الرأي

أولمبياد الرياضيات: أحوال التدريبات

تابع ألمع التلاميذ القادمين من مختلف أنحاء القطر خلال الأسبوع الماضي في ثانوية الرياضيات بالقبة أول تدريب لخوض غمار منافسات الأولمبياد العالمية في الرياضيات خلال شهر جويلية 2016. وكانت وزارة التربية قد استحسنت النتيجة التي تحصل عليها نجباؤنا خلال جويلية 2015 في هذه المنافسات، ولذا تحمست وهي تسعى جاهدة إلى معاودة الكرة وتسجيل نتائج أفضل.

كان قد تقرر في جويلية الماضي إجراء اختبار على المستوى الوطني لأنجب التلاميذ في المرحلة الثانوية والرابعة متوسط لانتقاء نخبة تتكون من نحو 60 تلميذا تتابع التدريبات المعلنة. وقد تم ذلك يوم 19 سبتمبر ونجحت الوزارة في استقدام هؤلاء التلاميذ، رغم ضيق الوقت، من مختلف ولايات القطر يوم السبت 26 سبتمبر إلى ثانوية الرياضيات، وانطلق التدريب بمعدل 7 ساعات يوميا خلال 5 أيام. 

كما دعت الوزارة عددا من مفتشي الرياضيات عبر الوطن (لا ندري كيف تم انتقاؤهم) لمتابعة هذا التكوين لعلهم ذات يوم توكل إليهم هذه المهمة. كل هذا أمر جميل يُشكر عليه طاقم الوزارة، والوزيرة بصفة خاصة، التي تابعت شخصيا هذه العملية.

ورغم هذه الجهود فهناك نقاط ينبغي الإشارة إليها : 

1. من حيث التنظيم قبل بدء التدريب : فالواقفون على العملية أدرى بما تم الاتفاق عليه في شهر جويلية لتسيير العملية، وكيف تغيّر الحال بشكل محيّر خلال الصيف وعشية بدء التدريب، واتخذ مجرى آخر يصعب على المتتبع هضمه. لكننا نقول الآن : بما أن التدريب سار في ظروف جيدة، وهذا الأهم، فيمكن أن نغض الطرف على ما فات متمنين أن يعمل القائمون على الأولمبياد في جو يسوده التضامن على جميع المستويات، وهو ما سيزيد بدون شك، في حظوظ نجاح العملية مستقبلا.

2. من حيث فئة التلاميذ ونوع التدريب : فإنه من غير المنطقي أن نضع في تدريب كهذا تلميذ الرابعة متوسط إلى جانب تلميذ الثالثة ثانوي، ونطلب منهما استيعاب مضمون تدريب من هذا القبيل… حتى لو كان الأمر يتعلق بعباقرة. نحن لا نريد استبعاد هذا أو ذاك، لكننا نقول إن لكل من الفئتين خصوصياتها تستدعي مستوى معين من التدريب. ووضع الفئتين أمام نفس المدرب وفي نفس الحجرة يجعل المدرب في حرج، ويحول دون التقدم بالسرعة التي يريدها ويخسر بذلك طائفة من التلاميذ اللامعين : فهل يركز خلال الخطاب على تكوين تلميذ الأهلية أو تلميذ البكالوريا؟ 

لذا فالأجدر أن تسعى الوزارة مستقبلا إلى فتح تدريب فئتين : فئة المرحلة المتوسطة (ولنقل نخبة من ألمع تلاميذ السنتين الثالثة والرابعة متوسط) بالموازاة مع فئة ألمع تلاميذ المرحلة الثانوية. وهذا هو المعمول به في بلدان سبقتنا في هذا المضمار.

3. المنافسات في مجال الرياضيات كثيرة ومتعددة (شأنها شأن المنافسات في كرة القدم مثلا). فيمكن أن تكون ولائية، جهوية، وطنية، إقليمية، مغاربية، عربية، إفريقية، متوسطية، بلقانية، …، عالمية. ولكل نوع من هذه المنافسات خصوصياته وفوائده. وحتى يتحمس ويهتم أكبر عدد ممكن من التلاميذ بالعلوم، من المهم أن تشارك الجزائر في العديد من المنافسات وتوزع نخبها في هذه المشاركات حسب مستوياتهم.

