورون ويحرقون ملاهي نافست في عددها مساجد ومعاهد هاته المدينة الحضارية التي دخلها الشيخ عبدالحميد بن باديس فقال لأهلها .. “جئتكم مُعلّما فخرجت متعلما”.
-
قد يكون لثورة الفضائيات والأنترنت ووسائل الاتصال الاجتماعي المتقدمة دور في جرّ بعض الجزائريات إلى الخطيئة، وقد يكون للفقر وللجرأة في ارتكاب الممنوع دور في البحث عن الربح السريع والوفير ولو بممارسة العهر وتجارة الرق الأبيض، ولكن أن تتخاذل الأسرة والمسجد والمدرسة والدولة في منع انتشار أقدم مهنة وأقذرها بدلا من أن تحوّل من خيراتنا السطحية والباطنية المعجونة بتاريخ الأميرة بلارة وسحر غابات بجاية وغيرها من المدن إلى مهن رجالية ونسائية راقية وشريفة تمنحنا الحرية من استعمار استيراد كل شيء بما في ذلك الانحلال الذي جعل من أخبار الدعارة وتجارة الرق عندنا أشبه بأخبار حوادث المرور.
-
حرق الملاهي والمواخير والحانات وسجن المومسات وبارونات الرذيلة هو ردّ فعل قد تكون مضاره أكبر من منافعه، فالرسول صلى الله عليه وسلم لم يحطم صنما واحدا على مدار ثلاثة وعشرين عاما من حمله للرسالة، ولكنه حطم الأصنام في قلوب من حمل إليهم الرسالة لأجل ذلك تبدو التربية هي الوقاية من مثل هذه الأوبئة التي ستغادر بجاية حتما هذا الربيع لتستقر في مدينة أخرى هذا الصيف، وقد تستقر في الشارع وفي الأسواق وفي الجامعة.. بل إنها قد طالت فعلا هاته الأماكن.
-
منذ ثمانين سنة، قال الشيخ عبدالحميد بن باديس.. نريد امرأة تلد لنا رجالا يطيرون لا أن تطير هي بنفسها.. وبعد قول الشيخ تدبير وتفكير.