-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

أمهاتُ الشهداء.. صانعات الصبر والثورة

بقلم: هاني العقاد
  • 525
  • 0
أمهاتُ الشهداء.. صانعات الصبر والثورة

الأم الفلسطينية عظيمة وعظمتها أنها تربي أولادها على حب الوطن والتفاني من أجل عزته وكرامته والاستشهاد من أجل حريته، تربيهم على عدم الخوف من الاحتلال وملاحقته، تحثهم على مواجهته أينما لاحت فرصه للمواجهة، يذهبون إلى السجن برأس مرفوعة إذا ما اعتُقلوا، تربيهم على الإقدام والمواجهة والموت من أجل القدس والأقصى، هي كباقي الأمهات تقلق إذا ما غاب احدهم طويلا، فالاحتلال لا يترك فلسطيني دون اعتقال أو إعدام وأحيانا كثيرة يعتقله ويطلق سراحه وبعد فترة يعدمه.

الأم الفلسطينية حملت البندقية بعد مخاضها بأيام لتحمي أولادها وتدافع عن بيتها، الأم الفلسطينية اليوم هي فدائية مقاتلة تصنع الصبر والثورة باعتبارها المداد الحقيقي لتستمر مسيرة النضال من اجل التحرر والاستقلال. صعب على الأم الفلسطينية ويكاد يكون غير مقبول إذا ما استشهد ابنها البكاء والعويل والنحيب وصعب على كل أمهات الشهداء الفلسطينيين الحداد أو أن يُظهرن أنهن منكسرات حزينات لفقدانهن أبنائهن ورحيلهم شهداء.. بيوت العزاء بيوت عرس وثورة بيوت تُبث فيها الأغاني الثورية ويحمل كل الرجال البنادق تأكيدا على البقاء على عهد الشهداء بألا يلقي أحدا البندقية لتستمر المواجهة مع هذا المحتل الغاشم.

ليست ظاهرة قد تتكرر في ميادين الكفاح ضد المحتل بأي مكان بالعالم إلا في فلسطين حيث الأم الفلسطينية أم الشهيد والأسير والجريح كثيراً من الأحيان يُهدم بيتُها ويعتقل أبناؤها وزوجها وتتحدى الاحتلال ببناء بيت جديد ولا تنكسر لتستمر صابرة صامدة في بيتها تنتظر حرية زوجها وأبنائها.

فخرهم بأبنائهم شهداء أمر حير علماء النفس والخبراء الاستراتيجيين وعلماء البحث في طبيعة الإنسان وأساليب الحروب النفسية لم يتخيلوا كيف تفقد الأم ابنها الشاب وتزفه شهيدا وتشيعه على أكتافها كالرجال، كيف تستقبله في بيتها معطرا بدم الشهادة وشرف النضال وعزة الرجال وكبرياء الفلسطيني الذي يرحل مقبلا وليس مدبراً، أمر قد يكون من الأساطير الثورية لكنه حقيقة تحدُث كل يوم في الضفة ومع ارتقاء كل شهيد، إنه حال كل أمّ شهيد في وطني يا سادة الحروب.

ليست ظاهرة قد تتكرر في ميادين الكفاح ضد المحتل بأي مكان بالعالم إلا في فلسطين حيث الأم الفلسطينية أم الشهيد والأسير والجريح كثيراً من الأحيان يُهدم بيتُها ويعتقل أبناؤها وزوجها وتتحدى الاحتلال ببناء بيت جديد ولا تنكسر لتستمر صابرة صامدة في بيتها تنتظر حرية زوجها وأبنائها.

وغالبا ما تكمل الأمهات الأدوار الوطنية ليس بالصبر وإنما بتعزيز كل مسارات وأشكال الثورة والكفاح اليومي من أجل دحر الاحتلال.. الأم الفلسطينية تزف ابنها وهي تبتسم، تعلو هاماتها كل البشر، رأسها في السماء لأن ابنها شهيد قهر المحتل، وهي بابتسامتها وكبريائها أيضا تقهر المحتل الذي يعتقد أن آم الشهيد ستنكسر لفراق ابنها وتحزن وقد تقضي نحبها حزنا عليه.

