-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

أنقذوا الجامعة من جحيم السلفية الشاذة

أنقذوا الجامعة من جحيم السلفية الشاذة

يخطئ كثير من الباحثين والدارسين المتخصصين في مجال الجماعات السلفية الجهادية والعلمية –ولاسيما الجزائرية منها- عندما يحصرون الخطورة فقط في الجماعات السلفية الجهادية فقط، وينفونها ويبعدونها عن الجماعات السلفية العلمية الموالية للأنظمة العميلة للغرب، لأن السلفية العلمية هي المنبع الرئيسي والشلال الفكري الشاذ والغريب للسلفية الجهادية..

وكما قيل في المثل العربي (إتِني برافضيٍّ صغير أجعل لك منه زنديقا كبيرا)، فاتِني بسلفي علمي يُبدِّعُ ويُفسِّق ويكفِّر ويُخرِج من الملة لأتفه الأسباب.. أجعل لك منه سلفيا جهاديا تفجيريا داعشيا، هكذا قضت القاعدة السائدة من دراسة سلوك الجماعات السلفية الجهادية والعلمية، فتبدأ خطواته الأولى في حدود التكفير والتبديع والتفسيق والإخراج من الملة.. ثم الاعتزال والوحدة والنقمة والبراءة والخروج.. وهكذا حتى تتحول وتتفاقم الحالة النفسية والوجدانية والفكرية المعتوهة لديه ليُحوِّلَ تلك الأفكار إلى رصاص وبارود ومتفجرات داعشية، تحلم بالجهاد لتكوين دولة الخلافة…

كما يخطؤون في تقدير وتأثير وخطورة التيار السلفي على حاضر ومستقبل ومصير الأمة الإسلامية عموما، وعلى الخطاب الإسلامي الحنيفي الوسطي السمح نفسه خصوصا، كما يخطئون أيضا خطأ كبيرا في تقدير قدرته على تشويه وتبشيع صورة الإسلام والمسلمين الطيِّبة في العالم، وذاك هو مكمن الخطورة الذي يجب أن نتحسّسه ونتجسّسه عن قرب من خلال التعامل اليومي والمباشر مع أفراد هذا التيار المتحركين يوميا عبر مشروع نظري وشبكة سلوكية واجتماعية واقتصادية ومالية وكيدية مدروسة ومضبوطة ومعلومة ومحسوبة..

وجلُّ الباحثين والمطلعين على تقارير وكالات المخابرات العالمية يعرفون ما كان يدور في بداية الحرب الأفغانية بين أجهزة مخابرات عربية –لا نريد ذكرها لأنها في ورطة اليوم لا تُحسد عليها- وأمريكية صهيونية، بهدف ضرب وحدة العالم الإسلامي، وتفكيك عراه، واختاروا لذلك يومها سنة 1987م جناحا العالم الإسلامي (أفغانستان، الجزائر) كمخبر فئران تجرُبي يُنزِلون فيه خبثهم وكيدهم. وحصل ما حصل ورأينا كيف تحوّل المستنقع الجهادي الأفغاني يومها إلى مصبٍّ لكل الحالمين بدولة الخلافة، وبدا لهم يومها –عدا الشرفاء كالدكتور المجاهد عبد الله عزام- أن الجهاد ضد الشيوعية والتحالف مع الرأسمالية الأمريكية والصهيونية هو السبيل لتحرير فلسطين حسب الشعارات التي قدّمتها لهم مخابرات ذلك التحالف الآثم ليرفعوها ويُغروا بها كتائب المغفلين الجزائريين، الذين أشعلوا فتنة لن يغفر الله لهم كفاء أرواح الجزائريين الأبرياء التي أزهقوها تحت شعار (عليها نحيا وعليها نموت وعليها نلقى الله)، والتي مازلت آثارها وبقاياها تضطرم نيرانها إلى اليوم..

ولست هنا في معرض التقليل –وليس هذا هو المقصود- من دراسات وخلاصات وتقارير ونتائج وتوصيات الباحثين حيال هذا التيار الديني المتعصّب والمتشدد والشاذ والغريب والمنغلق والمنعزل.. حسب خبرتي العلمية والفكرية والمنهجية والدعوية والاجتماعية والنفسية فيه سنوات 1975-2021م، ولكنني فقط أردت أن أُنبِّه مجددا إلى أن السلفية العلمية ليس أقل خطرا من التيارات الشيعية والباطنية والحركات الهدامة كالقاديانية والبهائية والاسماعيلية..

