-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
أقواس

أمي الحاجة رابحة والكاتب ألفونس دوديه وأنا…

أمين الزاوي
  • 8117
  • 17
أمي الحاجة رابحة والكاتب ألفونس دوديه وأنا…

إلى الأمهات بمناسبة إطلالة السنة الجديدة وبدون مناسبة… إنهن مناسبتنا الدائمة والسعيدة.

  • كم هو ممتع الحديث عن الأمهات، وأمي اسمها: رابحة، وفي أوراقها الرسمية سمتها إدارة الحالة المدنية حليمة، سمتها هكذا دون أن تستشير من له الإشارة.
  • لست أدري لماذا ثبت اسمها هكذا..!؟
  • لم أسألها يوما عن ذلك، ولم تكن تهتم لهذه الثنائية في التسمية، ربما لأنها كانت مقتنعة أن اسما واحدا لا يكفيها. كانت تحب اسمها الذي نناديها به، أكثر من اسمها الرسمي المختفي في الأوراق ذات الأختام والحروف الباردة.
  • الأمهات جميعهن هكذا، ربما لا يسعهن اسم واحد، لأنهن من فيض حنان و شلال ابتسام دائم.  إنهن أكبر بكثير من الأسماء التي لا تعني شيئا.
  • وأمي الحاجة رابحة، كانت جميلة بل جميلة جدا. خجولة في كلامها وفي صوتها الخافت دائما. لم أسمع لأمي صوتا مرتفعا أبدا. ليس غريبا على والدي أن يختار امرأة كأمي بكل هذا الجمال وهذه الجاذبية، لأنه العالم وهو أيضا الفارس الذي لم يخل بيته يوما من الأحصنة والبارود. كان فارسا بالفرح وللفرح. قضى جزءا كبيرا من حياته على ظهر حصان راقص، تحت الزغاريد وبارود الأفراح. ولم أعرف له من الأصدقاء إلا الفرسان مثله: مسعود هاجوج ورابح دحمان وموح الزاويا وأحمد بوطالب وموحند أوعبدالله وغيرهم.
  •  ليس غريبا على رجل مثل والدي، وهو المحب الوفي، أن يختار امرأة العمر واحدة كأمي الحاجة رابحة، فقد كان في الكتاتيب مجودا متميزا للقرآن الكريم، تجويدا مؤثرا ومثيرا. بمعية شلة من أصدقاء الكتاتيب ثم في حلقات الزوايا، كانوا يتنافسون على من يستطيع منهم أن يجعل سرب العازبات من جميلات القرية العائدات من السقي يتوقفن أطول مدة للاستماع إلى صوته المجود دون أن يشعرن بثقل جرار الماء المليئة على ظهورهن وجنوبهن. كان ذلك الرهان كفيلا أن يدفع  بوالدي إلى تدريب صوته أكثر فأكثر على التجويد وإغراق حباله الصوتية، من حين إلى آخر، في أصابع العسل الحر. وحده صوت والدي الحاج السي بن عبدالله كان قادرا على شد انتباه العازبات لأطول وقت، وهن محملات الظهور بجرار الماء الثقيلة، ربما كانت أمي من بين ذاك السرب العالق في كلام المولى تعالى. مؤكد أنها أحبت صوته وهو يجود أعظم الكلام.
  • كانت أمي جميلة والأمهات جميعهن جميلات، دون استثناء، إلا أن أمي إضافة إلى جمالها واختفائها العجيب في اسمين، كانت تتقن جيدا فنون الحياة. والتي تختار رجلا مثل والدي، فارسا وقارئ قرآن ومسافرا وبشوشا، فلا يمكن إلا أن تكون امرأة من حياة ومن فرح ومن محبة.
