الرأي

أنقذوا الحراك الشعبي من دعاة العصيان المدني

محمد بوالروايح
  • 1343
  • 13
ح.م

بدأ الحراك الشعبي في الجزائر عفويا،لم تنتجه جهة ولا هيئة ولا شخصية،و انضمت إليه جميع فئات الشعب عن عفوية وعن طواعية فلما بلغ جمعته الرابعة والعشرين أو قبل ذلك بقليل،بدأت تتسلل إليه دعوات مشبوهة ومسمومة ومعزولة لا يريد أصحابها خيرا للحراك ولا للجزائر، دعوات صريحة إلى العصيان المدني الذي يعدونه مخرجا آمنا للأزمة التي نعيشها من باب -كما يقولون- ” آخر الدواء الكي”.

لقد طفق هؤلاء يستشرفون مسار العصيان المدني الذي يكون-حسبهم- جزئيا محدودا في البداية حتى إذا وجد الشعب إصرارا من النظام على سياسة تجاهل مطالب الحراك جاز له بعد ذلك الانتقال من العصيان المدني المحدود إلى العصيان المدني غير المحدود. يحاول دعاة العصيان المدني التهوين من آثاره السياسية والاجتماعية والاقتصادية فيسوقون صورة مغلوطة عنه بأنه ليس إلا مجرد وسيلة من وسائل التغيير التي لا مناص منها من أجل الحفاظ على كينونة المجتمع والدولة ضد عصبة الأوليغارشيا الحاكمة والمتسلطة على البلاد والعباد، فالعصيان المدني في نظرهم وسيلة ضرورية في حالة تعنت النظام غير مكترثين بما يترتب عن هذا العصيان المدني من شلل اجتماعي عام قد تكون أهون نتائجه إضعاف الاقتصاد الوطني وإدخال المجتمع برمته في دوامة يتسع معها شرخ الأزمة التي قد تعصف بما بقي من قدرات ومقدرات الأمة.

إن العصيان المدني لا يأتي بخير وهذه هي الحقيقة التي نريد أن يفقهها ويعيها الداعون إليه، فأي خير يرتجى من تعطيل الموانئ والمطارات وغلق المؤسسات؟ وأي خير يرتجى من عصيان مدني يخرج فيه المواطنون في عطلة مدفوعة الأجر –عفوا- مدفوعة الوزر لما تخلفه من دمار على مختلف الأصعدة. لقد جرب العصيان المدني في أكثر من دولة ولكنه لم يأت بنتيجة واضطر دعاته في النهاية تحت ضغط عامل الوقت وحالة المقت العام إلى العودة إلى الرشد السياسي والتفكير في وسائل أخرى بديلة أكثر عقلانية وواقعية، وهذه هي الحقيقة التي يجب أن يعيها دعاة العصيان المدني عندنا الذين اتخذوا من الفنادق مكانا لتشويه الحقائق. إن دعاة العصيان المدني يرومون ضرب الحراك وخلخلة صفوفه وزرع الفرقة بين مكوناته حتى وإن ادعوا خلاف ذلك. إن العصيان المدني مفسدة ولذلك فإن تطبيق قاعدة “درء المفاسد مقدم على جلب المصالح” أمر ضروري في هذه الحالة من أجل إنقاذ الحراك والحفاظ على سلميته، فما قيمة أن نحقق مرادنا الشخصي ونهدم كياننا الجمعي؟، وما قيمة أن نحرز النصر السياسي –على افتراض حدوثه- ونفقد العقد الاجتماعي؟، وما قيمة أن نمكن لفكرتنا من خلال العصيان المدني ونفقد وحدتنا؟، وما قيمة أن نرث السلطة ونفقد الدولة ؟. إن الدعوة إلى العصيان المدني ليست دعوة بريئة لأنها لا تخدم الوطن ولا المواطن بل تهدم ما بقي من عرى اجتماعية وشعرة معاوية بين مكونات المجتمع الجزائري، شعرة معاوية التي نريدها أن تبقى من أجل إعادة بناء الثقة بين شركاء هذا الوطن الذين فرقتهم السياسات وأغرت بينهم العصابات، ونريدها أن تبقى من أجل إنقاذ الحراك والوصول به إلى بر الأمان. لست ممن يحاكم النيات ولكنني أجزم بأن دعاة العصيان المدني فئة متسللة تريد تأزيم الوضع السياسي وتفجير الحراك الشعبي من الداخل، ويحضرني هنا ما يقوله ويكتبه محمد العربي زيتوت الدبلوماسي الأسبق الذي ليس له اهتمام هذه الأيام إلا التفكير في تفعيل العصيان المدني الذي يقول عنه إنه أضحى مطلبا حراكيا ومجتمعيا أمام تعنت السلطة ورفضها الاستماع والانصياع لمطالب الحراك بضرورة نقل السلطة إلى الشعب لأنه مصدر كل سلطة. إن تكريس سلطة الشعب حقيقة لا نختلف حولها لأنها مكرسة بنص الدستور وبقوة القانون، ولكن هناك فرق بين تكريس السلطة وتكريس الفوضى الاجتماعية من بوابة العصيان المدني أو أي شكل آخر من أشكال التغيير غير الديمقراطي.