وبعد سلسلةٍ من النقاشات والحوارات العلمية والمنهجية الحوارية والمكتوبة والمسموعة مع الطلبة والطالبات السلفية في كلّيتنا سنين طويلة، وفي مدرجات وقاعات الدرس العلمي الشرعي بيّنت لهم بالأدلة من الكتاب والسنة وفهوم وتطبيقات عصر الصحابة وأبنائهم وتابعيهم بإحسان أن تديُّنَهم هو عبارة عن خلاصة ما نبع من أفهام وأقوال رجال عصر الخمود والركود العلمي والأدبي والسيادي فقط، إذْ ليس لهم تدينٌ خاضع لسلطان الكتاب والسنة، وما من سلوك ديني فردي أو جمعي أو حكم يتبعونه، إلاّ وهو مخالف لظاهر السنة وللكتاب، فلا توجد لديهم حتى رؤية ظاهرية لتطبيقات الكتاب والسنة كما يدَّعون، فتديُّنُهم مجرد فهوم رجال من عصر الضعف والتقليد، ومن مخلفات عصر ما بعد سقوط بغداد بيد هولاكو سنة 656هـ 1258م ومن هجين ركام المدوّنات الصفراء ومنظومات عصر الجمود والتخلف.. وما من مسألة شرعية مأثورة ومؤصّلة بالكتاب والسنة، إلاّ ولهم فيها زيادة عن مدلولاتها البيانية الظاهرة، وتراهم يعدلون إلى الفهوم القاصرة والضنينة لعقول الرجال المكبّلين بهواهم وأسقامهم النفسية الخبيئة.

وبحكم مخالطتي شبه الدائمة بأعواد ثقاب وحطام وخشاش هذا التيار في قاعات ومدرجات الجامعة، وفي بيوت الله، وبحكم الدراسات والأبحاث التي أقمتها فيهم ونشرتها في مجلة جامعة الأمير عبد القادر المعيار وجامعة الأغواط وفي بعض كتبي، وبحكم مراقبتي العلمية المقصودة والدائمة وملاحظاتي لسلوكاتهم البشعة، وأخلاقهم وتصرُّفاتهم المشينة، حيث لا سلام ولا تحيّة ولا ردّ لها ولا ابتسامة ولا علاقة بشرية طيّبة تربطهم بغير السلفي المرضيِّ عنه من قبل زعيم الكيد والتآمر، هذا (الفركوس) الذي كفَّرَ أربعا وأربعين مليونا من الأمة الجزائرية مؤخرا وأخرجها من ملة الإسلام.. وللأسف فإنها مازالت صابرة على غيّه وعنجهيته الفارغة، ومازالت غير مكترثة به وبأتباعه الذين أيّدوا السلطان وأطاعوه كذبا وزورا على منهج الإسلام، ومازال يعتقد أنه على صواب وأربعا وأربعون مليونا فيهم العلماء والأكابر والفضلاء والخيّرين.. على خطإ.

ويدخل عليك طالبٌ سلفي المدرج أو قاعة الدرس وهو يجرُّ بقايا شبشب بلاستيكي قديم وبقدمين وسختين.. وكأنه ذاهبٌ إلى بيت خلاء أو ميضأة، دونما حياء أو حشمة من بقية الحاضرين والحاضرات، وإن سألته ما هذا الزي المشوش؟ يجيبك بسرعة: إنها إحياء سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولو بادرته –وهكذا أفعل بداية كل سنة جامعية مع المغفلين منهم- إن من سنته سنة الأضحية وقد ذبح بيديه الكريمتين كبشين أقرنين أملحين، فهل تعرف سنة الذكاة والذبح؟ وهل تعرف بابهما في كتب الفقه وأين ترتيبه؟ فيسكت ويقول: لا، وإن قلت له: إن من سننه عليه الصلاة والسلام غراسة الأشجار وإماطة الأذى ونصرة المظلوم والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومقاومة السلطان الظلوم الغشوم والأخذ بيد الضعيف والعطف على الأعمى والأعرج والمريض و.. فيخفض رأسه، في مشهدٍ مسرحي أُمثله –مكرها ومتأسفا- بداية كل سنة مع هذه الفئة المغرر بها، لأقيم عليها الحجة، فيستفيق منه النابهون، أما الأغبياء والحالمون فلا يقاطعون الدروس والمحاضرات فقط، بل يُنصِّبون أنفسهم للدعوة المضادة في الأحياء الجامعية ضد هؤلاء الأساتذة غير السلفيين، ويقومون بتصنيفهم؛ فهذا صنفٌ من الأساتذة صوفيٌّ مشرك، وهذا صنف من الأساتذة أشعري ضالّ، وهذا صنف من الأساتذة إباضي معتزلي منحرف، وهذا صنف من الأساتذة إخوانيٌّ عدو يجب استئصاله، وهذا رئيس قسم أو عميد نتّقيه ونداهنه من أجل نيل الشهادة الجوفاء.. وهذا.. وهذه هي كل نشاطاتهم اليومية.

