الرأي

أمين الزاوي وأبو هريرة رضي الله عنه..كذب الروائي على الراوي

محمد بوالروايح
  • 6361
  • 11

ليس أمين الزاوي هو أول من طعن في سيرة أبي هريرة رضي الله عنه فقد سبقه إلى ذلك بعض الكتاب ممنلا يتسع المقام للحديث عنهم، كما سبقه إلى ذلك الفيلسوف التونسي الأنثروبولوجي “يوسف الصديق” الذي قال في أبي هريرة قولا كبيرا لو مزج بماء البحر لمزجه، ومن ذلك قوله: “..أبو هريرة هو الإنسان الذي ينطق به في العالم الإسلامي أكثر من محمد. من هو أبوهريرة؟ أبوهريرة أسطورة، لا أعرف عنه شيئا، وهو يتدخل في أمور يقول مثلا: إن محمدا كان مع عائشة في بيته من أين له هذا؟ الله سبحانه وتعالى في سورة التحريم حفظ العلاقة الحميمة بين محمد وأزواجه، لم يذكر الأزواج ولم يذكر المشكل ولكن أبا هريرة يذكر أن زينبا صنعت له شيئا وحتى إنها غارت من كذا إلى آخره، الله منع نفسه من أن يذكر التفاصيل . أعتقد أنه (أي: كتاب أبي هريرة) كتاب حضارة وليس كتاب دين، فيه عادات وتقاليد القرن الثالث الهجري”.
إن وصف يوسف الصديق لأبي هريرة بالأسطورة مستمد -من حيث المعطى العام- من نظريته الأنثروبولوجية القائمة على ضرورة تمييز القول القرآني أي تحرير النص القرآني من سلطة التقليد وسلطة الفقهاء، وهذا التمييز والتحرير للقول القرآني –حسب قوله- يقتضي بداهة رفض ما عداه من الأقوال ومنها أقوال الرواة ورفض الرواة يقتضي رفض الرواية ورفض الرواية يقتضي رفض السنة، أي الدعوة إلى “إسلام قرآني” إن صح التعبير ليس فيه شيء من كلام الرواة وكلام الفقهاء وليس فيه بالأحرى كلام آخر غير الكلام الإلهي الوارد في القرآن الكريم.
ليس أمين الزاوي إلا حلقة متأخرة في سلسلة طويلة من أدعياء التنوير الذين يدعون تحرير النص الإسلامي والعقل الإسلامي من أوشاب الخرافة، ومن الطبيعي أن يتركز اهتمامهم لتحقيق هذه الغاية على سيرة أعلام الأمة وفي مقدمتهم رواة السنة الذين نقلوا إلينا من أحاديثها وأحداثها ما شكل منظومة مرجعية انعقد حولها الإجماع، فأمين الزاوي ورشيد أيلال وآخرون كثيرون يمثلون جيلا معاصرا من الكتاب الذين يرون أن سلطة الرواة قد ولت وأنه لا سلطة في عصر “المعرفة الخلاقة” تعلو على سلطة العقل.
استمعت إلى ما قاله الروائي “أمين الزاوي” عن أبي هريرة رضي الله عنه فوجدت فيه كلاما مهلهلا لا تستقيم جمله ولا يستوي نظمه، كلام مبتوت لا يتصل أوله بآخره، ويكتنفه غموض ظاهر ينم عن جهل بسيرة أبي هريرة رضي الله عنه، يقول أمين الزاوي: “..تخيل أن أبا هريرة هذا الذي طرده علي بن أبي طالب ونفاه من المدينة وأرسله إلى البحرين..وقتها كانوا يشكون في أنه يكذب، وهناك كثير من النصوص التي تؤكد بأنه..يعني بعد أربعة عشر أو خمسة عشر قرنا من الآن لا نستطيع بكل ما نملكه من معرفة وما نعرف من تكنولوجيا أن ننتقد أبا هريرة، هذه تحتاج إلى.. وهذا الذي أفسد الدين الإسلامي”.
