-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
محمد حمى العمري التبسي..

أول رئيس بلدية جزائرية في انتخابات 19 اكتوبر1947

أول رئيس بلدية جزائرية في انتخابات 19 اكتوبر1947

ولد المناضل محمد العمري الشهير لدى عامة التبسيين بـ(حمّى العمري) بن السعيد بن الساسي وفطيمة بنت علي لعريبي بقصبة مدينة تبسة العتيقة يوم 13/11/1899م  في أسرة ميسورة الحال تشتغل بالتجارة وتملك من الأراضي الزراعية المساحات الواسعة في وادي سهل جربوع من عرش أولاد دراج العربية التي استطونت منطقة تبسة مطالع الستينيات من القرن التاسع عشر. وبعد احتلال الفرنسيين لمدينة يوم 31 ماي 1842م على يد الرائد الفرنسي (دو نقريي).

ويعود سبب تواجد قبيلة أولاد دراج بسهول تبسة كونهم أرغِموا على استيطان تبسة وترك أراضيهم بغرض حماية وحراسة الأراضي التي احتلها المعمِّر الفرنسي “كامبو” في منطقة تبسة، والتي كانت في إغارة وهجومات دائمة من أهلها حتى أتى بقبائل أولاد دراج لحراستها مجَّانا مقابل استثمارها والعمل فيها.

وللتوضيح أكثر فهؤلاء الدرارجة الذين رُحِّلوا إليها بعد منتصف القرن التاسع عشر بعد ثورتهم ضد الاحتلال الفرنسي أواخر سنة 1860م ومقاومتهم الوجود الاستعماري، وقيل: بعد فشل ثورة الطريقة الرحمانية بقيادة الشيخ عزيز الحداد ومحمد المقراني سنة 1872م وقيل: بعد فشل ثورة بوخنوش المحلية في سهل الحضنة، وقيل: إنهم جاؤوا فارّين أو حجاجا لبيت الله الحرام فاستوقفتهم السلطات الاستعمارية ووطّنتهم في تراب (بن فاليي) وهو الضابط الفرنسي الذي قام برسم الحدود سنتي 1854-1860م ولذا سمي ذلك المكان بتراب (بن فاليي) إلى اليوم.. وتجاورت هي ورفقة بعض العشائر الأخرى التي أسكنتها الإدارة الفرنسية الأراضي السهلية الواقعة بين سلسلتي جبال الدكان وبورمان وقوراي بين قبيلتي النمامشة وأولاد سيدي يحيى، وبعد أن عملت على تقليص نفوذ قبيلتي أولاد عبيد والفراشيش.  كما أحضرت الإدارة الاستعمارية ليجاورهم في المنطقة بطونًا من عشيرة أولاد ملول الشاوية لتستوطن بلدة وسهل بكارية.

وبمدرستها الأهلية، تلقى تعليمه الابتدائي والإعدادي، وحاز على الثقافتين العربية والفرنسية، ووُظِّف عاملا في قطاع السكك الحديدية بمحطة تبسة، وانضمّ لصفوف حزب الشعب الجزائري مبكرا منذ تأسيسه في سنة 1937م، وظل يناضل في صفوفه حتى توقيفه سنة 1939م، ثم استمر يناضل فيه بصفة سرية إلى غاية بعثه مجددا سنة 1946م تحت اسم (حركة انتصار الحريات الديمقراطية)، ثم صار رئيس قسمة حزب حركة انتصار الحريات الديمقراطية بتبسة، ثم عضوا في اللجنة المركزية للحزب، وكان من أنصار الزعيم مصالي الحاج (المصاليين)، يقتفي أثره ويقلده حتى في لباسه ولحيته وطربوشه العثماني الحميدي الأحمر اللون، إذ كان مقر الحزب في ساحة الديوانة بتبسة، ودخل انتخابات سنة 1946م وصار عضوا منتخبا في المجلس الشعبي البلدي بتبسة.