  •  لقد أحبا بعضهما البعض كثيرا وبصدق كشفته السنون.
  • عاشا معا حياة زوجية سعيدة أزيد من ستين سنة، وأنجبت أمي خلال هذا العمر المشترك مع فارسها عشرين بطنا، فرادى وتوائم، سأذكرهم لكم واحدا فواحدا وواحدة فواحدة، من الأكبر إلى الأصغر: كانت الفاتحة ربيعة، ثم جاءت نوارة، ثم خيرة، ثم فاطمة، ثم عائشة، ثم أحمد التيجاني، ثم حفيظة، ثم عبد المجيد، ثم  عبد الرحمن، ثم  مصطفى، ثم  حنيفة، ثم عبد الرزاق، ثم  الياقوت، ثم  الغالية وأنا.. والذين  لم أذكرهم من العشرين بطنا فقد قضيوا ساعة الوضع ودفنوا دون أسماء.  هناك من أخواتي و إخواني من قضي صغيرا وبعضهم الآخر رحل في بداية الطريق أو بعد  قطع مسافة لا بأس بها في العمر. لكن أغلب من ذكرتهم  ذكورا وإناثا ابتسمت لهم الحياة ولهم أولاد وأحفاد وحفيدات وبدور هؤلاء الأحفاد والحفيدات أنجبوا أبناء وبنات.
  • بلغ من الأبناء والأحفاد و أبناء الأحفاد من ذكر وأنثى للحاجة رابحة ما يزيد عن المائة منهم الأبيض والحنطي، الأشقر والأسمر  ولايزال الجميع يتحدثون عنها بإعجاب ويذكرون لها في الذكر الجميل أشياء: حبها لوالدي ذاك الحب الكبير الذي لا يعرفه إلا هي وتعرفه كتب الشعر أيضا.
  • يتناقلون في أحاديثهم  غيرتها على والدي  حتى في أيامهما الأخيرة، غيرتها عليه من النساء، فقد كانت لديه تلك الجاذبية التي يخلق البعض بها وتظل معهم حتى النهاية، كان قادرا على الإغراء في كل سنوات العمر، ظل شعاع الجاذبية نابضا فيه وحوله حتى على سرير الموت، حتى في موته.
  •  يذكرون لها أيضا طريقتها الأنيقة في الملبس، حيث أنها  كانت تعشق الأبيض والزهري، و فوق ذاك العطور والحنة التي تحافظ على لون شعرها الأشقر المائل للاحمرار، ولم تتنازل عن عادتها هذه حتى بعد أن غزا رأسها الشيب، وماتت بحنتها وبلون شعرها كما كانت تريده، ويذكرون لها رقصتها الخفيفة في أعراس العائلة وحفلات الفرح.
  • لوالدتي الحاجة رابحة رقصتها الخاصة بها، رقصة على خجل وعفة وفي كبرياء الأنثى، كانت ترقص بحركات متناسقة تشبه حركات الحمامة. تدهش الناظر إليها.
  •  ثم من الغرابة أنني كلما ذكرت أمي الحاجة رابحة بنت عبد الله الخلوي يقفز إلى ذهني الكاتب الفرنسي الكلاسيكي ألفونس دوديه صاحب الحكاية الشهيرة “عنزة السيد سوغان” ولهذا الأمر قصة ممتعة وطريفة سأحكيها عليكم  وستقرؤونها في الحلقة القادمة.
  • يتبع…
أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
17
  • bombardi

