الرأي

أنشودة الثلج والمطر

عبد الرزاق قسوم
  • 3245
  • 0

لحكمة يعلمها الله، هجرت الطيور الأشجار فسكتت عن الغناء، وأقفرت الحقول من الفلاحين والرعاة، فغاب الحُداء، وحلّ بدل القحط، والجدب، والجفاف، النماء، فكثر الصياح والثغاء.

لبست الطبيعة لباساً أبيض، بعد الاخضرار فأوصدت أبواب الديار، وانزوى الناس حول المدفأة هروبا من القرّ والصرّ، مستجيرين من هول الشتاء بالنار. 

ذلك لأنّ الأرض، أخذت زخرف الشتاء، فازّينت بلون الثلج الناصع البياض، الخالص الصفاء. وانشقت السماء عن رعد وبرق، وأمطار، فحولت ما كان صلبا من الأراضي إلى زلق قشرته ملساء.

تعالت قدرة الله الذي جعل الأرض والسماء تتفتحان على الإنسان والطبيعة في بلدي، فزرعت الأمل والرجاء، بعد اليأس والشقاء. فماذا كان رد الإنسان على هذا العطاء؟ وهل لان قلبه واخضرّت مشاعره أمام هذا السخاء؟

لئن فاضت الوديان، واخضوضرت الشطآن، فقد كثر في المحيط الاجتماعي الغليان، وتعالت في الأفق الحوادث، وكل أنواع الشنآن، واشتد كفر الإنسان بحق الله، وحق الأوطان.

فشل السياسيون في الامتحان، عندما عجزوا عن تحقيق الرفاهية للإنسان، في بلد يفيض ذهباً، ويعجّ بالخيرات، وتتلاطم أمواجه بكل أنواع السمك والحيتان. وإلا فلماذا هذا العنف وكل أنواع البلاء؟ ولماذا يسود في بلد الذهب الأسود، والنخيل، والفاكهة، والرمان، هذا الغلاء في الأسعار، وهذا الحرمان؟

فهل كتب علينا الفشل في السياسة، والاقتصاد والثقافة، والرياضة، في جزائر العزة والكرامة، بلد العلماء، والشرفاء، والشهداء؟

مهزومزن نحن – إذن- في الجد واللعب، فكيف نبرر للتاريخ هذه الهزائم، وقد أنجدتنا الأرض والسماء، بكل ألوان المكاسب والغنائم؟

ومسكين شعبنا، الذي يعاني عنف الطرقات وهدام النزاعات والخلافات، وتقاتل أفراد الأقارب والعائلات، وغلاء الأغذية، والملابس، والدروس الخصوصيات، وها هو يُصدم حتى في لعب المباريات والمقابلات.

كيف نبرر هزائمنا في ساحات اللعب، بعد أسواق وميادين، ومحافل الجد؟ ألسنا نحن الذين أغدقنا الأموال الطائلة على المدرب والمتدرب، لنحصد هذاالهزال من النتائج؟

نريد حكيما، فقيها في علم الرياضة يفك لنا معادلة الجمع بين المدرب الأجنبي وعزف النشيد الوطني؟ أليس في ذلك تركيب مزجي نشاز، على لغة النحاة، لا يستقيم لا وزناً ولا لحناً؟ 

وهؤلاء الأشبال الذين ألقينا بهم في ساحة الوغى الدولية، وهم يتلون “وعقدنا العزم أن تحيا الجزائر” ألم نكن شهودا عليهم، حيث خار العزم، وغاب الحسم، ومكنوا لنصرة الخصم.

لقد كنا نأمل، أن نتغنى جميعا، أطفالا وكبارا، حكاما ومحكومين،  أحزاب موالاة وأحزاب معارضة، مسيرين ومواطنين،  نتغنى جميعنا بأنشودة الثلج، وأنشودة المطر، فنغسل بها القلوب من كل أدران الحقد والكراهية لله وللوطن، ونلوّن عقولنا ببياض الثلج، وندى المطر، فنغدوا متحابين أكثر، ولكن ما راعنا، إلا والأنانية مازالت مستبدة بنا، ومشاعر الإلغاء والإقصاء هي التي تحكم سلوكنا، وتصرفاتنا ! فأين يكمن الخلل إذن؟ هل في البنية النفسية لإنساننا أم في القوانين التي تحكمنا، أم في البيئة الثقافية والاجتماعية التي تحضننا؟

إنها المعادلة التي لم نجد لها حلاً، رغم تقدم العلم، في عصر العلم. ومع ذلك نحن نؤمن بأنّ الحل ممكن، وأنّ بلادنا تتوفر على كل الإمكانيات لتجاوز الصعوبات، وفك ما قد يبدو من معادلة عصية الحل.

إنّ أول شرط لتجاوز الصعوبات، هو وعينا بهذه الصعوبات. فينبغي أن نكف عن ترديد أننا ليست لدينا مشاكل، وأننا لسنا متخلفين، وأننا أحسن من باقي الدول، وأننا… وأننا… ! إنّ الوعي بالتخلف هو بداية التقدم، وإنّ التواضع في الحكم على أنفسنا، هو الحل الأمثل لجميع مشاكلنا. نقول هذا ونحن مقدمون على استحقاقات مصيرية، يمكن أن تُتّخذ وسيلة لتغيير واقعنا نحو الأفضل.

إنّ هذه الاستحقاقات هي أمانة العلماء والشهداء في ذمتنا. وإنها شهادة نسأل عنها أمام الله يوم القيامة، فإن نحن أحسنا التعامل معها، بوطنية وصدق وإخلاص، قد نحقق قفزة هامة نحو المستقبل المنشود. لذلك علينا أن نتّق الله في إسناد المسؤولية، وفي وضع المعايير للترشح، بعيدا عن المحاباة، والمحسوبية، و”فضيحة الشكارة” التي تسللت بجدارة، وأن نقبل بما يفرزه الصندوق الشفاف، حتى ولو كان مع الذي، قد لا نتفق معه حزبيا أو، إيديولوجيا، أو سياسيا، بشرط واحد أن لا يكون خائنا للوطن.

فالمثل الشعبي الجزائري يقول: ” اللي جابها سيدي نقول لها لالاّ”. ونحن نقول كل من ينتخبه الشعب يجب أن نقبل به، وكفانا موعظة، التجربة التاريخية الدموية التي عاشتها بلادنا، والتي كلفتنا ما كلفتنا، بسبب توقيف المسار الانتخابي. إنّ كل المسؤوليات، مهما عظمت أو صغرت يجب أن تخضع للانتخاب، الشفاف، فكفانا ما يلصق بنا، من تهم التزوير، وسوء التسيير، وكثرة التبذير، بدافع المحسوبية، والوصولية والمصلحية – إلخ.

نحن على موعد هام مع التاريخ، لتغيير واقع الوطن الذي دخل مرحلة حرجة من الغليان، والشنآن، وخير وسيلة لإرساء السفينة على مرفإ الأمان، هو  أن يمكّن للجيل، الجديد، المقتدر، البعيد عن الذبذبة السياسية الحزبية، والانتماءات الجهوية أو الإقليمية الضيقة، فالجزائر بكل أبنائها، وأرجائها غنية بالصالحين والصالحات لتحمل المسؤولية خدمة للوطن الذي ضحى من أجله الملايين.

فعسى أن تكون أنشودة الثلج والمطر التي ضيّعناها في الشتاء نستدركها في الربيع والصيف. فليس العيب أن نخطئ ولكنّ العيب كل العيب أن نبقى مصرين على الخطإ، ومن أنذر فقد أعذر، وليت قومي يعلمون !

مقالات ذات صلة