-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

الإسلام يحترم العلم وحقائقه

بقلم: الشيخ محمد الغزالي رحمه الله
  • 225
  • 0
الإسلام يحترم العلم وحقائقه

نحن نحترم العلم وحقائقه وننزل على حكمه، ونرفض كل تدين أو تقوى بينهما وبين المنطق العقلي جفوة.. قال لي أحد الشيوخ الكبار: كنت في الهند، ووقفت عند راهب في صومعته منصرف عن الدنيا، واستمعت إليه ينفخ في الناي فسرق قلبي، وكان معي أمين الجامعة العربية فرَنا إليه كما فعلت. كان سمته المستعلي على الحياة، ولحنه المنبعث من الأعماق يهزنا هزا، وما ملكنا أعيننا من أن تذرف الدمع، ولا أفئدتنا من أن تغزوها الرهبة.. ولم أستغرب الواقعة المروية، ولا أثر الموسيقى في صبغ النفوس بشتى المشاعر، وذكرت بيتا من قصيدة للعقاد يصف ذلك:

تهزين أعطاف البخيل فيكرم * ويصغي إليك المشمخر فيرحم.

بيد أني تساءلت: ما خطب هذا الراهب المتحنث في صومعته؟ من يعبد؟ أيعبد الله الأحد الذي لا إله إلا هو؟ أم يعبد إلها مثلثا له ثلاثة رؤوس وثلاث زوايا وإن كان مثلثا واحدا؟ أم يعبد مظاهر الوجود في الجرثومة الزاحفة والنجمة السارية؟ ترى ما الذي يملأ قلبه بالشجن؟ أيبكي مصيبة نزلت به خاصة؟ أم يبكي مآسي البشرية التي تزحم القارات؟ إنني لا أعرف دخيلة هذا الراهب، ورأيت أن أبدي ما عندي للشيخ الكبير فقلت له: مع أني حاد العاطفة إلا أن الدليل العقلي أرجح عندي من صوت المزمر الحنون! وأنا أرفض قبول عقيدة خرافية تنساب مع صوت شجي. إن الهيام الروحي وراء وهم خادع كالهيام الجنسي وراء عشيقة محرمة؟ لابد من احترام صوت العقل أولا وآخرا، هذا ما تعلمناه من كتابنا العظيم.

ألقيت محاضرة مطولة عن “أولي الألباب ” في القرآن الكريم. إن هذه الكلمة تكررت نحو خمس عشرة مرة. وفي كل موضع كان السياق يضم مجموعة من الشمائل، أو يشير إلى خلة من الخلال التي يعلو بها قدر الإنسان فكرا وخلقا معا. أولو الألباب هم أهل الخطاب وموضع الثقة وعليهم المعول في قيادة الدنيا بالدين.

وقد رأيت ناسا طيبين، شديدي الثقة بطيبتهم، يستمدون منها حكمهم على الأشخاص والأشياء، وربما صدرت لهم أحكام بالطيبة والخبث أو الحل والحرمة أو التقديم والتأخير لا مصدر لها إلا ذوقهم ومزاجهم! وهذا مسلك قد يصل بذويه إلى الزيغ أو الدجل. وعندما أتدبر أزمة الإيمان في عالمنا المعاصر أو أزمة التدين خلال تاريخ الإنسانية الغابر، أشعر بأن أصل البلاء نجم عن أقوام يظنون حكمهم على الأمور هو حكم الله، ووصايا المرسلين.. وينبغي التوكيد باستمرار على أن الحكم الشرعي هو “خطاب الله المتعلق بأفعال المكلفين”، كما يعبر علماء الأصول، وأن استفادة هذا الحكم هي من الله ورسوله، أي من الكتاب والسنة، وأن الوسائل العلمية المحترمة هي الطريق الفذ لهذه الاستفادة. فليس لأحد أن يقول: نفث في روعي كذا! أو ألهمت كذا، أو رأيت في منامي كذا، أو روى قلبي عن ربي كذا! فذلك كله فوضى مردودة. (محمد الغزالي: دستور الوحدة الثقافية بين المسلمين).

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!