    إن هذا الكاتب يعلق بأسماء مستعارة على نفسه ويمدح نفسه
    كما قيل حوحو يشكر روحو .
    التعاليق المقصودة هي رقم :1،2،3،4،5،6،7،8،9،10،13.14،15،16

  • Kamreddine

    Cher Amine tros Sympa ton article, j'ai beaucoup aimé, ce n'ai pas la première foiske je lis à Amine Zaoui, en Arabe et en Français je te félicite pour tout ce que tu fais pour le bien de la létirature Algérienne et puis je te souhaite tout le bonheur de la vie, Bonne Année,et Bonne continuation

  • باحث جزائري يأمل أن يعيش لأمته لا لنفسه

    سيدي أمين،
    لما رأيتك يوما وأنت تجر حقيبة في مطار باريس (أورلي) قبل عدة أشهر امتلأت نفسي فرحا وبهجة، فقد كنت دائما كبيرا في عيني، وزاد من فرحي أنني رأيت الشعلة التي عهدتها في عينيك ولا تزال متقدة، فقد خشيت حينها أن تكون قد خبت بسبب المضايقات التي تعرضت لها حينها من سلطاتنا الرسمية بسبب شجاعتك.
    هممت حينها أن أسير نحوك لأحييك، لكنني استحييت لأني لم أقرأ لك كتابا واحدا، لم أعرفك إلا من خلال مقالاتك ومن خلال جواهرك في الإذاعة. ليس هذا لأني لا أقدر إنتاجك ولا لأني أنفر من القراءة، إنما لأني لا أعطي للأدب إلا القليل من وقتي.
    قرأت عنك، لدى الذين انتقدوك أكثر، فما ازددت إلا تقديرا لك. فقد تبين لي أنهم لا يتقبلون فيك جرأتك وحريتك. أشكرك سيدي لأنك كذلك، ولأنك تشد على يدي لأن أتابع مساري نحو الحرية الحقيقية التي يذود عنها كل شريف في بلادي.
    قد لا نكون مشتركين في منطلقاتنا،ولا متفقين في الكثير من القضايا، لكنني أجد فيك نفس الروح التي تسري في جنباتي، فإن لم أكن مخطئا فأنت متذمر من الرداءة التي تحيط بك في بلادي التي تتمنى وتسعى لها لأن تكون أكبر مما هي عليه. إنك تؤمن أنها قادرة على ذلك لولا سذاجتنا التي نخفيها تارة بالوطنية وتارة أخرى بالدين أو بأشياء أخرى.
    إن كنت لأطلب منك شيئا سيدي فإنني أرجو أن تبقى على قوتك وأن لا تسمح للمثبطين ينالوا من عزيمتك، فجهدك لن يضيع إن لم تضيعه أنت، وسيكون تراكما اضافيا في رصيد مجدنا إن آجلا أو عاجلا.

  • M'sirdi

    إلى رقم 10 - بربك أديري لسانك ألف مرة قبل أن تتحدثي عن أستاذنا الدكتور أمين الزاوي. أنا متأكد من أنك لست امسيردية. لأن بنات امسيردة لا يتفوهن بمثل ما قلت في شخص أستاذنا الفاضل الدكتور أمين. وإن كنت حقيقة امسيردية فلك أن تزوري عائلته وتتعرفي عن أصله وسلفه الصالح فهو ابن السي بن عبدالله ابن عبدالمومن ابن الحاج المكي وكلهم من حفظة كتاب الله عن ظهر قلب.

  • mellouk abderrahim

    سلامي الحار إليك أخي أمين أنا من المدمنين على المقالات التي تكتبها وأخبرك أن مقالك هذا عن الحاجة خالتي حليمة أجمل ما قرأته لك تمنيت لو كان أكثر تفصيلا ولك سلام سكان مدينة أحفير المغربية ....

  • hesna

    ماااااااااااااااااااااا هذا ياااااااااااااااااااااا شروق انه لامر ساقط ان تنشري اراء موافقة للكاتب العلماني وتحجبي كل معارض لعدو الاسلام

  • samey

    ya ikhwani kiram ..ba3da bismalah rahmani rahim //??..albissa el wataniya li korat al kadam ..sana3oha fi manazilwalhi ana mostagrab fi hadihi el omour li matha la nalbiso kamis jamil k italiyin ..k.. ingliz ila akhirihi/?/?.... soal yabka 1 2 3 viva la lge matroh

  • إيمان

    ما أتفهها حدوثة...
    أنصحك يا دكتور بكسر قلمك مباشرة بعد قراءة هذا التعليق لأنك بلغت في كتاباتك مستوى لم يبلغه حتى من لم يعبر في حياته شارعا به مدرسة.وهذا هو حال كل من كانت طموحاته أكبر من امكاناته .واعلم يا أخي أنه إذا كانت النفوس كبيرة تعبت في مرادها الأجسام.ونحن إذ نقدر حالة الانكسار التي تعيشها،فإننا لا نسمح لأنفسنا بأن نعيش معك حالة الانهزام التي تعيشها،أرجوك لا تقتل الأمل في نفوسنا بالعزف على وتر الوطنجية تارة،وبالقومجية تارة ،وبمثل هذه التفاهات السخيفة تارة أخرى.

