-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

أمنية .. وموتة في وقت واحد

أمنية .. وموتة في وقت واحد

ما أكثر أماني الناس، وما أكثر المتمنّين، ولا يتحقق من هذه الأماني إلا ما شاء الله عز وجل. ولهذا قيل في الأمثال: “ما كل ما يتمنى المرء يدركه”، وجاء في القرآن الكريم ردا على بعض المتمنيّن قوله تعالى: “ليس بأمانيّكم، ولا أمانيّ أهل الكتاب”..

من هذه الأماني أمنية تمناها أحد علماء الجزائر المتميزين علما وعملا.. إنه الشيخ العباس ابن الحسين الذي ولد في سنة 1912 ببلدية سيدي خليفة من ولاية ميلة، وتوفاه الله الذي يتوفى الأنفس في الثالث من ماي من عام 1989.

ومن الأدلة على تميز الشيخ العباس أن الإمام الإبراهيمي اصطفاه ليكون ممثلا له بعد ما اتسعت جمعية العلماء، وكان أحد أبلغ ألسنتها حتى سمّي “خطيب جمعية العلماء”، وأن قيادة الثورة اصطفته ليكون ممثلا لها في المملكة العربية السعودية، ثم سفيرا بعيد استرجاع الاستقلال..

وقد زكاه إخوانه العلماء ليكون ثاني رئيس للمجلس الإسلامي الأعلى حتى استقال منه، ثم عين عميدا لمسجد باريس، فنفخ فيه من روحه، وقد ولد ميتا على عهد قدور بن غبريط، وظل ميتا على عهد حمزة بوبكر، ثم مات كرة أخرى بعد ما توفى الله – عز وجل- الشيخ العباس.

لقد قدّر الله – عز وجل- لي أن أعمل تحت قيادة الشيخ العباس في مسجد باريس حولين كاملين، كنت فيهما شهيدا على نشاط الشيخ، حيث جعل من مسجد باريس “خلية نحل”.. ووقف سدا منيعا أمام أطماع الطامعين الذين كان لعابهم يسيل على مسجد باريس.. فلما توفاه الله -عز وجل – عاد كما أطلق عليه في عهد ابن غبريط “كنيسة إسلامية”، لأنه لم يؤسس على تقوى من الله من أول يوم.

من عادة الشيخ العباس أنه كان يعتذر في الغالب عن عدم تلبية دعوات العشاء، وما رأيته طيلة الحولين اللذين سعدت فيهما بالعمل تحت قيادته لبى دعوة داع في ذلك الوقت.. ولكن دعوة واحدة لباها فكان فيها حتفه، ولكل أجل كتاب.

كان الشيخ العباس معجبا بجهاد الأخ ياسر عرفات، أحد مؤسسي حركة “فتح” الفلسطينية، ورئيس منظمة التحرير الفلسطينية بعد المناضل أحمد الشقيري.. وكان الشيخ يتمنى مما يتمنى أن يجمعه الله بالمناضل ياسر عرفات، فكان ذلك في يوم 3 من شهر ماي من عام 1989.

في ذلك التاريخ سمحت فرنسا للمناضل ياسر عرفات بزيارة باريس لأول مرة، لأن فرنسا – كما وصفها الإمام الإبراهيمي – هي “مستعمرة يهودية” (آثار الإمام الإبراهيمي، ج3. ص460).

أقامت “مفوضية فلسطين” في باريس حفلا كبيرا بمناسبة زيارة المناضل ياسر عرفات، وكان الشيخ العباس ممن دعوا لذلك الحفل، الذي أقيم في أحد فنادق باريس.

كسر الشيخ مألوفه من عدم تلبية الدعوات المسائية، وتوجه نحو مكان الحفل، وما أن وصل واحتضن متمناه حتى دهمته أزمة قلبية كانت القاضية.. رحم الله الشيخ العباس، وجزاه على ما قدم الجزاء الأوفى..

وثبت أرجل المرابطين في فلسطين، وربط على قلوبهم حتى تسترجع فلسطين كم استرجعت غلابا اختها الجزائر. وما ذلك بعزيز على القوي العزيز، ثم على جنوده المؤمنين، وما هو ببعيد.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!