-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
رفعت العرعير ونور الدين حجاج كاتبان فلسطينيان سقطا تحت قصف الإحتلال :

“أنا لست رقما وأرفض أن يكون خبر موتي عابرًا”

ماجيد صرّاح
  • 1895
  • 0
“أنا لست رقما وأرفض أن يكون خبر موتي عابرًا”
ح. م
رفعت العرعير ونور الدين حجاج

يواصل الإحتلال عدوانه على غزة منذ السابع من أكتوبر، برا بحرا وجوا، وهو عدوان خلف استشهاد أكثر من 19 ألف مواطن فلسطيني، وإصابة أكثر من 52 ألفا آخرين في حصيلة نهائية اليوم، الإثنين 18 ديسمبر. هؤلاء الفلسطينيون الذين سقطوا تحت رصاص أو قنابل الإحتلال، ليسوا مجرد أرقام، ترتفع مع مضي الأيام وتواصل العدوان.

“الأرقام غير شخصية وغالباً ما تكون مخدّرة. ما لا تنقله هو الصراعات والانتصارات الشخصية اليومية، والدموع والضحك، والتطلعات”، هكذا عرّف مجموعة من الشباب الفلسطيني مشروعا سموه “لسنا أرقاما“.

وهو المشروع الذي أرادوا به أن ينقلوا للعالم ما يعيشه الفلسطينيون الذين يعيشون تحت الاحتلال وفي مخيمات اللاجئين، صورة مختلفة عما اعتاد عليه من أرقام، وعدد قتلى وجرحى، ومشردين يعتمون على المساعدات.

رفعت العرعير من بين هؤلاء الشباب الفلسطينيين الذين أرادوا أن يقولوا أن الفلسطينيين ليسوا أرقاما. وهو أكاديمي وشاعر فلسطيني من قطاع غزة، حاصل على دكتوراه في الأدب الإنجليزي، متزوج وأب لـ6 أبناء. وقد كتب رفعت العرعير مجموعتين قصصيتين باللغة الإنجليزية ترجمتهما : “غزة تكتب مرة أخرى”، عام 2014 و”غزة بلا صمت” عام 2015.

رفعت العرعير : إذا كان لا بد أن أموت.. فليأتِ موتي بالأمل

إضافة للقصة القصيرة، كان رفعت العرعير، صاحب الـ44 عاما، شاعرا يكتب قصائده بالإنكليزية، هو الذي كان يعمل مدرسا للأدب الإنجليزي في الجامعة الإسلامية بغزة، والتي انهارت تحت قصف الإحتلال في الحادي عشر من أكتوبر.

“إذا كان لا بد أن أموت”، من كانت آخر قصائده وهي القصيدة التي نشرها في حسابه “إكس” يوم الفاتح من نوفمبر، والتي أعلن فيها رفضه مغادرة شمال غزة وتشبثه بأرضه، والتي قال فيها (مترجمة) :

“إذا كان لا بدّ أن أموت
‏فلا بد أن تعيش أنت
‏لتروي حكايتي
‏لتبيع أشيائي
‏وتشتري قطعة قماش
‏وخيوطاً
‏(فلتكن بيضاء وبذيلٍ طويل)
‏كي يُبصر طفلٌ في مكان ما من غزّة
‏وهو يحدّق في السماء
‏منتظراً أباه الذي رحل فجأة
‏دون أن يودّع أحداً
‏ولا حتى لحمه
‏أو ذاته
‏يبصر الطائرة الورقية
‏طائرتي الورقية التي صنعتَها أنت
‏تحلّق في الأعالي
‏ويظنّ للحظة أن هناك ملاكاً
‏يعيد الحب
‏إذا كان لا بد أن أموت
‏فليأتِ موتي بالأمل
‏فليصبح حكاية”.

ليستشهد هو وعائلته يوم 6 ديسمبر 2023 في غارة جوية لقوات الإحتلال على منزل شقيقته شمال القطاع، واستشهد معه شقيقه وشقيقته وأولادها.وقد قال في إحدى مقابلاته الصحفية “أنا شخص أكاديمي وأصلب شيء عندي في المنزل هو قلم السبورة، وإني سأرميه على الجنود الإسرائيليين إذا حاولوا اقتحام منزلي، ولو كان ذلك آخر شي أفعله”.

نور الدين حجاج : يظل حلمي الأكبر .. أن يعم السلام بلادي

رفعت العرعير ليس الكاتب أو الشاعر الفلسطيني الوحيد الذي أراد الإحتلال منذ السابع من أكتوبر إسكات كلماته باغتياله، ونور الدين عدنان حجاج من بين هؤلاء.

