أقـول قـولي هـذا …
أبداً، لسنا ضـد تجديد طـُرق الوصول إلى البقرة الحلوب وتنظيمِها بعد أن تهرأتِ الطرق القديمة وتشققتْ وتصدعتْ وأصبحتْ تسبب متاعبَ “محلية ودولية” لمنْ لنْ يبلغوا الفطام حتى لو الـتهـموا البقرة بلحمها وشحمها ولبنـها .. كما أننا جميعاً مع تحديثِ قانون الصفقات العمومية بما يضفي شكلاً جديداً من الشفافية في تقاسم الثروة بالطرق الشرعية التي يـوصي بها وليُّ نعمتـنا: صندوق النقد الدولي..
- ثـم إنـنا أيـضاً ــ وهو الأهـم ــ نشُـد على يد الحكومة ونقف معها في نفس الموقع الذي تنطلق منه في حملتها ضـد استغلال ضرع البقرة دون إطعامها، وركزّوا لي هنا على إطعام البقرة لا على ضرعها!
- لكن “عدم انتباه” الحكومة أو “تغاضيها” عن أحد الأسباب الرئيسية للفساد في البلاد يجعلنا نـنبه إلى أن مُـنطـلق حملتِها المحمودة شعبياً ورسمياً ينبغي أن لا يقتصر على تصريح المسؤولين بممتلكاتهم، بل يجب قبل ذلك أن يبدأ باختيار أحد هذين المنهجين:
- * إما الوقـوف في وجـه أيـسـر طـرُق التـحايـل للوصول إلى البقـرة: طـريـق”القرابة بالمعروف”.
- * أو تقنين هذا المبـدأ بحيث لا يتعـارض مع مساعي الحكومة في مكافحة الفسـاد.
- ومع أنني ـ بطبيعتي البشرية الضعيفة ـ لستُ ضـد مبدأ “الأقربون أولى بالمعروف” كمبدأ، لكن النسبة العالية المرتفعة من الوظائف والمناصب والكراسي الدوارة والمقاعد الوثيرة التي يتقاسمها في بلادنا “الأقربون بالمعـروفِ” دون سواهـُم ــ والتي تؤدي حتماً إلى التحايل على أية حملة لمكافحة الفساد وتقويض أي جهد يُبذل في هذا المجال ــ تقودُ إلى الـنبش في الـمقصـود من القرابةِ في هذا المبدأ المتداول، والذي يعتقده الناس من باب الخطأ الشائع قرآنا كريماً، وركزوا لي هنا على الوظائف والمناصب لا على الخطأ الشائع!
- التفاسيرُ التي اطلعتُ عليها، بعد نبْـشٍ طويل، تخلـُصُ إلى ربط القرابةِ والمعروفِ بـأحـدِ أمرين: إما في حالة ما إذا حضر أحدكم الموت ــ لا قدر الله ــ وأراد أن يوصي، فـلـْيـوص للوالدين والأقربين، بنـص كـلام المولى عز وجـل:
- “… كـُتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيراً، الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف حقا على المتقين”، وهو كلام واضح لايحتاج إلى توضيح يثبت أحقية الأقربين بالوصيـة، أو في حالة النهي عن المنكر في مثل قوله تعالى: “وأنـذرْ عشيرتك الأقربين”، وهو قولٌ مفسرٌ لايحتاج إلى تفسير، بحيث يؤكد أولوية الأقربين بالنصيحة.
- وأصْـدُقــُكم القول إنني لم أجـدْ في كل التفاسيـر التي اطلعتُ عليها ما يشيرُ إلى أولـوية “الأقربين” بمعروفِ منح صفقة، أو تثبيتٍ في منصبٍ، أو تعيينٍٍ في وظيفةٍ، وركزوا لي هنا على التعيين والتثبيت معاً !
- والواقـعُ أن لسانَ الشعب الجزائري في الشارع ــ بضم شين الشعب ـ يقولُ جهاراً نهاراً ودون خوفٍ من أحـد: إن “الأقربينَ بالمعروف” استولوا على كل شيء في البلاد، فهم بالنسبةِ لجاليتنا في “الخارج” ممثلينَ في شخص فلان وفلان وفلان وفلان … واعذروني فالقائمة طويلة، والمساحة ضيقة، وأنا أكره التشخيص ولا أحبه، خـصـوصاً لدى الـحـديث عن فـلان وفلان، وكـل هؤلاء
- “الفـُلانات” رغم أوزانهم الثقيلة وأحجامهم الضخمة، لا يمثلونَ في حقيقة الأمـر سـوى قطرةٍ واحدةٍ في بحـر واسع عُـبابٍ تتلاطمُ أمواجه بصخور البحـر المتوسط في مـنطقةٍ ما مـن مناطق وطـننا الحبيب، وركزوا لي هنا على المنطقة لا على صخور البحر المتوسط!
- أما “الأقربون بالمعروف” فـي “الداخل” فـَهُـمْ ــ حسب كلام الشعب، بضم الشين وتشديدها طبعاً ــ يمثلون أكثر من فلان من بين أكثر من علاَّن، كما يُشكلون عائلاتٍ وأسـَراً بحالها أصبحت تتوارثُ الوظائفَ في مختلف المؤسساتِ العمومية أبا عن جـد، وولداً عن أب، وهلم شـراً وجهوية مـَقيتة!