وبعد صدور دستور 1947م الذي يتضمن بعض الإصلاحات في الجانبين المحلي والنيابي شارك في انتخابات 19 أكتوبر 1947م وترشَّح لمنصب رئيس بلدية تبسة ودخل الانتخابات ونجح فيها ليصير أول رئيس بلدية عربي وحيد منتخب في الجزائر كلها على الرغم من شراسة وتعدد ومنافسة المترشحين الآخرين من حزب البيان الديمقراطي والحزب الشيوعي وجماعة النخبة ولاسيما المعمِّرين الفرنسيين، وذلك بسبب مؤازرة كل سكان تبسة له ومنحه أصواتهم، وقد وقف معه الشيخ العلامة (العربي بن بلقاسم التبسي 1889-1957م) وطلب من سكان تبسة انتخابه لأنه أهلٌ لهذه المَهمَّة ولمنافسة المرشحين الآخرين المنتمين لجماعة البيان والنخبة الاندماجية والحزب الشيوعي والمعمِّرين الفرنسيين.

وقد دخل بقائمة حزبية ضمَّت خيرة مناضلي حزب حركة انتصار الحريات الديمقراطية بتبسة، مكوَّنة من شخصيات نضالية قمنا بترجمة للكثير منها في كتابنا (مدينة تبسة وأعلامها).

والكثير من هؤلاء المناضلين كان لهم الفضل في الانخراط في مشروع نهضة تبسة الحديثة في ثلاثينيات وأربعينات القرن الماضي، وقد عرَّفني عليهم والدي لأنهم من جيله وأبناء بلدة واحدة.

وقد تعدّدت مساهماتهم النضالية والخيرية في تأسيس المدارس العربية الحرة والنوادي والفرق الرياضية والكشفية التي عرفتها تبسة.

تبسة خلال الحربين العالميتين:

وقد عانى سكان مدينة تبسة كغيرهم من الجزائريين الأمرِّين خلال الحربين العالميتين (1914-1918م/1939-1945م)، ودفعوا فوق تضحياتهم للدفاع عن شرف فرنسا الاستعمارية المهدور في خطوط وجبهات الدفاع الأولى، نقص المواد الغذائية التي كانت تباع بالتقسيط والتهريب، وتوزَّع مواد ببطاقات التموين، وارتفاع أسعار المواد الغذائية والندرة وانتشار ظاهرة التقشف، والانتشار الواسع للسوق السوداء، وما ترتَّب عن ذلك من عواقب وخيمة على سكَّانها، وقد كانت بعض الأسر الميسورة تتدبر أمورها في الحصول على بعض المواد التموينية الغذائية الضرورية بشتى الطرق، بينما كان بقية أفراد الشعب يغرقون في الفقر والحرمان والجوع والعراء والأمراض ونزول الأوبئة والذل والإحباط، ولم يكن يختلف وضع الجزائريين الاجتماعي والاقتصادي عن غيره في سائر أنحاء القطر الجزائري.

وفي هذا الصدد كان والدي (محمود بن علي بن أحمد عيساوي) رحمه الله (1927-2000م) يحدِّثني لمَّا أسأله عن طفولته البائسة فعلا في ظل الاحتلال الفرنسي البغيض (1927-1942م) بتبسة المتَّسمة بالفقر والجهل والأمية والضياع والقهر والمسخ والتشويه الاستعماري، وماذا كانوا يأكلون ويرتدون ويلبسون من شدة الفقر، وللتاريخ نسجل هذه الومضة التاريخية السوداء عن حقيقة الاستعمار الفرنسي البشعة في الجزائر الجريحة، فقد سرق جدي رحمه الله (علي بن أحمد المدعو الغول 1875-1961م) خيمة للأمريكان وقامت جدتي (جباري الزهرة بنت بلقاسم 1900-1988م) بخياطة تلك الخيمة لباسا لأطفال حي الزاوية ومنهم والدي. وكيف كانت تأتي إليهم المبشِّرة (السيدة بيلا) بأساليب ودّية ماكرة، تلك المبشرة التي تحدث عنها المفكر العالمي مالك بن نبي في مذكراته، وكيف كانت تأتيهم بشتى صنوف الحلوى والخبز والشكولاته، وتطلب منهم أن يأتوا إلى مدرستها ليتعلموا ويحصلوا على الألبسة والأدوات المدرسية والطعام، وكيف يحتالون عليها فيأخذون منها ما تقدِّمه لهم، ثم يقفون بعيدا منها ويقولون لها: ((سيدة بيلا نحن مسلمون، أشهد أن لا إله إلاّ الله وأشهد أن محمدا رسول الله)) ثم يفرُّون هاربين فرحين بالألبسة والحلوى.. وللأسف الشديد فقد ارتدّ أحدُ شباب تبسة وصار مسيحيا، وصار يُعرف بين سكان أهل البلدة بمصطلح (المطرني)، وظل يُعرف به هو وأبناؤه، وبعد الاستقلال عمل جابيّا في شركة النقل البري ثم عاد إلى إسلامه بعد أن زال تأثير الكنيسة.

