-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

أمريكا لا تحس بآلام الآخرين

عابد شارف
  • 3042
  • 0
أمريكا لا تحس بآلام الآخرين

لما ستدخل أحداث 11 سبتمبر كتب التاريخ، ستثير جدالا حول نقاط عديدة، حيث سيقول البعض إنها كانت بداية حملة الشر الضد الخير، ومنهم من سيؤكد أن أمريكا جنت من خلالها ثمار ما زرعت من شر خلال نصف قرن، وسيقسم آخرون أنها كانت ثأر الضعيف ضد جبروت القوي.

  • لكن رغم الاختلافات، ورغم تناقض المنطلقات السياسية والإيديولوجية وحتى الدينية، يمكن أن يتفق الكل على بعض النقاط، منها أن أحداث 11 سبتمبر أدت إلى نتائج معاكسة تماما لما كانت تهدف إليه. فقد كان أسامة بن لادن وجماعته يعتبرونها بداية حرب نهائية ضد الطغيان، وكانوا يظنون أنها ستدفع أمريكا إلى مراجعة سياستها، وتنظر بطريقة جديدة للإسلام والمسلمين، وتتخلى عن إسرائيل، فكان العكس، فأطلقت أمريكا العنان للعنف واستعمال القوة، وكان الدمار الشامل.
  • وتفاقمت الأمور فاستولت على السلطة في أمريكا دوائر متطرفة لا تعرف إلا القوة والعنف، مثل نائب الرئيس ديك شيني ووزير الدفاع دونالد رامسفالد. وتعلم القادة الغربيون مثل جورج بوش وكولين باول وطوني بلار، تعلموا كيف يكذبون على الرأي العام في بلادهم وفي العالم ليصنعوا ويبرروا حروبا. ولم يتردد هؤلاء في اختراق كل الأعراف المتعلقة بحقوق الإنسان، ومارسوا التعذيب بشكل واسع، وتعاملوا مع أنظمة كانوا يحاربونها في العلن.
  • ولما قررت أمريكا أن تثأر لـ11 سبتمبر، أدى ردها إلى نتائج معاكسة لما كان ينتظر الأمريكيون. فكان الثأر الأمريكي عنيفا جدا، وأدى إلى تحطيم بلدين، وقتل ما يقارب مليون شخص أغلبيتهم في أفغانستان والعراق، وخصصت أمريكا ميزانيات عسكرية خيالية لذلك، لتصل في نهاية المطاف إلى طريق مسدود. وتجد أمريكا نفسها مضطرة للانسحاب من هذا البلد أو ذاك دون أن تضمن الاستقرار، ودون أن تضمن أنها وضعت حدا لكل تهديد يمكن أن يأتي من تلك البلدان. وعادت أمريكا لتستعد للتحاور مع الطالبان، ولا أحد يؤكد اليوم أن أمريكا في مأمن عن هجمات جديدة…
  • ورغم كل ما قامت به أمريكا وكل ما جندت من مال وسلاح، إلا أن أسامة بن لادن انتهى يوم قامت الثورات في البلدان العربية لا يوم قررت أمريكا ذلك. واكتشف العالم مع أحداث تونس ومصر والانتفاضة في ليبيا، اكتشف أن المجتمعات العربية كانت تطلب الحرية، وأنها مستعدة لمقاومة الطغيان، وأن مصيرها ليس حتما استيلاء الطالبان على السلطة. واستطاع الشارع أن يتغلب سلما على السلطة القائمة، تلك السلطة التي كان الغرب يساندها منذ عشرات السنين. واكتشفت أمريكا أنها كانت تتصرف بطريقة تصنع عداوة لامتناهية بينها وبين الشعوب المسلمة، وتزرع الحقد.
  • ولما قامت الثورات العربية، اكتشف العالم أن عملية تحرير البلدان العربية تأخرت لعشرية كاملة بسبب أحداث 11 سبتمبر. فمن جهة، كانت المجتمعات العربية تتغير بسرعة كبيرة جدا، وتدخل العالم العصري، بفضل ثورة الأنترنات والاتصال وانفجار قنوات التلفزيون، بينما كانت الأنظمة تتمسك بسلوك متحجر لا يمكن أن يماشي العصر. وباسم مبدأ مكافحة الإرهاب، كانت أمريكا تساند الأنظمة القائمة، وترفض أي تحرك نحو الحرية بحجة أنه سيؤدي إلى استيلاء الإسلاميين الراديكاليين على السلطة. ولم تتردد أمريكا عن التعاون مع معظم الأنظمة العربية في ملاحقة المعارضين وتعذيبهم كما أثبتت ذلك وثائق ويكيليكس.
  • ورغم هذه التجربة المريرة والأخطاء التي ارتكبها الغرب في الرد على أحداث 11 سبتمبر، فإن القوى الكبرى لم تغير أسلوبها في التعامل مع البلدان العربية. والحلف الأطلسي يستعمل القوة لتحطيم ليبيا اليوم مثلما استعمل القوة بالأمس لتحطيم العراق وأفغانستان، رغم أن تلك البلدان تعرف أن تدخلها لم يؤد إلى إقامة الديمقراطية، بل أدى إلى زرع عدم الاستقرار في المنطقة وانتشار الحقد والكراهية.
  • وإذا كانت أمريكا قد عانت من 11 سبتمبر، فإن الشعوب العربية والإسلامية تعاني منذ مدة طويلة من تصرف أمريكا ومن تصرف ابن لادن في  الوقت نفسه… أفغانستان تعاني منذ أربعين سنة لما دخلتها الحضارة الروسية والحضارة الأمريكية المضادة، وفلسطين تعاني منذ ستين سنة، لكن ورغم أن العالم كله تقريبا تألم مع أمريكا، فإن أمريكا لا تحس بآلام الآخرين.
أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!