- ويضيفُ لسان الشعـب الذي لا يعرف التحفظ: إن سياسة التوازن الجهوي التي انتهجتـْها البلاد منذ عهد عـادٍ وثمود انتهتْ صلاحيتـُها وانتهى العملُ بها بنهاية “قـرن 14″، بل ويذهبُ أبعـدَ من هذا عندما يتساءلُ عن سـر تزايد وفود حجيج اليهود إلى تـلمسانَ بالذات، وتصاعـد محاولاتهم لاسترداد ما يسمونه
- “مقدساتهم”، رغم أن صـلتـَهم بها في الجزائر لا تتعدى “زردة الهيلولة”، وبالتالي فإن صلتـَهم بتلمسان لا تختلف تاريخياً عن صلتِهم بالقدس في فلسطين، وركزوا لي هنا على تلمسان لا على القدس!
- صحيحٌ أن مبادئ الديمقراطية في أصلها الإغريقي الذي درسناه نظرياً، وفي فرعها الفرنسي الذي نسعى إلى تطبيقِه، تتنافى مع أي توجـهٍ إثنـي أو عرقـي أو جهـوي، لكن الأصح أيضا كان قد سبَـقـَـنا إليه المرحوم العقيد عمر أوعمران أثناء الثورة عندما سُئل عن نوع الدولةِ التي سـتقوم في الـجزائر بعـد الاسـتقـلال فـأجاب: “انـديرو دولة ما تشبه اليهود ما تشبه النصارى”، وبالتالي فليس من الغريبِ ــ وقد تحققتْ نبوءة أوعمران ــ أن لا تشبهَ ديمقراطيتـُنا ديمقراطية َاليونان التي درسناها، ولا ديمقراطية الفرنسيين التي يُلحونَ عليها دوماً في تطبيقِها ونحن نتلكأ، كما أنه ليسَ من المستبعد ــ حسب كلام الشعب، مع ضم الشين وتشديدها دائماً ــ أن يكونَ “الشونتور” فرحات مهني قد استوحى أفكاره الجهويـة الهدامـة من هذا الباب الذي انفتح منذ “كذا سـنة” على مصراعـيه، وركزوا لي هنا على “كـذا سـنة” لا عـلى “الشونتور”!
- فإن اختارت الحكومة أن تقـف مع الخيار الأول: خيار الوقوف في وجه مبدأ
- “القرابة بالمعروف” كطريق للفساد فـسأضعُ نقطة على السطر حالاً وأذهب إلى فاصل قصير مدته أسبوع ثم نلتقي …
- وإن اختارتْ أن تقف مع الخيار الثاني: خيار تقـنين هذا المبدأ، فإن المقال متواصل، و”الليل طويلٌ وأنت مُقمر…” وعليه، فإن دورة َالبرلمان ِالربيعية بغرفتيه انتهت، ومن المؤكد أن نوام الشعب الأفاضل لا تأخذهم سِنة الربيع ولا نومُ الشتاء، ولا تستهويهمْ سواحل الريفيرا اللازوردية ولا شواطئ أنطاليا التركوازية، ولذلك فهم لن يأخذوا عطلة الصيف خدمة ً للشعب الذي انتخبهم، وسيقضون عطلتهم الصيفية في الاعتكاف على التحضير للدورة الخريفية المقبلة حتى لا يحرموا ما أحل الله لهم من رواتب وعلاوات، وبالتالي فنحن نستأذن الحكومة أن ندعوهم من الآن ــ وأغلبهم من قـراء يوم الجمعة ــ إلى التفكير في إدراج مشروع قانون للدورة المقبلة يُضفي الشرعية بشكل نهائي على تقلد الوظائف في الجزائر والحصول على الصفقاتِ وفـق مبدأ “القرابة بالمعروف” الذي صار حديثَ الشعب الذي انتخبـََهمْ، وبذلك يتهنى الفرطاسْ من حكان الراسْ، وركزوا لي هنا على مشروع القانون المقترح لا على الفرطاس طبعاً!
- ***
- اليومَ يومُ جمعة، وينبغي أن نعودَ إلى ما تعارفـْـنا عليه في الجزائر قـبلَ أن نتخلى عنه منذ سنوات قليلة، فنـُنـْهيَ الخـُطبة َبما جرى به العـُرف من أيام الخليفة “العادل” عمر بن عبد العزيز: (عبادَ الله، إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى)، ولِكيْ يأخذ َاقتراحي شكلـَه الشرعــي أرجـوكم أن تركزوا لي على إيـتاء ذي الـقـربى ولا داعيَ أن تـُكمِلوا بقية الآية … وقوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله!
- * فاصل قصير:
- حتى لا نُغـضِـبَ أصدقاءنا المقيمين هناك في غرفتي البرلمان أعلاها وأسفلها، فإن وقوعَ حرف الميم على لوحةِ المفاتيح في نفس الصف يمينَ حرف الباء، هو الذي أدى ــ دون قصدٍ ــ إلى وقوع خطإ مطبعي في كلمة “النوام” المذكورة أعلاه، والصحيح: النواب، ولذا لزم التنويـه، مع الاحتفاظ بالألقابِ والمقاماتِ مَصونة ًمحترمة، وركزوا لي هنا على الألقاب والمقامات لا على “النوام”… وأقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم!
- souleymen@maktoob.com