الرأي

أيتام‮.. ‬في‮ ‬مأدبة‮ ‬اللئام‮!‬

محمد يعقوبي
  • 3541
  • 19

هل‮ ‬يستحق‮ ‬الشعب‮ ‬الجزائري‮ ‬كل‮ ‬هذه‮ ‬المذلة‮ ‬والمهانة‮ ‬التي‮ ‬يتعرض‮ ‬لها‮ ‬على‮ ‬أيدي‮ ‬النظام‮ ‬السياسي‮ ‬للبلاد؟هل‮ ‬يستحق‮ ‬العبث‮ ‬الذي‮ ‬يعامل‮ ‬به‮ ‬منذ‮ ‬سنوات‮ ‬سياسيا‮ ‬واقتصاديا‮ ‬واجتماعيا‮ ‬وثقافيا‮..‬هل‮ ‬صام‮ ‬الجزائريون‮ ‬ليفطروا‮ ‬على‮ ‬تعديل‮ ‬هزيل‮ ‬في‮ ‬بلد‮ ‬يعج‮ ‬بالكوادر‮ ‬والطاقات‮ ‬والكفاءات‮..‬

هل‮ ‬قدر‮ ‬الجزائريين‮ ‬أن‮ ‬يدفعوا‮ ‬من‮ ‬جيوبهم‮ ‬وراحتهم‮ ‬ومستقبل‮ ‬أبنائهم‮ ‬ثمن‮ ‬توافقات‮ ‬سياسية‮ ‬لا‮ ‬تنتهي‮ ‬ولا‮ ‬تعود‮ ‬بالفائدة‮ ‬عليهم‮..‬

هل‮ ‬قدرهم‮ ‬أنهم‮ ‬يعطون‮ ‬الفرص‮ ‬تلو‮ ‬الفرص‮ ‬للنظام،‮ ‬ثم‮ ‬يقابلون‮ ‬بالنكران‮ ‬والخيبة‮..‬

هل‮ ‬عقمت‮ ‬حرائر‮ ‬الجزائر‮ ‬أن‮ ‬يلدن‮ ‬أفضل‮ ‬من‮ ‬أويحيى‮ ‬وبلخادم‮ ‬وسلال‮..‬

يستحق الشعب الجزائري أفضل من هذا العطاء الزهيد، يستحق رئيسا للوزراء أفضل من الذين يتداولون عليه، ويستحق وزراء أفضل بكثير من كل أولئك الذين يفرضون عليه فرضا، ثم لا يرى منهم سوى الذل والمهانة.

العبث الذي يحدث في البلاد منذ سنوات يدفعنا جميعا للخوف على مستقبل البلاد، وما يمكن أن يحدث إذا استمرت سياسة النعامة، في التعاطي مع الأزمة ومع مشاكل الجزائريين، إلى الدرجة التي تموت فيها البلاد لأشهر عديدة، ثم تستيقظ على صيحة فلوس، خاصة والبلاد تمر بأصعب ظرف على الإطلاق، كيف لا والنظام السياسي يرفض التغيير حتى ولو شكليا تجاوبا مع المرحلة، في الوقت التي فُرض فيه التغيير على بعض دول الجوار بقوة الاحتجاج والتظاهر، بينما يريد الجزائريون أن يعبروا إلى بر الأمان دون دماء ولا أحقاد ولا تصفية حسابات التي دفعوا ثمنها سنوات التسعينات، وهي الرسائل التي من الواضح أن النظام لم يفهمها أو فهمها ويعامل الجزائريين بطريقة “دزوا معاهم”، أو ثمة رغبة لدى أطراف ما لإرجاع البلد إلى مربع الفوضى والإرهاب، وقد ودعناه منذ سنوات..

