أيها الجزائريون: كفانا إضاعة للوقت
التقيت بمدينة دبي قبل يوم واحد بنموذجين اثنين للاستثمار في المقاولات الصغيرة، الأول رجل يشرف على 33 مقاولة منها ما يشغل 500 بين عامل وموظف ولكن منها ما لا يشغل أكثر من 6 عمال.
-
والثانية سيدة تدير 5 شركات منها ما ينشط في التجارة الخارجية ولكن أبرزها شركة انتاجية في الصناعات الغذائية. وبين النموذجين مساحات مشتركة كثيرة ونقاط اختلاف أيضا ولكن أهم محور للقاء هو النجاح المبني على مستوى أداء الادارة المنظمة للاقتصاد في دبي من جهة وعلى ثقافة المقاولة لدى حاملي المشاريع أبناء البلد وكلهم يعمل قبل أن يطلب ويفكر قبل أن يعمل من جهة ثانية.
-
فما الذي جعل الادارة الاقتصادية في دبي تحقق حكمة الاستثمار؟ وما الذي جعل من السيد المقاول والسيدة رئيسة الأعمال نموذجا للمستثمر الناجح؟ وما الدروس المستفادة في سياق تحسين مناخ الاستثمار لصالح الشباب في الجزائر أي الشباب الباحث عن فرص مبتكرة لتحقيق الشغل والعيش الكريم؟
-
الإدارة الاقتصادية المدركة
-
في دبي يمكنك تخليص جميع اجراءات إطلاق مشروع جديد في غضون أسبوع، ويمكن أن يزيد الأمر في باقي إمارات الدولة إلى 10 أيام في كل من الشارقة وأبوظبي، وتقع جميع مصالح منح اعتماد مزاولة النشاط في مكان واحد بما في ذلك مصالح “الموافقة” على النشاط إذا تعلق الأمر بنشاطات خاصة مثل تلك التي تتميز بطبيعة صحية أو بيئية. وتقدم “غرفة الصناعة والتجارة” لكل إمارة جميع المعلومات التي يحتاجها حامل المشروع وهي منشورة في موقع الغرفة على النت أيضا. ويحظى الأجانب بنفس ميزات الاستثمار عدا البند المتعلق بوكيل الخدمات وهو بند لا يشكل أي عائق أمام المستثمر الأجنبي لأنه لا يحمل أي مدلول مالي أو إداري مادامت القوانين المنظمة للاستثمار في الدولة تكفل نقل جميع صلاحيات الوكيل الى المستثمر. وتوفر الامارات لحملة المشاريع فرصة النشاط ضمن “المناطق الحرة” وبها تسهيلات لا تخطر على بال أقلها إعفاء المستثمر من جل أعباء الترخيص وسهولة مزاولة النشاط ضمن التجارة الخارجية. وتمتلك إمارة دبي رؤية واضحة ومحددة للاستثمار تضعها بين يدي حاملي المشاريع بل تدير الحكومة مشاريع ضخمة في قطاعات السياحة والتجارة والأعمال والعقار والانشاءات بكفاءة عالية تجعل منها نموذجا للشباب المقاول يحتذى بها. وتملك الادارة الاقتصادية هي الأخرى روح التجاوب الكامل مع الحكومة بحيث لا ترى مساحة للفساد أو البيروقراطية أو التمييز، ومن بين أرقى المشاريع السياحية الجديدة في دبي والتي أفرزت قطاعا واسعا للخدمات وجلب العملة الصعبة وترقية الجذب السياحي مشروع “أطلنطيس” الذي يتوسط مدينة دبي على صغر مساحتها داخل جزيرة النخلة الاصطناعية وهو تحفة في المعمار والتجارة والجمال لا مثيل له في العالم.
-
وتتفرد الادارة الاقتصادية في دبي بتثمين الوقت أمام المستثمر وتطبيق المعالجة الالكترونية بما يقلل من كلفة المشروع، ولا تفرض الحكومة على المشاريع أية ضرائب وتسهر على شفافية السوق وتطبيق الحرية الايجابية عند مزاولة النشاط ضمن قوانين الحكومة وهي حقا قوانين ميسرة للاستثمار وخادمة للرؤية العامة للدولة.