الأم الفلسطينية غالبا ما تتسلم بندقية ابنها بعد استشهاده وتسلمها لرفقاء دربه ليواصلوا مهمّتهم النضالية، وغالبا ما تطلق الرصاص عهداً عليها أمام رفقائه أن تستمر في النضال ومقارعة المحتل طالما بقي علي تراب فلسطين. أمهات الشهداء في هذه الانتفاضة الثالثة كما كل انتفاضة عنوان للصبر والثورة، حاميات للانتفاضة لتستمر وتتعاظم المواجهة مع المحتل كل يوم يحتفلن بعرس أبنائهن الشهداء واستقبلنهم وبنادقهم مزينة بدمائهم، بالزغاريد والدموع يناشدن رفاق دربه بأن يحافظوا على وصيته بالاستمرار في مقارعة المحتلّ والمستعمرين حتى يرحلوا عن أرض فلسطين.

ليست الأمهات فقط بل الأخوات والزوجات والأبناء حتى الصغار منهم، وكم من زوجة عاهدت زوجها الشهيد المضي في طريق تربية أبنائها كرجال لا يهابون الموت ولا يعرفون الخوف.. كم من زوجة رفضت مغريات حياة أخرى مع رجل أخر لتبقي على ذكرى حبيبها الأول الفدائي الشهيد والد أبنائها. كم من أخت أوصت كل النساء اللاتي حضرن لوداع الشهيد بعدم البكاء بل وداعه بالأغاني الثورية والزغاريد.

كثيرا ما كتبت الصحف وتحدثت تقارير الفضائيات الدولية والعربية عن أمهات الشهداء ونقلن مراسيم استقبالهن ووداعهن لأبنائهن الشهداء في مشاهد لا تحدث إلا في فلسطين ولا يمكن أن تحدث في مكان آخر غير فلسطين. عرف العالم أن الأم الفلسطينية تتألم وتحزن وتبكي كأم لكن حزنها وبكاءها يبقي حبيسا ولا يراه احد إلا ابتسامتها ولا يسمع أحد إلا كلمات الرضى عن ابنها الشهيد وكلماته الأخيرة في حب الوطن ووصاياه للرجال أمثاله، نعم تبكي وتتألم لكن في وحدتها صبرها آيات وعبر لكل نساء العالم، كل القادمين لتهنئتها باستشهاد ابنها يهتفون بصوت ثوري “ريت أمي بدالك يا أم الشهيد نيالك ” إنهم يصنعن الصّبر والثورة وتكبر الثورة بصبرهم، وصبرهم حافزٌ حقيقي لكل الشباب للالتحاق بصفوف المقاومين والتدرُّب على مواجهة المحتل دون خوف من الموت وإنما يتمنون الشهادة.

فخرهم بأبنائهم الشهداء وحفاظهم على عهد الثورة والمضيّ في طريق التحرُّر دفعهم لتشكيل تجمع لأمهات الشهداء، أمهات كل شهداء المواجهات والعمليات الفدائية وشهداء التصدي لقوات الاحتلال المقتحمة للمدن والقرى في صورة هي فخر لكل فلسطيني علي وجه الأرض،  يذهبن جميعا إلى بيت عرس الشهيد ويجلسن جميعا مع أم الشهيد فيكون المجلس كله من أمهات الشهداء فتتمنى من لم يستشهد ابنها أن يكون أحد أبنائها شهيداً، تجمع أمهات الشهداء الفلسطينيين في الضفة أقوى تجمُّع ثوري عرفته الثورة حتى اليوم، إنه ليس كحزب سياسي أو فصيل نسائي، لكنه إصرار على المقاومة  وإسقاط الاحتلال، كل يوم يكبر كلما تصاعدت جرائم الاحتلال والمعروف أن جرائم الاحتلال لن تتوقف إلا بضراوة المقاومة واستمرار الثورة.

هذا التجمع أربك كثيراً حسابات المحتلّ ليثبت له مرة بعد أخرى أن كل قوة جيشه وكل سلاح مؤسسته الحربية لن يكسر صمود وفخر أمهات الشهداء اللاتي يصنعن الصبر ويعززن الثورة فقط بالإيمان بأن أبناءهم ليسوا إلا من أجل حرية وكرامة وعزة هذا الوطن وإسقاط  الاحتلال وإقامة الدولة المستقلة وعاصمتها القدس.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!