  • ammar

    السلام عليكم :ما اروعك من انسان كم تمنيت ان تكتب كل يوم على صفحات جريده الشروق اليومي’ولكني أقدر ظروفك
    لا اعلم لما انت بهذه الروح الجميله التي تخرج من قلمك وكانني اعرف من زمان قرات لك كل ما تكتبه(في الشروق فقط) وخاصة في رمضان السنه 2009 واتذكر انني بكيت وانت توصف اجواء العيد في الزمان الماضي ...نفس الاشياء التي كنا نقوم بها ...كم انت رائع يا استاذي العظيم ...تهاني بمناسبة العام الجديد2010 قد اراك ان شاء الله كل يوم وانت تكتب باسلوبك المفعم بالماضي الرائع ..تحية كبيره لك ولكل عائلتك....

  • benazzouz

    السلام عليكم : رغم أنك عالم لكن دائما أجدك متواضعا في كلامك النقي النظيف المحبوب عند الناس أنا أمي اسمها الحاجة بختة أجمل من امك التي أعطت للجزائر عالم وكاتب وبفضله وبفضل بعض الكتاب أصبحت الجزائر مفخرة الدول العربيةفي الثقافة
    الشكر للجريدة وعام سعيد لطاقمها وأتمني لها النجاح والتوفيق مدامت مهتمة باالعلماء ومهتمة بعملاق الثقافة السيد الدكتور أمين الزاوي

  • السلام على من اتبع الهدى

    الشجاع من يستوقف الطريق ويصحح الاخطاء والذين اذا فعلوا فاحشة او ظلموا انفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون العودة الى الام الحانية هو عودة الى الثوابت الى خصائص الامة وعمقها الذي كان بالنسبة لكم يوما ما تخلف ورجعية وارتماء فى احضان الامبريالية وكان همكم اذ ذاك كيف تصتاصلون الامة من جذورها من القران الذي يتلوه والدك فى الكتاتيب ومن المحاضن التي حفظت للامة وجودها فهنيئا لك يادكتور وانت تذود عن حياض الامة محافظا من غير انغلاق ومنفتحا على روح العصر من غير ذوبان واسال الله ان تكون مممن قال فيهم المولى الكريم الامن تاب وامن وعمل عملا صالحا فاولئك يبدل الله سيئاتهم حسانات وكان الله غفورا رحيما

  • Rabiaa Bela

    إذا كنت أفهم جيدا: فأنت أخترت أحسن هدية لأبيك بعد وفاته بمناسبة نهاية السنة: وذلك باتهامه بالنفاق والرياء، وأنه كان يقرأ القرآن ليصطاد الفتيات، ما شاء الله على الوفاء للوالدين ، ذاك الشبل من ذاك الأسد،

  • نبيلة

    رائع جدا انا متشوقية للحلقة القادمة

  • تركي

    كلامك ينساب كماء السواقي و الصدق في الوصف ابكاني هذا اليوم فجرا قبل ان اجد نصك هذا كنت اتذكر امي و ابحث في تفاصيلها لقد رحلت عنا ذات فجر من العام الماضي دون استاءذان من خلال وصفك امك تشترك مع امي في الكثير من الصفات غير ان امي تغلب عليها الوداعة وداعة طفل صغير ينتظر والديه في مكان بعيد بارك الله فيك يا دكتور ورحمة اله على كل الامهات

  • عمر

    مقالاتك جميلة ايضا سيدي الكريم

  • UMM MUADH

    I LOVE YOUR MOM .YOU ARE VERY PROUD OF HER AND I AM PROUD OF MY MOM TOO

  • sami

    مقال رائع على اعز شخص

    الف شكر الاخ امين من احد قرائك