-
همة المقاول: سيدة أعمال مثالا
-
قابلت عددا من رجال الأعمال الاماراتيين ومن السيدات أيضا، ولفت نظري أن مسؤولا سابقا في الدولة يدير مجموعة شركات ويقدم النصح للشباب بصورة مدهشة ويصنع الثروة عن طريق الآليات التي توفرها الحكومة للجميع دون أن يحظى بأية ميزة تفضيلية على العكس مما يحصل في بلادنا عندما يتعلق الأمر بشخصيات نافذة أو ذات صلة بالادارة أو الحكم. وإلى جانب هذا الرجل سيدة تخرجت من قسم علم النفس ولكنها تدير بروح المقاولة 5 شركات ولديها استثمارات في دول أخرى وتملك مصنعا كاملا للصناعات الغذائية في إمارة أبوظبي وتدير مركزا للأعمال في دبي وتتطلع للسوق الجزائرية، وصاحبتنا سيدة في بداية العمر ولكن رقم أعمالها لا يحسب بالسنوات وقد فتحت أمامها الادارة الاقتصادية في الامارات كل باب مثلما فعلت مع باقي المستثمرين من حملة المشاريع، التقيت تلك السيدة في دورة تدريبية بإمارة الشارقة وقالت لي: أشارك في الدورة كي أتعلم وأطور معارفي. هذه السيدة تنوب عن رئيسة “جمعية سيدات الأعمال” في الامارات وعضومسؤول في “منتدى سيدات الأعمال” العالمي، ولها موقع خاص بأعمالها على النت، وهي فوق ذلك كاتبة وشاعرة وتدير “الصالون الأدبي” في دبي. وقد يسأل سائل: وكيف لها بهذا؟ والجواب أكيد: الادارة بالأهداف وتطبيق النماذج الحديثة في إدارة المقاولات وباختصار إنها ثقافة المقاولة. والعجيب في كل هذا أن السيدة اعتمدت في مشاريعها على التمويل الذاتي وليس على الاقراض البنكي أو مساعدات الحكومة بل فقط على فكرة تنمية المشاريع الصغرى والتصرف في أملاكها الأصلية واستثمار العوائد، أي باعتمادها على فكرة “الاقتصاد”.
-
كفى ضياعا للوقت
-
وعندما تتحالف رؤية الحكومة في تسريع الدورة الاقتصادية مع ثقافة المقاولة لدى حاملي المشاريع وعنصر العمل والتكوين والذكاء والكفاءة، تتحقق مشاريع مدهشة على الأرض وهذا بالضبط ما ينقص الحالة الجزائرية التي تتمتع بامكانيات تفوق بآلاف المرات ما تتمتع به امارات دولة الامارات ولو أن دبي لم تصل بعد إلى مستوى النموذج الاقتصادي القوي على سلم الانتاج والصناعة والتصدير ولكنها على سلم حفز المقاولة الخاصة وتحرير المبادرات تصلح لأن تكون نموذجا.
-
المطلوب جزائريا: إصلاح الادارة الاقتصادية، محاربة فعلية للفساد الذي أخرنا بين الأمم، تطهير الممارسات التجارية، ضخ روح جديدة في أداء الحكومة، توعية الشباب بمفاتيح النجاح في الاستثمار، تحسين نظام التعليم في اتجاه تنمية روح النجاح، وفي الأخير توجيه وسائل الاعلام الثقيل كي تبرز لنا نماذج المقاولات الناجحة جزائريا وعربيا وأجنبيا بدل الإغراق في مواد ترفيهية لا تسمن ولا تغني من جوع.
-
لقد أضاعت الجزائر فرصا ووقتا ثمينا على سلم الأداء الاقتصادي، وهي لم تجن من ذلك الا تأخرا مستمرا على سلم التنمية وربما حان الوقت ليعلم الجميع بأن لا وقت متبق أمامنا كي يضيع مرة أخرى لأن العالم من حولنا يتغير بخطوات متسارعة وهو عالم لا يرحم عندما يتعلق الأمر بالمنافسة واقتناص الفرص وتسلق الريادة.