اتِني بسلفي علمي يُبدِّعُ ويُفسِّق ويكفِّر ويُخرِج من الملة لأتفه الأسباب.. أجعل لك منه سلفيا جهاديا تفجيريا داعشيا، هكذا قضت القاعدة السائدة من دراسة سلوك الجماعات السلفية الجهادية والعلمية، فتبدأ خطواته الأولى في حدود التكفير والتبديع والتفسيق والإخراج من الملة..

وفي بداية استفحال الظاهرة في الجامعة الإسلامية سنوات 1997م إلى اليوم كنا نحسب على حسن نيّاتنا أننا بمجرد مناقشتهم ومحاورتهم بالدليل من الكتاب أو السنة سيقتنعون، يثوبون إلى طريق الحق، وينقلبون عن هذه الحالة النفسية والوجدانية والاعتقادية والسلوكية المزرية، بحيث ما تركنا لهم مسألة يثيرونها إلاّ وتناولناها معهم بالدليل من الكتاب والسنة، وبأقوال أعمدة وعلماء العلم من السلف والخلف الصالح من أمة محمد صلى الله عليه وسلم.. ولكن بعد معالجة فكرية وعلمية دامت لأكثر من عقدين من الزمن تبين لي أنهم مجموعة من الأعوان المستأجَرين من قبل قوى الشر والظلامية الداخلية والخارجية هدفها الأول والرئيس هو تعكير المشهد الديني على الدعاة، وشغل الأمة الجزائرية بالصراعات الهامشية، وإلاّ فما يعني أن يجلس هذا جلسة الاستراحة والآخر يقوم تابعا للإمام؟ وما يعني أن هذا يقنت والآخر لا يقنت، وأن هذا يرفع يديه للدعاء والآخر لا يرفع؟ إنها مجرد مسائل فقهية ينتظمها علم الفروع والأدلة الظنية، فهي أحكامٌ شرعية اختلف كبار الأئمة والفقهاء في قراءة وسوق وتنزيل الدليل، فمنهم من أطلقه ومنهم من قيده، وهكذا سائر المسائل الفقهية التي تحكمها الأدلة الظنية، فهي ليست بحاجة إلى هذا الاحتراب والفتنة والصراع.

هؤلاء الحالمون لا يقاطعون المحاضرات فقط، بل يُنصِّبون أنفسهم للدعوة المضادة ضد الأساتذة غير السلفيين، ويقومون بتصنيفهم؛ فهذا صنفٌ من الأساتذة صوفيٌّ مشرك، وهذا أشعري ضالّ، وهذا إباضي معتزلي منحرف، وهذا إخوانيٌّ عدو يجب استئصاله.. وهذه هي كل نشاطاتهم اليومية.

