أندونيسيا في ذكرى استقلالها السبعين وتاريخ دعمها لثورتنا
أقامت السفارة الأندونيسية بالجزائر حفل استقبال بدار السفارة يوم 28 سبتمبر 2015، بمناسبة عيد استقلال أندونيسيا السبعين الذي أعلن في 17 أغسطس 1945.
افتتح الحفل باللغة العربية على غير عادة السفارات الأجنبية التي يتم الافتتاح بها باللغة الفرنسية، تُليت آيات من الذكر الحكيم، ثم أنشد النشيدان الوطنيان الجزائري والأندونيسي مع ترديد المقطع المتعلق بفرنسا في النشيد الجزائري، ثم ألقت القائمة بأعمال السفارة السيدة إيدا سيسانتي منير كلمة باللغة الإنجليزية، ترجمت مقطعا مقطعا للغة العربية، وتعرّضت لدعم اندونيسيا للثورة الجزائرية، وكيف شاركت جبهة التحرير الوطني الجزائري في مؤتمر باندونغ الذي عقد في أندونيسيا في أفريل 1955 (علما بأن وفد الجزائر الذي منه حسين آيت أحمد أطال الله عمره سافر إلى باندونغ بطائرة جمال عبد الناصر)، وكيف ترأس الرئيس الأندونيسي المناضل أحمد سوكارنو المؤتمر، مشيدا بالثورة الجزائرية، وكيف دعم المؤتمر الذي شارك فيه قادة كبار من العالم استقلال الجزائر.
لقد كانت الثورة الجزائرية حاضرة في كل مكان بأندونيسيا، فمثلا في سنة 1958 قامت مظاهرة في جاكرتا شارك فيها عشراتُ الآلاف، قصدوا السفارة الفرنسية، وأنزلوا العلم الفرنسي ووضعوا مكانه العلم الجزائري، كانت صورة جميلة بوحيرد مرفوعة في كل مكان، وكانت الأندونيسيات يفتخرن بها، وكم تمنين أن تزور أندونيسيا. وقد فتحت الحكومة الأندونيسية آنذاك مكتباً لجبهة التحرير بجاكرتا مثل فيه الجزائر المناضلان أحمد صديق بن يحيى رحمه الله ومحمد الأخضر الإبراهيمي أطال الله عمره، اللذان تركا أثرا طيبا بين الأندونيسيين. وألحت القائمة بالأعمال في نهاية الحفل على حرص الحكومة الأندونيسية على تطوير العلاقات مع الحكومة الجزائرية في سائر الميادين.
كانت توجد بأندونيسيا مئات اللغات، لكن اللغة الوطنية المالوية استطاعت أن تكوّنَ من سكان هذه الجزر نسيجا اجتماعيا منسجما يتحدثون لغة واحدة، وأن تطبق تنمية اقتصادية واجتماعية ناجحة، وتؤلف مع أقطار أخرى ما يسمى بـ”نمور آسيا” التي تقدّمت بلغاتها.
أندونيسيا: يبلغ عدد سكانها 240 مليون نسمة، استعمرتها هولندا وسيطرت عليها اللغة الهولندية مدة ثلاثة قرون، وفي 1928 قررت الحركة الوطنية بقيادة الزعيم اللغوي كما وُصف جايا دانجرات اعتماد بهاسا أندونيسيا، أي اللغة الأندونيسية المستمدة من المالوية لتحلّ محل اللغة الهولندية مع إلغاء هذه وإحلال محلها اللغة الإنجليزية كلغة أجنبية، تخلصا من سائر الرواسب التي تركتها في الذات واللسان الأندونيسيين. تتكون أندونيسيا من 17508 جزيرة، ستة آلاف منها مأهولة تمتد على مليوني كيلو متر مربع بالمحيط؛ كانت توجد بها مئات اللغات، لكن اللغة الوطنية المالوية استطاعت أن تكوّنَ من سكان هذه الجزر نسيجا اجتماعيا منسجما يتحدثون لغة واحدة، وأن تطبق تنمية اقتصادية واجتماعية ناجحة، وتؤلف مع أقطار أخرى ما يسمى بـ”نمور آسيا” التي تقدّمت بلغاتها. بمجرد أن اعتمدت اللغة، قررت الحركة الوطنية تحقيق الأمن الغذائي فحققته في سنوات قليلة ومرت إلى التصدير.
يبلغ ناتجها المحلي 834 مليار دولار، دخل الفرد بها 5100 دولار، فهي الكبرى اقتصادياً بالعالم الإسلامي، وتُصنف الخامسة عشرة عالميا، كانت تصدّر النفط، ثم صارت تستورده دون أن يتأثر مستوى نموّها. بها صناعة متطورة، كل ذلك يتم بلغتها الوطنية، ما جعل مؤرخَ أندونيسيا الأمريكي ديتوس سميث Datus C. Smith يقول “ثلاثة عوامل تحكمت في الوطنية الأندونيسية: اللغة والدين وحب الاستقلال”.
لم يحدّثنا التاريخ أبدا أن أمة نجحت بها تنمية اقتصادية واجتماعية بلغة أجنبية، بلدان إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى متخلّفة بسبب سيطرة لغة المستعمر السابق عليها وهي الفرنسية والإنجليزية والبرتغالية، فليضع الشبابُ الجزائري هذه الحقيقة نصب عينيه.
الخلاصة:
أولا: لم يحدّثنا التاريخ أبدا أن أمة نجحت بها تنمية اقتصادية واجتماعية بلغة أجنبية، بلدان إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى متخلّفة بسبب سيطرة لغة المستعمر السابق عليها وهي الفرنسية والإنجليزية والبرتغالية، فليضع الشبابُ الجزائري هذه الحقيقة نصب عينيه.
ثانيا: ينبغي على الشباب الجزائري ألا ينسى البلدان التي دعمت ثورة الجزائر وعلى رأسها البلدان العربية والإسلامية، وأندونيسيا وشعبها كان من الداعمين لثورتنا.
*رئيس الجمعية الجزائرية للدفاع عن اللغة العربية