وكثيرا ما كنت أسأل والدي عن فعاليات ونشاطات الحركة الوطنية بتبسة النشطة جدا خلال فترة شبابه 1942-1948م ودخول القوات الأمريكية إلى تبسة وكيف استخدمهم الأمريكان لتفريغ حمولة الشاحنات العسكرية مقابل الألبسة والحلوى وبعض قطع النقود، راسما لي صورة أشبه بالصورة التي رسمها مالك بن بنبي في كتابيه (مذكرات شاهد القرن الطفل والطالب) وكتابه (العفن)، ولعلّني لم أستطع فهم مذكرات مالك بن نبي إلاّ بشروحات والدي، ولاسيما إرشاده لي لبعض الأماكن وتسمياتها، فعن أول مقهى بتبسة أحضر جهاز السماع مقهى باهي قال لي إنها تقع في “بلاصة الديوانة” بالقرب من مقهى بغداد حيث مقرّ قسمة حزب الشعب الجزائري، وكذلك تعريفي بأئمة ومشايخ تبسة الرسميين، والهبّة الشعبية لبناء جامع المدرسة تهذيب البنين والبنات سنة 1936م وكيف شارك هو وجيله في نقل الحجارة والردم والعمل مجانا مقابل خبزة واحدة في اليوم.

وفي هذا الصدد وعن هذا الوضع البائس يقول المجاهد والمناضل (عيسى كشيدة) رحمه الله في كتابه (مهندسو الثورة) عن هؤلاء الفقراء المدقعين حيث كان يسكن ويعيش: ((.. في باتنة نسبة عالية جدا من الجزائريين كانوا خلال النصف الأول من الأربعينيات من دون شغل ومن دون مصادر رزق. أمام دار البلدية، كل يوم تشاهد طوابير غير منتهية من الناس الذين يسجِّلون أنفسهم لدى مكتب المحتاجين على أمل الحصول على بعض الفتات. كان مشهدا مثيرا للشَّجن. هناك أرباب عائلات، ممن مُسَّت كرامتُهم، يخجلون من رفع رؤوسهم، وتراهم يدفنون القليل من الحياء الذي بقي لهم. فهؤلاء الرجال الذين يحرصون عادة على ستر فقرهم، لم يبق لهم سوى أن يتخطُّوا حدود كرامتهم والخوف من كلام الناس، على أمل أن يحصلوا من المكتب الخيري على ما يسدُّ رمق أولادهم (الصدقة).. لم تتحسن أوضاع الباتنيين بانتهاء الحرب العالمية الثانية، بل تتابعت المآسي، فوباء “التيفوس” وحده قتل المئات من المواطنين من كل الأعمار، فالناس لا يتوفرون على أدوية ولا حتى على مواد تنظيف صحية. هذه الفواجع المتلاحقة جعلت الكثير من الجزائريين يفكِّرون ويشيرون بأصابع الاتهام إلى النظام..)).

وقد قام حمى العمري بالكثير من المشروعات الخيرية والإصلاحية ولاسيما تأسيسه لمدرسة الهداية التي تبرَّع لها بجزء من عقار كان يملكه.

وقد حُكم عليه في محكمة تبسة بعقوبة الإبعاد والنفي من مدينة تبسة، ولكن النائب البلدي والبرلماني (فرديناند استيفال) توسط لدى الإدارة الاستعمارية فجنَّبته عقوبة النفي.