وليت الأمر بقي حبيس المساجد والفضائيات ومواقع التواصل الاجتماعي والإعلام الإلكتروني والشبكي فقط، بل انتقل إلى مدرجات الجامعة، ودخل أتباع فركوس يفسدون ويخربون النشاط الجامعي، حتى خلت المدرّجات من طلبة العلم، واقتصر حضورُهم على الحصص التطبيقية، بحيث يغيبون ما يسمح به القانون، حتى يقللوا من الاحتكاك بالأساتذة “المبتدعين والفاسقين والكافرين والمشركين” بزعمهم، وهم يعلمون أنهم دخلوا الجامعة الإسلامية وليس فيها أستاذٌ سلفي واحد، فإلى الله المشتكى من هؤلاء الجاحدين لفضائل هذه الأمة وهذا الوطن عليهم، وإلى شرفاء الجزائر وأحرارها، وعلى السلطات أن تضع حدا لهؤلاء المأجورين الذين رفضوا الانصياع للدليل الشرعي، وللحجة البالغة، ولتعاليم الإسلام السمحة، ولشروح أئمة الفقه والهدى أبو حنيفة النعمان ت 150هـ، مالك بن أنس ت 179هـ، محمد بن إدريس الشافعي ت 215هـ، أحمد بن حنبل ت 246هـ)، وأن ينقذوا الجامعة والمشهد العلمي من غطرسة وتشويش وتعطيل أعواد ثقاب الفتنة السلفية التكفيرية الآثمة، التي هي طريق صناعة الشذوذ والمرض الداعشي.

وقبل أن أترك القلم أدعوهم إلى مناظرة ومناقشة علمية ومنهجية عامة يكون الاحتكامُ فيها للكتاب والسنة وفهم وفعل الصحابة وجيل التابعين، وستكتشف الأمة كم هم بعيدون جدا عن فهم الكتاب والسنة حق فهمها، وأنهم لا حجة بيّنة لهم، ولا اتباع لهم سوى أقوال الرجال، فما من مسألة برعوا فيها، إلاّ وهي مخالفة للكتاب والسنة وللسلف الصالح من جيل التابعين، بل مزيدة عليها بأقوال الرجال المتأخرين.. اللهم اشهد أني بلغت.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
7
  • عبد الرحمن

    كان الأولى أن تحذر من مظاهر تحكيم غير شرع الله كإرساء نظام الدمقراطية(الحكم للشعب) والله يقول في كتابه: (إن الحكم إلا لله) وكذلك تحذر من مظاهر الشرك ودعوة الأموات ومظاهر السحر والشعوذة وتحذر من البنوك الربوية ومظاهر الفسق والفجور... لكن الظاهر أن السلفية كشفت باطلكم وأبعدت الناس عن كذبكم وزوركم وتعميتكم ولهذا صحتم عليها صيحة رجل واحد، ولا غرابة فالصياحة تكون على قدر الألم، وولله لنحذرنّ منكم يا إخوان يا مفلسين ولو تخطفتنا الطير ولنأمرن بالمعروف ولننهين عن المنكر رغم أنوفكم، وقانا الله شركم ولا تزيدنا هذه المقالات إلا ثباتا ودعوة للحق وإشفاقا على الناس والأخذ بأيديهم إلى بر الأمان إلى سنة نبينا صلى الله عليه وسلم أنتم مشكلتكم مع سنة النبي صلى الله عليه وسلم لم تستطيعو الالتزام بها فحاربتم أهلها

  • abdelfetah

    شكرا لك استاذ فهم الخطر الداهم على الإسلام. وكل من لديه فطرة سليمة ادرك ذلك. واعقب على كلامك لأقول اصبت في تحليلك داخل اسوار الجامعة ولكنك جانبت الحقيقة خارج اسوارها.. مشكلتنا أننا بتنا نعرف من أين يأت الشرو من له مصلحة في كل هذا سواء في الداخل او الخارج ونتجنب الحديث عنه كل حسب مطمعه.

  • عبد الله

    للكاتب ان كان همك القيم والاخلاق تكلم على اللبس الفاضح والفيزو

  • طارق بن زاوي

    هات يا هذا مثالا واحدا لمسالة علمية عقلية ناقشت فيها سلفيا عالما و افحمته

  • محمد

    السفلية هي المنهج الصحيح وهي الفرقة الناجية والشيخ فركوس حفظه الله عالم من علماء الأمة وليشهد الله انك فرقت لا بلغت وعليك من الله ما تستحق

  • محمد

    السلام عليكم هنا نوقفت عن القراة " وإن قلت له: إن من سننه عليه الصلاة والسلام غراسة الأشجار وإماطة الأذى ونصرة المظلوم والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومقاومة السلطان الظلوم الغشوم" الى ما تقصد حين قلت "مقاومة السلطان الظلوم الغشوم" هل تدعوا الى الثورة؟ هل هذا نهج النبي عليه الصلاة والسلام؟

  • نحن هنا

    وما علاقة فركوس بالجبهة الاسلامية للانقاذ لقد ألبست الحق بالباطل ياهذا