4. ليس سرا أن المدرب، الدكتور مليك طالبي، الذي قام بهذه المهمة تطوعًا خلال السنة الماضية وخلال هذه السنة هو مدرب الفريق السعودي الذي حقق في ظرف سنوات نتائج لم تبلغها الدول المتقدمة. وبهذا الصدد نشير إلى أن الكثير من الزملاء الأساتذة (ومنهم كاتب هذه السطور) كانوا يعتقدون أن التدريب يتمثل في طرح وحل نوع من التمارين الصعبة لهؤلاء التلاميذ وإشراكهم فيها. غير أن من يحضر جانبا من التدريب يتفاجأ بمدى سوء تقديره لنوعية التدريب. فليس من رأى كمن سمع، وليس كل “فاهم” في الرياضيات قادرا على مثل هذا التدريب! 

وعليه ندعو وزارة التربية أن تعمل على أن يتم تكوين مجموعة من المفتشين والأساتذة ليصبحوا مدربين على مستوى مقاطعاتهم (في مرحلة أولى) وأن يشاركوا الزميل مليك طالبي لاحقا في مهمته.

5. إذا كنا هنا نتحدث عن الرياضيات فليس هناك مبرر ألا نبحث عن نخب أخرى تبرز في سائر العلوم (فيزياء وكيمياء وعلوم طبيعية وآداب وفلسفة…). نعتقد أن من مهام القائمين على سلك التعليم بكل مراحله هو البحث عن النخب في مختلف المجالات والعناية بهم.

6. النقطة السوداء في هذه العملية أنها لا زالت تتكل على التطوع في تدريب النخبة التي تمثل البلاد عالميا في مجال علمي، بينما ندفع الملايين والملايير لنخبنا التي تمثلنا في ألعاب الكرة! وليسمح لي القارئ أن أذكر بأن المدرب مليك طالبي الأستاذ بجامعة الرياض، قدم منذ السنة الماضية 5 مرات إلى العاصمة لتدريب التلاميذ، وحقق فريقنا أفضل نتيجة عرفتها الجزائر بفضل هذا التدريب، والطموح يتزايد هذه السنة لتسجيل نتائج أفضل… والمشوار لا زال طويلا حيث من المقرر أن يأتي 3 مرات أخرى قبل جويلية القادم (موعد المنافسات) لاستكمال التدريبات، منها فترة قد تصل إلى 3 أسابيع. 

كل هذا يحدث دون أن تدفع السلطات الرسمية أو الخاصة مقابلا لتكاليف سفره أو إقامته، ولا علاوة مادية على جهوده. ومن حسن حظ الجزائر ونخبة التلاميذ أن مليك طالبي من العاصمة، وعندما يأتي لمهمة التدريب يقيم عند أهله وذويه، ويستخدم سيارتهم للتنقل من مكان التدريب إلى بيت الأهل!! 

تساؤل ونداء : كيف للسيد الوزير الأول أن يكرّم هذا الزميل في جويلية الماضي صحبة التلاميذ المتفوقين ولا يأمر طاقمه أن يحل هذه القضية المادية البسيطة؟ أهلْ هذا هو مضمون النداء -الذي طالما وجهه رئيس الوزراء للتلاميذ والمسؤولين في كل مرة- ليطالبهم بالاعتناء بالعلوم والتكنولوجيا وأهلها؟ كيف يجد هؤلاء المسؤولون السبل السخية لاستقدام مدربين لمختلف الفرق الرياضية الجهوية والوطنية ويعجزون في إيجاد سبيل واحد للتعامل مع مدرب فريق وطني لمنافسات عالمية في المجال العلمي؟ إننا نريد أن تكون السلطات منسجمة في مساعيها حتى لا تفشل العملية، سيما إذا ما تعلق الأمر بموضوع هام يمس المستقبل العلمي للوطن. 

مقالات ذات صلة