لمحمد العربي زيتوت تصريحات نارية صادمة بشأن العصيان المدني، ومن ذلك قوله: “.. العصيان المدني يمكن أن تكون بدايته بأشياء بسيطة من بينها أن يكون هناك إضراب عام، شركات مطارات،موانئ، كل شيء يتوقف، من الأفضل أن نتوقف يومين أو ثلاثة أو أربعة أيام على أن تظل بلدنا متوقفة كما هي الآن منذ خمسين سنة خاصة في السبعة وعشرين سنة الأخيرة، يكون هناك إضراب عام شامل، هناك اقتراح آخر وهو أن يكون هناك إضراب جزئي فتبقى المدارس والمستشفيات والمطافئ وضمان الحد الأدنى من الخدمة، وهناك رأي آخر أن يكون هناك عصيان مدني متدرج يبدأ جزئيا ثم يتسع ليصبح عصيانا مدنيا شاملا، يمكن لأي مقترح من هذه المقترحات أن يمضي، وأنا شخصيا أميل إلى الرأي القائل بالتدرج في العصيان المدني لأن هدفنا الضغط عليهم ليستمعوا إلى الشعب وليس توقيف الحياة وإن كانت الحياة مجمدة ومحنطة”. كلام محمد العربي زيتوت عما سماه “العصيان المدني المتدرج” كلام مثير للسخرية،و خاصة حينما يقول إن العصيان المدني يمكن أن يبدأ بأشياء بسيطة مثل توقيف العمل في الشركات والمطارات والموانئ، كل هذا في نظره أشياء بسيطة مع أنها تعني في التداول الاقتصادي شللا اقتصاديا منهكا للاقتصاد ومضرا بمصالح البلاد والعباد، ولا يمكن جبر هذا الشلل الاقتصادي بما سماه محمد العربي زيتوت” ضمان الحد الأدنى من الخدمة” لأن ضمان الحد الأدنى من الخدمة لن يعوضنا الحد الأقصى من الخسارة الاقتصادية التي تلحق بالمؤسسات الوطنية القائمة والعاملة. إن الدعوة إلى العصيان المدني على طريقة محمد العربي زيتوت ومن لف لفه يعني ببساطة أن الجزائريين لا يحسنون ثقافة الحوار وأنهم لا يصلحون لإدارة هذا الحوار بالكيفية المطلوبة من أجل تحقيق الغايات المنشودة، ويعني كذلك أن الجزائر تفتقد إلى العقلاء والحكماء الذين يمكنهم إخراج الجزائر من هذه الأزمة، ويعني كذلك أن النخبة الجزائرية عاجزة عن إيجاد البدائل والحلول الممكنة لحلحلة هذه الأزمة. إن ثقافة العصيان المدني التي يتحمس لها محمد العربي زيتوت سواء العصيان الجزئي أو العصيان الشامل لن تزيد إلا في تعميق الأزمة بفتح جبهات أخرى للمواجهة البينية والتي ستكون نتيجتها الحتمية إعادتنا إلى نقطة البداية وبدرجة أشنع وأفظع، لذلك أنصح محمد العربي زيتوت أن يسير في اتجاه الحلول الممكنة والمضمونة وليس في اتجاه الحلول المنهكة وغير مضمونة العواقب.

مقالات ذات صلة