-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

أما كان لفلسطين في الأوكران عبرة؟

أما كان لفلسطين في الأوكران عبرة؟

قد لا يخطر ببال أكثر الناس دهاءً في العالم، لو أراد ان يخطط لحرب مجنونة كالتي تدور رحاها الآن بين روسيا وأوكرانيا، أن يحبكها ويبرع في تأزيمها كما تجري بها الأقدار في الواقع منذ أشهر عدة. الحرب الضروس إن اشتعلت نارُها، فلن يستطيع أحدٌ من الناس أن يتكهن بآثارها، القوي والضعيف فيها على حد سواء.

أي رأي هذا الذي ركن إليه الفلسطينيون فرضوا للمقدسيات أن يدفعن بأجسادهن الطاهرة رجس الصهاينة عن أرض الإسراء والمعراج؟ فلئنْ بعُدت بالمسلمين الشقة وحالت دونهم ودون الأرض المقدسة جيوشٌ خانعة، فها أنتم أولاء، أيها الفلسطينيون، وأبواب الجنة تناديكم فلبُّوا النداء لتظفروا بالمكرمة!

لقد أعدَّ الأوكران العدة لهذه الكريهة منذ أن انتزع الروس منهم القرم عنوة قبل أعوام، فهبَّ رجالهم عن بكرة أبيهم إلى المعركة يبلون في الذود عن بلادهم بلاء حسنا، ولم نسمعهم يجأرون بالشكوى من أوارها إلا يسيرا، شأن العاضّ على الجرح بالملح. بل نراهم يطلبون بعزة من الغرب المدد والسلاح، غير خافين ندمهم على التفريط في الترسانة النووية لقاء وعدٍ منه بالحماية، لم يجدوا فيها سوى خذلان وخيانة.

الشعب الأوكراني مقاتلٌ بالفطرة، جعل من بلاده كلها أرض معركة، فانتشر في كل واد وسهل وجبل، وسكن المغاور والبيوت والحفر، وشتَّت جيش الغزاة فألجأه إلى أن يكرّ بعد أن فرّ. وأراد أن يطيل للحرب عمرها غير مبال بالقرابين التي يقدِّمها على مذبح الحرية والشرف. إنها أوكرانيا التي سبق صيت بناتها الشقراوات زيتها والطحين، الذي يقيم للعالم صلبه ويدفع عنه الجوع.

انظر كيف قرر الأوكرانيون حماية النساء والأطفال، ولجؤوا بهم إلى دول الجوار، ومنعوا عن الرجال مغادرة البلاد استبقاء لهم في المواجهة، التي تحتاج بطبيعتها إلى الرجال لا إلى العجّز من الشيوخ والمرضى والنساء. ولقد كانت الحروب في العهود الأولى للمسلمين تخاض في زحف مترامي الأطراف، ينتشر فيه المقاتلون مع ذويهم في جيش عرمرم يحتاج لمه إلى مسيرة يوم أو يومين؛ يفعلون ذلك اتقاء أن يميل عليهم العدو ميلة واحدة، فيصطحبون إلى المعارك نساءهم وأطفالهم ليأمنوا عليهم، ولتقوى دونهم الحمية في القتال، ويشتد في الذود عنهم الاستبسال.

قرنٌ من الزمان إلا ربعا ولا أمل في الأفق يُرجى من إخواننا الفلسطينيين لتحرير بيت المقدس وأكنافها، وهم الذين شهدت فيهم النبوة بأنهم “على الدين ظاهرين، لا يضرُّهم من خالفهم إلا ما أصابهم من لأواء حتى يأتيهم أمرُ الله وهم كذلك”. والعالم كله يحسُّ بما هم فيه من شدة وضيق، ولكن أليس بالإمكان أن يقدِّموا للقدس أكثر مما كان؟

في كل هبّة لنجدة الأقصى نرى طلائع المرابطات يرشقن الصهاينة بما توفر بأيديهن الغضّة الطرية، ولكم كانت الدماء تغلي في العروق ونحن نبصر الأيدي الآثمة تطولهن وتدفع أجسادهن الأنثوية، لا فرق في العار الذي لحقنا بين شيخة فيهن وبين شابة صبية. فدونكم أيها الرجال الفلسطينيون لا تتركوا الباغي يعيث في أعراضنا فسادا!

أي رأي هذا الذي ركن إليه الفلسطينيون فرضوا للمقدسيات أن يدفعن بأجسادهن الطاهرة رجس الصهاينة عن أرض الإسراء والمعراج؟ فلئنْ بعُدت بالمسلمين الشقة وحالت دونهم ودون الأرض المقدسة جيوشٌ خانعة، فها أنتم أولاء، أيها الفلسطينيون، وأبواب الجنة تناديكم فلبُّوا النداء لتظفروا بالمكرمة!

ربما قرأ أهلُنا المرابطون خطأ الاختلال في الموازين المادية التي لم تكن يوما إلى جانبهم، وربما استشعروا من أنفسهم ضعفا وعزلة، بينما الأوكران تدعمهم الدول الغربية الكبرى بالمدد والقوة.كلمة صحيحة في حرب يتكافأ فيه العديد والعتاد، لا في معركة يخوضها شعبٌ أعزل خذله أشقاؤه.

ليس قدَرا قاهرا هذا الاحتلال، وإلا فما الحاجة إلى أن يشرع للمظلوم دفع الصائل؟ بيد أنّ أهلنا في فلسطين، وهم ينعمون في الداخل والشتات بكثرة كاثرة، نراهم يرزحون تحت وطء قوّتين وهميتين، أولاهما تخدير مسلط هو من أثر حرب نفسية، شلت دافعيتهم للمقاومة فلا تراهم يحركون من ساكنهم إلا قليلا؛ وثانيهما ركون إلى الدعة وحب عيش من شيمته أن يعبد الأحرار، كما قال أبو العلاء المعري.

لقد اجتمعت في قولة واحدة للشيخين المرضيِّ عنهما أبي بكر الصديق وعمر الفاروق، فاتح بيت المقدس، معاني حفظها التاريخ لكلِّ من حدّثته نفسُه بالجنوح للسلم وهو مظلوم، لما قدم سفيان بن حرب عقب صلح الحديبية إلى المدينة يرجو تمديد العهد: فقال الأول: “والله لو وجدت الذر تقاتلكم لأعنتُها عليكم”، وقال الثاني: “فوالله لو لم أجد إلا الذر لجاهدتكم بها”، والذرّ صغار النمل، ضربوا به المثل لضعفه ولإظهار حرص المؤمنين الشديد على النزال. وتلكم كانت لنا جميعا وصايا خالدة، في الحروب النفسية المضادة.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!