لم يفهم الجزائريون إلى اليوم لماذا انتظر الرئيس كل هذه الأشهر ليعلن تعديله الحكومي الهزيل، وهو الذي خاطب الجزائريين عشية الانتخابات واعدا بالتغيير والتشبيب حتى أنه قال “طاب جنانا”، وفهم الناس أنهم على أبواب عهد جديد فيه القطيعة مع سياسات الفشل ورجالات الإحباط‮ ‬والبريكولاج‮ ‬والتخلاط‮..‬

ربما الرئيس لم تعجبه نتائج الانتخابات وكان واجبا عليه أن يعزي الجزائريين في ذلك المصاب الجلل بممارسة صلاحياته في تشكيل حكومة شابة تخفف من وطأة الخيبة والإحباط وتجسد جزءا من وعوده التي واضح أنها لم تكن سوى لرفع نسبة المشاركة في الانتخابات، ثم لا تهم بعدها التبعات، لكن سكوت الرئيس لأشهر وغياب الحكومة عن رعاية مصالح الناس طيلة تلك الأشهر، أوحى للجزائريين أنهم مثل الأيتام في مأدبة اللئام، لا أحد يعاملهم باحترام، ولا أحد يعدهم فيلتزم، ولا أحد يفكر في مشاكلهم، ولا أحد يفكر في مستقبل أجيالهم..

كيف‮ ‬لا،‮ ‬ونفس‮ ‬الوجوه‮ ‬الكالحة‮ ‬تفرض‮ ‬نفسها‮ ‬في‮ ‬قطاعات‮ ‬حساسة،‮ ‬في‮ ‬بلد‮ ‬هاجر‮ ‬منه‮ ‬حتى‮ ‬الأطفال‮..‬

ماذا يعني أن لا يرى الجزائريون ممن يصلحون لرئاسة الحكومة طيلة 20 سنة سوى ثلاثة أضلاع مثلث مغلق، كل ضلع منه أعوج من الآخر، أحمد أويحيى، عبد العزيز بلخادم وعبد المالك سلال. هم من قادوا مرحلة مكافحة الإرهاب، وهم من يقودون مرحلة الإصلاحات، وهم من كانوا في الحزب‮ ‬الواحد‮ ‬وهم‮ ‬من‮ ‬يقودون‮ ‬التعددية‮.. ‬كل‮ ‬هذا‮ ‬والجزائريون‮ ‬في‮ ‬حالة‮ ‬صبر‮ ‬واحتساب‮ ‬وتضحية،‮ ‬ليس‮ ‬لها‮ ‬مبرر‮ ‬سوى‮ ‬الخوف‮ ‬على‮ ‬مستقبل‮ ‬البلاد‮.‬

وفي‮ ‬الحقيقة‮ ‬أثبت‮ ‬الشعب‮ ‬أنه‮ ‬أعقل‮ ‬وأحكم‮ ‬من‮ ‬النظام‮ ‬وأكثر‮ ‬حرصا‮ ‬على‮ ‬استقرار‮ ‬الوضع‮ ‬وتجفيف‮ ‬منابع‮ ‬العنف‮ ‬التي‮ ‬يغذيها‮ ‬النظام‮ ‬نفسه‮ ‬ربما‮ ‬من‮ ‬حيث‮ ‬لا‮ ‬يدري‮ ‬وربما‮ ‬من‮ ‬حيث‮ ‬لا‮ ‬يعلم‮ ‬أنه‮ ‬لا‮ ‬يدري‮..‬

صحيح، ليس من العدل أن نحكم على تشكيلة سلال قبل أن نراها ونرى عملها، لكن الكتاب يعرف من عنوانه، والرجل بالرغم من نزاهته واحترامه، لا يشبع طموح وحاجة الجزائريين ولا يشكل بالنسبة إليهم سوى حلقة ترقيع تعودوا عليها وسئموها منها ولا يمكن أن تأتيهم بالجديد طالما قواعد‮ ‬اللعبة‮ ‬تقوم‮ ‬على‮ ‬التوازنات‮ ‬والتوافقات‮ ‬الضيقة،‮ ‬بعيدا‮ ‬عن‮ ‬انشغالات‮ ‬الناس‮ ‬التي‮ ‬يجدون‮ ‬بعض‮ ‬حلولها‮ ‬في‮ ‬المظاهرات‮ ‬والانتحارات‮ ‬وقوارب‮ ‬الموت‮..‬

يكفي أن تعلم أن الوزير الأول في بلادنا ليس سوى ساعي بريد، والوزير آخر من يعلم بإقالته أو تعيينه، وبعضهم يفاجأون بأسمائهم في نشرة الثامنة كما المواطنين، لتتأكد أن ثمة عبثا ما بنا جميعا واستهتارا بمشاعرنا كجزائريين لمجرد أن الشعب رفض أن يستدرج إلى الشارع.. ولكن‮ ‬إلى‮ ‬متى‮..‬؟

مقالات ذات صلة