أما آن لقلوبنا أن تخشع؟
يروي أحد الأطبّاء الدّعاة في مدينة النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم، قصّةَ وفاة شابّ في الـ17 من عمره، فيقول: جيء به إلى المستشفى العسكريّ بالمدينة وقد أصيب بطلقة نارية عن طريق الخطإ. وقبل دخوله قاعة العمليات نظر إلى أمه وهي حزينة تبكي فقال: أمّاه لا تحزني فإنّي بإذن الله متوفى، وإنّي بإذن الله على خير. يقول الطبيب: في غرفة العمليات، باشره أحد الزملاء، وعندما اقترب منه قال له: يا دكتور إني متوفى وإني بإذن الله على خير. أريد أمي وأبي لأودعهما. استُدعي والداه إلى غرفة العمليات. قبّل أمّه وأباه ثم رفع أصبعه وقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا رسول الله. وما هي إلا لحظات حتى فاضت روحه إلى بارئها. يقول أحد الذين حضروا غسْله وتكفينه: أنا والله من فكّ أصابع يده بعد الشهادتين، وأنا من مسح العرق من جبينه، وإنّ فيه لطراوة لم أعهدها في المتوفّين، وإنّ فيه لحرارة يظنّ من لمسه أنّه لا يزال على قيد الحياة، وإنّ على وجهه لسماحة ونورا لم أعهده في أحد. سئل أبوه على أي حال كان ولدك هذا؟ فقال: ابني هذا منذ البلوغ وهو الذي يتعاهدنا ويوقظنا لصلاة الفجر، كان يقوم الليل، ولا تكاد تفوته الصّلاة في الروضة في مسجد النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، ومنذ البلوغ وهو محافظ على حفظ القرآن. وفوق هذا وذاك كان من الأوائل في الدراسة في الصف الثاني الثانوي تخصّص علمي. فعليه رحمة الواحد الأحد.
تأمّل أخي المؤمن، ما أروع أن يستقيم العبد على دين الله، ويجد السّعادة الحقيقية في هذه الحياة الدّنيا؛ الحياة الدّنيا التي ملأت قلوب كثير منّا وجعلتنا نغفل عن الصّلوات ونستثقل الطّاعات؛ فيا ترى على أيّ حال سيأتينا الموت وماذا عسانا نرى في ساعة الاحتضار؟ هذا الشابّ لم يعش إلا 3 سنوات بعد البلوغ، لكنّه عاشها على ما يُرضي الله، نحسبه كذلك. لم يكن ككثير من شبابنا الذين ظنّوا الشّباب لهوا ولعبا وغفلة وعبثا؛ شابّ لم تمرّ على بلوغه إلا 3 سنوات، يقوم الليل ويحفظ القرآن ولا تفوته الصّلاة في المسجد.
فهل آن لك أن تتوب أخي الشاب؟ كم سنة أمهلك الله بعد البلوغ؟ يا ترى هل ستكون هذه السّنوات في ميزان حسناتك أم في ميزان سيئاتك؟ كم رحل من أصدقائك الشّباب عن هذه الحياة وهم مقيمون على الغفلة وإضاعة الصّلاة؟ فهلاّ اتّعظت برحيلهم قبل أن تكون عِظة لغيرك؟ كم دفنت من أصدقائك وحثوت عليهم التراب وما اتّعظت؟ ألا تتمنّى أن ترحل عن هذه الدّنيا وتبشّرَ بالجنّة في آخر لحظاتك من هذه الدّنيا؟
وأنت أيها الأب الكريم.. يا من مرّت عليك 40 أو 50 أو 60 سنة بعد البلوغ؛ كم يوما أمهلك الله في هذه الحياة؟ وكم يوما منها يا ترى كان في ميزان حسناتك؟ إنّه لا أحلى ولا أمتع من العيش في كنف طاعة الله. ولا أروع من العبودية لله والاستقامة على دينه جلّ في علاه. هذه هي الحياة الحقيقية أخي المؤمن، لا حياة الغفلة واللّهو واللّعب. ((مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ)). ((وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيراً * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى)).
اختر طريقك واتّخذ قرارك، فرمضان على الأبواب، لعلّك تجد فيه وبَعده طعم السّعادة الحقيقيّة في كنف طاعة الله.