نور الدين حجاج ولد في غزة عام 1996 وعمل فيها معلما في مدرسة الكرمل الثانوية للبنين  قبل أن يستشهد فيها، في منطقة الشجاعية، تحت قصف للإحتلال يوم 3 ديسمبر الماضي.

وهو الذي تحدث عن يوميات الشباب الغزاوي وآماله وطموحاته في روايتيه الأولى “غريب وغريبة” والتي صدرت له عام 2018 عن دار الكلمة في مصر، والثانية “أجنحة لا تطير” والتي صدرت عام 2021 عن دار فضاءات للنشر في الأردن.

ومنذ السابع من أكتوبر 2023 كان يصف الوضع في غزة بما ينشره على حسابه فايسبوك، فينعي أصدقاءه ومعارفه اللذين استشهدوا، ويكتب عن نزوح الغزاويين، جوعهم، وتعرضهم للقصف، وعن الدمار الذي حل بالقطاع “تهرب من صوت صاروخ خلفك فيتلقفك آخر أمامك، في غزة لم يعد هناك اتجاهات أربعة، لأن جميعها أصبحت تطل على ذات المشهد وهو “الدمار”. قبل أن يستشهد يوم 3 ديسمبر كتب نور الدين حجاج رسالته الأخيرة :

“مساء الخير أيها العالم.

انقطعت الاتصالات والانترنت ليلة البارحة، وما اعتبرته في أحد المرات مستحيلًا صار واقعًا فجأة ولكن بظروف أخرى، فساعي البريد لن يستطيع القدوم في ظل هذا القصف والدمار، كما أن جرائده لن تحمل سوى نفس الخبر كل يوم: “إن غزة تُباد. والحياة تغيب عنها كل يوم دون أن تشرق في اليوم التالي”، وربما خبر موتي سيصدر في النسخة القادمة..

هذا ما طرأ في بالي لحظة انقطاع الاتصالات والإنترنت، ومعها انقطعنا عن العالم، وانقطع العالم عن معرفة أخبارنا، وازدادت حدة القصف لنضع أيدينا على قلوبنا لأن ما نخافه ها هو يقترب، سنموت بصمت دون أن يعرف عنا العالم شيئًا، حتى أننا لن نستطيع الصراخ ولا توثيق لحظاتنا، أو كلماتنا الأخيرة..

فأنا أعيش في حي صغير يسمى حي الشجاعية، وهو حيٌ يقع على الحدود الشرقية لمدينة غزة، وفي كل ليلة لا تتوقف أصوات الانفجارات بأنواعها المختلفة ومن كل الاتجاهات، لذلك نحتضن بعضنا مع كل صوت ضخم يهز بيتنا وقلوبنا، ونحن نعلم أن واحدة من تلك الأصوات لن نسمعها لأنها ستكون قد انفجرت بنا. ولهذا أكتب الأن، لربما تكون هذه رسالتي الأخيرة التي تجوب العالم الحر، وتطير مع حمام السلام، وتخبره أننا نحب الحياة ما استطعنا إليها سبيلًا، لكن في غزة تقطعت كل السبل والطرق، وصرنا نبعد عن الموت مسافة خبر عاجل أو تغريدة صغيرة.

حسنًا .. سأبدأ.

أنا نورالدين عدنان حجاج، كاتب فلسطيني، وعمري سبعة وعشرون عامًا ولي أحلام كثيرة. أنا لستُ رقمًا وأرفض أن يكون خبر موتي عابرًا، دون أن تقولوا أني أحب الحياة، السعادة، الحرية، ضحكات الأطفال، البحر، القهوة، الكتابة، فيروز، وكل ما هو مُبهج.. قبل أن يختفي كل هذا بلحظة واحدة.. أحد أحلامي أن تجوب كتبي وكتاباتي العالم، أن يصير لقلمي أجنحة لا توقفها جوازات سفر غير مختومة ولا فيز مرفوضة. حلمٌ آخر .. أن يكون لي عائلة صغيرة، وأهدهد ابني الصغير الذي يشبهني بينما أخبره قصة ما قبل النوم. ويظل حلمي الأكبر .. أن يعم السلام بلادي، أن تشرق ضحكات الأطفال قبل الشمس، أن نزرع وردة في كل مكان سقطت فيه قنبلة، ونرسم حريتنا على كل جدار تهدم، أن تتركنا الحرب وشأننا؛ لنعيش أخيرًا حياتنا ولمرة وحيدة.

نورالدين حجاج 28/10/2023 غزة – فلسطين”

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!