أنتم مطالبون بثورة أخرى

النداء موجه إلى أسلافنا من أجدادنا وآبائنا وحكامنا الذين صنعوا ثورة التحرير، ثم شاركوا في ثورة التشييد على مدى خمسة عقود، وما زالوا يعتبرون أبناءهم قاصرين غير قادرين على تسلّم المشعل وقيادة جزائر الغد، وما زالوا في مناصبهم ومواقعهم يحكمون ويفكرون ويقررون في غير زمانهم بذهنيات تجاوزتها الأحداث، ويقودون جيلا غير جيلهم لا يعرفون عنه شيئا، ولم يعد ينسجم معهم أو يثق فيهم وفي وعودهم.

• لكل زمان رجاله ولكل جيل حاجياته ومتطلباته، وعهد الشرعية التاريخية والثورية انتهى، وبدوره انتهى زمن رجال الثقة وأبناء المنطقة، كما انتهى زمن الوجوه المستفزة التي أكلت من كل الصحون ووقفت مع الواقف وصمدت في وجه كل التغييرات، وحان موعد الشباب والرجال الأكفاء ليقرروا مصيرهم ومستقبلهم، بغض النظر عن انتماءاتهم ومكان ولادتهم ونسبهم وحسبهم وولائهم.
• رغم أن الجزائر من البلدان القليلة التي يعيش فيها رؤساء جمهورية ورؤساء حكومات ووزراء سابقون معززين مكرمين سواء أقيلوا أو استقالوا، فإن أبناء هذا الجيل سئموا من الانتظار ونفذ صبرهم وفقدوا ثقتهم في الإصلاح والتغيير والتطوير، وسئموا من رؤية نفس الوجوه تقرر مصير جزائر بعد الاستقلال وجزائر نهاية القرن العشرين ثم جزائر بداية القرن الواحد والعشرين.
• والأدهى والأمرّ أن الهوة بين الأجيال ما فتئت تتعمق مع مرور السنين، مما انعكس سلبا على المعنويات وكل مناحي الحياة، فعادت الإضرابات والاضطرابات والاحتجاجات والدعوات إلى التغيير والتطوير وإشراك كل الفئات من كل الجهات؛ في بناء وطن هو ملك لكل الشعب وليس مملكة لأسرة أو طائفة.. وطن حرره كل الشعب وليس منطقة دون أخرى.. وطن لن تقوم له قائمة إذا استمر الإقصاء والتهميش، لذلك أدعوكم إلى ثورة أخرى على أنفسكم وأنانيتكم وممارساتكم تتركون فيها أبناءكم يحددون مصيرهم بأيديهم:
• – دعوهم يتنفسون هواء الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية والمحبة والتسامح والتنافس الشريف وتكافؤ الفرص في جزائر الإسلام والعروبة والأمازيغية وتنوع الثقافات والمذاهب والمناهج، وفي وطن لا يُقصى فيه من يختلف معنا، ولا يُظلم فيه أحد، ولا يطغى فيه أيّ أحد.
• – دعوهم يختارون مشروع المجتمع الذي يريدونه في عصر التقنيات والتكتلات والحريات، ودعونا من النظرة الشمولية المتطرفة للأمور التي قادتنا إلى تطرف أكثر قسوة، وأدت إلى مقتل الآلاف وخراب البيوت وتحطيم اقتصاد البلاد وإحداث شرخ في المجتمع ما زلنا نتحمل تبعاته إلى اليوم.
• – دعوهم يباشرون حياتهم المهنية، واتركوا لهم مناصب الشغل التي ما زلتم تشغلونها رغم بلوغكم سن التقاعد، حتى نقلل من حدة البطالة ونجدد النفَس في إداراتنا ومؤسساتنا، ونفسح المجال لجيل اليوم حتى يؤدي واجبه.
• – دعوهم يؤدون واجبهم مثلما فعلتم دون خوف منهم أو عليهم، لأنهم يحبون وطنهم مثلكم وربما أكثر منكم، ويدركون أن وطننا الجزائر وديننا الإسلام ولغتنا العربية والأمازيغية، وما عدا ذلك يمكنهم الاجتهاد فيه وتغييره أو تطويره بما يناسب المرحلة الحالية والمقبلة.
•   – دعوهم يعبرون عن ذاتهم وقدراتهم في بناء وطن تتكافأ فيه الفرص، وتزول فيه الأحقاد، ولا تسود فيه الأنانية والكراهية والجهوية والإقصاء.. وطن لا تقاس فيه التنمية بمداخيل المحروقات، وإنما بالقيم الإنسانية والأخلاق وحب الوطن، وبالكفاءة والنزاهة والإخلاص في خدمته.
•   – دعوهم يقررون مصيرهم دون وصاية، ويختارون من يمثلهم في كل المواقع والمجالس دون تزوير أو مصادرة، ودعوهم يمارسون حقهم في الاختيار والاختلاف والتشاور والتحاور في شؤونهم.
• – دعوهم يجتهدون فيصيبون ويخطئون، ويتعثرون وينهضون، ويفوزون ويخسرون بشرف وعزة وإصرار على مواصلة المسير، إلى أن يسلموا الأمانة بدورهم إلى أجيال تأتي بعدهم، فيتداولون المراكز والمناصب والمهام، ويتجنبون التجارب المرّة التي عشناها منذ الاستقلال.
• – من فضلكم، أرجوكم وأتوسل إليكم.. دعوهم يشيّدون الجزائر التي يحلمون بها والتي ضحى من أجلها أجدادنا وآباؤنا ضد الاستعمار والاستدمار، وضد الجهل والأمية والفقر والمرض، وافسحوا لهم المجال لكي يبدعوا ويقوموا بواجبهم تجاه وطنهم، وسترون ماذا سيفعلون.
• إن البقاء للوطن والشعب بعد الله تعالى، وجزائر البارحة ليست جزائر اليوم، وجزائر اليوم لن تكون هي جزائر الغد، وبالتالي فإن رجال الأمس لن يكونوا بالضرورة نفس رجال الغد، وحتى الطبيعة تكره الجمود، لذلك صار التجديد حاجة ملحة وضرورة لا بد منها على كل المستويات بإرادة من بأيديهم الحل، دون حقد أو كراهية، ودون إكراه أو عنف، ودون محاباة أو إقصاء.
• إذا فعلتم ذلك سيحفظ لكم التاريخ جميل تحرير الوطن وإنقاذه من كل الأزمات، وسنذكركم بخير ونقول عنكم بأنكم اجتهدتم وحاولتم فأصبتم وأخطأتم، وكنتم صناع ثورة أخرى في بداية الألفية الثالثة على أنفسكم وأهوائكم، سلمتم إثرها الأمانة إلى أهلها في وقتها.. أما إذا لم تفعلوا فسترتكبون جرما لا يغتفر، وسيحاسبكم التاريخ حسابا عسيرا، وسيرث أبناؤكم القيم الفاسدة والطغيان والإقصاء و”الحڤرة” والظلم والفساد، وسيتخلف الوطن لا محالة، وستلاحقكم لعنة التاريخ وكل الأجيال اللاحقة.
• ما دام في الجزائر رجال يدركون هذا الأمر، وشبان متفائلون بقدوم ذالك اليوم الذي يتسلمون فيه الأمانة، فإن التحوّل سيحدث لا محالة دون عنف أو حقد وبكل المودة والتقدير لجهود أسلافنا..