يلحظ القارئ أن عبارة أمين الزاوي تتضمن جملا متقطعة وغير مفيدة وقد نقلتها كما هي من غير تصرف وهذا يدل على عبثية وارتجالية في القول يميزها على وجه الخصوص ذكر أشياء عن سيرة أبي هريرة رضي الله عنه تؤشر -بما لا يدع مجالا للشك- بأن أمين الزاوي يكتب عن رجل لا يعرفه وإن عرف شيئا من ذلك فإنه يعدو أن يكون معرفة مغشوشة أساء نقلها فأساء الضبط فوقع في الخلط، ومن ذلك قوله إن علي بن أبي طالب قد طرد أبا هريرة رضي الله عنه ونفاه من المدينة وأرسله إلى البحرين، وهذا لعمري منتهى الجهل لم نقرأه لا في “سيرة أعلام النبلاء” للحافظ الذهبي ولا في “الإصابة في تمييز الصحابة” للحافظ ابن حجر ولا في “الاستيعاب في معرفة الأصحاب” لابن عبد البر ولا في “الطبقات الكبرى” لابن سعد ولا في “فضائل الصحابة” للإمام أحمد بن حنبل ولا في “فضائل الصحابة” للنسائي، هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن الثابت تاريخيا – وهي المعلومة التي يستوي في علمها الولدان وأهل العرفان- أنه لا علاقة لأبي هريرة بعلي بن أبي طالب كما أن قصة نفيه من المدينة إلى البحرين هي قصة مفتعلة وموضوعة والصحيح أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه هو الذي أرسله إلى البحرين واليا عليها، فحديث أمين الزاوي عن نفي أبي هريرة إلى البحرين هو حديث إفك بيقين لا يوافقه عليه حتى أشياعه في المذهب والمشرب.
ومن كذب أمين الزاوي على أبي هريرةرضي الله عنه قوله إنهم كانوا حينها – والمقصود بهم الصحابة رضوان الله عليهم- يشكون في أنه يكذب وهناك كثير من النصوص التي تؤكد هذا، وأتحدى أمين الزاوي أن يذكر لنا مصدرا واحدا أو نصا واحدا -يغني عن هذه الكثرة التي يتحدث عنها- يؤكد أن الصحابة رضوان الله عليهم قد رموا أبا هريرة بالكذب أو غلب على ظنهم ذلك أو راود عقولهم أصلا، لا يملك أمين الزاوي أن يثبت هذا الادعاء لأن المصادر الإسلامية لا تذكر شيئا من هذا بل تذكر ما يخالفه من أن أبا هريرة رضي الله عنه وعاء من أوعية العلم وكيف لا يكون كذلك وهو الذي امتدحه النبي صلى الله عليه وسلم، ربما كان كتاب “شيخ المضيرة أبو هريرة” لمحمود أبورية من المصادر التي استهوت أمين الزاوي فأخذ عنها على علاتها فجاء كلامه عن أبي هريرة رضي الله عنه معلولا مبتوتا.
لم يشأ أمين الزاوي وربما لم يسعفه ذكر المصادر الكثيرة التي تؤكد أن الصحابة كانوا يشكون في كذب أبي هريرة رضي الله، والحقيقة أننا لا نجد في المصادر السنية شيئا من هذا وإنما نجد هذا في المصادر الشيعية التي نقرأ فيها قدحا معيبا وطعنا صريحا في سيرة هذا الصحابي، ومن ذلك ما ورد في كتاب: “أبو هريرة” لشرف الدين الموسوي قوله: “اشترك أبو هريرة وسمرة بن جندب الفزاري وأبو محذورة الجمحي إذ أنذرهم صلى الله عليه وآله وسلم فقال لهم ذات يوم آخركم موتا في النار. وهذا أسلوب حكيم من أساليبه في إقصاء المنافقين عن التصرف في شؤون الإسلام والمسلمين، فإنه صلى الله عليه وآله وسلم لما كان عالما بسوء بواطن هؤلاء الثلاثة أراد أن يشرب في قلوب أمته الريب فيهم والنفرة منهم إشفاقا عليها أن تركن إلى واحد منهم في شيء مما يناط بعدول المؤمنين وثقاتهم”.
من الغريب أن يقول أمين الزاوي: “..يعني بعد أربعة عشر أو خمسة عشر قرنا من الآن لا نستطيع بكل ما نملكه من معرفة وما نعرف من تكنولوجيا أن ننتقد أبا هريرة “يقول أمين الزاوي هذا مفندا الأخبار التي تتحدث عن كثرة مرويات أبي هريرة وهو يعلم ولا يمكنه أن ينكر بأن التكنولوجياقد كشفت لنا المخبوء والمغمور من النوابغ الذين تفوق بعضهم في الحساب على الآلة الحاسبة ودخل بعضهم كتاب “جينس” في الحفظ، فإذا كان أمين الزاوي لا يشك ولا يستطيع أن يشك في هذه الحقيقة ولو أراد فكيف يشك في قدرة أبي هريرة على الحفظ والاستيعاب؟.

مقالات ذات صلة