-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
بعد موت الكثير من شهود المرحلة الاستعمارية.. مختصّون يدعون:

ألقوا بـ “ثورة نوفمبر” في قلوب الشباب بعيدا عن الصراعات!

وهيبة سليماني
  • 1323
  • 0
ألقوا بـ “ثورة نوفمبر” في قلوب الشباب بعيدا عن الصراعات!

فقدت الثورة التحريرية، في السنوات الأخيرة، الكثير من الجزائريين الذين كانوا شهودا على أحداث مهمة يمكن أن تثري تاريخ الذاكرة الوطنية، وتوثّق حقائق حول جرائم الاستعمار الفرنسي، فمرحلة جائحة كورونا لوحدها قتلت شخصيات ورموزا ثورية، وعددا كبيرا من المسنين الذين عايشوا الثورة، وهذا ما جعل الكثير من المهتمين بالذاكرة الوطنية، يتخوّفون من التشويش والخلط بين الجانب العاطفي والمنهجية الأكاديمية في الحديث عن المرحلة الاستعمارية.
وإذا كان المولود في سنة 1954، يبلغ سنه، حاليا، 68 سنة، فإن من عايشوها وهم أطفالا وشبابا، لا يقل سنهم الآن وهم على قيد الحياة، عن 80 سنة!
وحسب معطيات الديوان الوطني للإحصاء فقد قدّر متوسط عمر الجزائريين بـنحو 77 عاما خلال 2022، وكان ذات الديوان قد أكّد أنّ عدد الجزائريين من فئة 60 سنة فما فوق، قد قاربوا الـ11 مليونا سنة 2019، وبما أن جائحة كورونا قتلت 6881 جزائري، وكان اغلبهم من كبار السن، فإن من عايشوا ثورة نوفمبر يتناقص عددهم عاما بعد عام.
وكما شهدت فترة الأزمة الصحية الممتدة من 2020 إلى بداية 2022، وفاة الكثير من المجاهدين ورموز الثورة، بينهم لخضر بورقعة، ياسف سعدي، حسن لزرق أحد أعمدة الطب في الجزائر، وفاة آخر المخططين للثورة ضد الاستعمار، وآخر أعضاء ما يعرف بـ”مجموعة” 22، المجاهد عثمان بلوزداد، كما توفي المجاهد والمؤرخ جمال قنان، والقائمة طويلة.

توثيق شهادات المسنّين يثري أرشيف الذاكرة
وقال في هذا السّياق، رئيس جمعية مساعدة الأشخاص المسنين، سعيد هواري في تصريح لـ”الشروق”، إن فئة كبار السن الذين يتجاوزون الثمانين سنة، قليلة جدا، ورحيل الجيل المولود قبل عام 1954، قد يحمل معه الكثير من الأحداث التي لم تسجّل ولم تقيّد في أرشيف الذاكرة الوطنية.
وأكّد سعيد هواري، أن جمعيته، تقوم بعدة نشاطات حتى يتاح لكبار السن، بينهم الذين عايشوا الثورة، فرصة المشاركة في تسجيل شهادات حية، وتجارب اكتسبوها في مرحلة تاريخية هامة، تتعلق بالثورة التحريرية، من خلال كتابة شهاداتهم، والمشاركة في ندوات ولقاءات دولية، واستقطاب أشخاص مسنين لم يدلوا لحد الآن بشهاداتهم حول جوانب مهمة من تاريخ الجزائر.

علم الاجتماع: أبعدوا الحدث الوجداني للثورة عن الصراعات
وفي السياق، قال الدكتور يوسف حنطابلي، المختص في علم الاجتماع، إنّ تاريخ الأمة يتم الاحتفاظ به من خلال مستويين، الأول عاطفي والثاني عقلاني، ويتعلق العقلاني، حسبه، بنخبة معينة تحاول أن توثق الأحداث من خلال عمل أكاديمي ممنهج، وتحافظ على شهادات الذين عايشوا أحداث الثورة، وبالمقارنة المنهجية والمعرفة العلمية، بعيدا عن العاطفة، وباستبعاد الصراعات والمصالح الشخصية التي قد تتدخل، حيث يجب الترفع عن الجانب الفردي والاكتفاء بنقلها من خلال الأحداث الواقعية.
وأكّد حنطابلي، أنّ الجانب الوجداني، العاطفي، ويتمثل في الضمير الجمعي والوطني، وهو الذي يستطيع وضع صورة الثورة في حدود الجماعة والوعي الجمعي، لكن الإشكال المطروح، حسبه، يكمن في أنّنا لم نستطع تداول الجانب الوجداني في حدوده، فعندما نتكلم عن الثورة التحريرية، لا نفرّق بين الثورة المرتبطة بالوجدان، وتلك المؤرخ لها أكاديميا، حيث يتم خلط ذلك بالصراعات والقضايا الشخصية.
وقال المختص في علم الاجتماع، حنطابلي، إن الكثير من الجزائريين، لا يفرقون بين الثورة المرتبطة بالوجدان والضمير، وبين تلك الصراعات والقضايا الشخصية والخلافات فيصبح الشخص العادي يتداول ويتحدث عن التاريخ والثورة كأنه مؤرخ، يعطي تفسيرا للحدث ولا يمنحه المعنى الحقيقي، وبوجود هذا الفرد تكثر السطحية في الأحداث.
وقال إنّ الصّراعات في الكتابة الأكاديمية، أهملت بعض الأمور المسكوت عنها، والتي لا نفكر فيها ولا ننتبه إليها، فلا يمكن عقلنة الثورة ونقل الوقائع بحيادية، مضيفا “الصورة المنقولة من طرف الذين يقتصرون على تصورهم الخاص ورؤيتهم الخاصة، مشوشة.. بعض الشباب الذين لديهم آباء عايشوا الثورة، يدعي كل واحد منهم أن الحقيقة عند الوالد”.
ويعتبر حنطابلي، أن ذلك تشويشا على المجال الواعي، فهم يثبتون علاقاتهم بكل شيء فيسيئوا للكتابة العاطفية والأكاديمية معا، وقال إن ذهاب جيل الثورة وما يليه من مرحلة انتقالية، يستدعي بعد 100 سنة تداول الحدث واللحظة وليس اختلافات الكتابة التي تتخللها بعض الصراعات.
وقال “هناك فرق بين التوثيق والتعبير الوجداني، العقلانية لم تصل للمستوى حتى المؤرخ لم يستطع توثيق الكتابة العقلانية.. إبقاء المستوى العقلاني والوجداني لخدمة الثورة، لا بد أن يكون من دون تشويش مستوى على الآخر”.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!