تعرّض حمّى العمري للسجن والاعتقال إبان الثورة التحريرية كسائر مناضلي حزب حركة انتصار الحريات الديمقراطية وغيره من الأحزاب الجزائرية، كما كان يتصف بصفات مناضلي حزب الشعب الجزائري من وعي سياسي وقدرة على الإقناع والتعبير باللغتين العربية والفرنسية. كما كان يتميز بخُلق الصمت والكتمان والانضباط والانخراط في العمل الخيري والاجتماعي، وبذلك حاز على كثير من التأييد والأصوات في معارك الحزب الانتخابية.

وكان له الفضل في تأسيس مدرسة (الهداية) التابعة لحزب الشعب الجزائري (حركة انتصار الحريات الديمقراطية) ابتداء من العام الدراسي 1951- 1952م، وقد تأسست المدرسة في السنة ذاتها بعد تأسيس جمعية الهداية المكونة من السادة (خمام العربي، بوشيحة محمد، ميهوبي عيسى، حمى العمري). هذا الأخير الذي منح منزله لتأسيس المدرسة وتقع بالجهة الشمالية من مدينة تبسة في الشارع العامّ المؤدي للكنيسة الرومانية، ودرّس فيها الشيخ حسين رفقة الشيخ المعلم محمود أرسلان (ت 1979م)  والطيب ناجح وبدري عبد الحفيظ (ت 1976م) الذي كان مديرها إلى أن اعتقل سنة 1956م وأدخل السجن وأُغلقت المدرسة. وهي السنة التي التحق فيها الشيخ حسين بالثورة التحريرية شهر جوان 1956م، والتي ظلت تتابع نشاطها التعليمي إلى الاستقلال.

وقد تعرّض حمّى العمري للسجن والاعتقال إبان الثورة التحريرية كسائر مناضلي حزب حركة انتصار الحريات الديمقراطية وغيره من الأحزاب الجزائرية، كما كان يتصف بصفات مناضلي حزب الشعب الجزائري من وعي سياسي وقدرة على الإقناع والتعبير باللغتين العربية والفرنسية. كما كان يتميز بخُلق الصمت والكتمان والانضباط والانخراط في العمل الخيري والاجتماعي، وبذلك حاز على كثير من التأييد والأصوات في معارك الحزب الانتخابية..

أشارت التقارير الفرنسية السرية التي أعدتها دائرة تبسة بعد انتخابات 19 أكتوبر 1947م إلى أنه تمّ انتخاب رئيس بلدية مسلم ينتمي إلى حزب راديكالي معارض ومتشدد، وهو رئيس البلدية العربي الجزائري الوحيد في تلك الانتخابات، مشيرة إلى أنه تلقى تعليمه في المدرستين العربية الإسلامية والفرنسية الأهلية معا، وهو مناضل له امتدادات شعبية نظرا لما يقدمه من خدمات ومساعدات في المجال الاجتماعي.

وقد أشارت التقارير الفرنسية السرية التي أعدتها دائرة تبسة بعد انتخابات 19 أكتوبر 1947م إلى أنه تمّ انتخاب رئيس بلدية مسلم ينتمي إلى حزب راديكالي معارض ومتشدد، وهو رئيس البلدية العربي الجزائري الوحيد في تلك الانتخابات، مشيرة إلى أنه تلقى تعليمه في المدرستين العربية الإسلامية والفرنسية الأهلية معا. وهو مناضل له امتدادات شعبية نظرا لما يقدمه من خدمات ومساعدات في المجال الاجتماعي.

وبعد الاستقلال غادر مدينة تبسة باتجاه الجزائر العاصمة وأقام فيها.. وترك ابنا سماه مصالي تيمُّنا باسم الزعيم مصالي الحاج وبنتا اسمها يسمينة تأسيا باسم زوجة الزعيم مصالي الحاج، وتوفي سنة 1969م بالجزائر العاصمة، ودُفن في صمت لبقائه وفيا لتوجهاته السياسية ومواقفه الثورية، بعد أن قضى عمره في النضال لتحيا الجزائر حرة مستقلة.

للموضوع مراجع

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!