الرأي

أيها الجزائريون لا تتنازلوا

صالح عوض
  • 1399
  • 3
ح.م

عندما ينتخب التاريخ شعبا ما أو قائدا ما لدور متميِّز، تقتضي الأمانة أن يكون الحرص كله على أداء الدور بإخلاص وتفان ويقظة.. ذلك هو شأن الجزائر وما اختاره لها التاريخ والجغرافيا.. فكل شيء هنا له سماتٌ خاصة، ويكفي أن ننظر إلى قرنين من الزمان انصرما.. حيث القصة الدامية في صراع الأقدار على أرض الجزائر.

كل الحركات الصوفية التي انبعثت من المشرق كانت لتزكية الروح وتهذيب النفس وضبط السلوك إلا في الجزائر فكانت فوق ذلك عبارة عن حركات مقاومة استمر عطاؤها عقودا طويلة وكان لها شرف الجهاد والتصدي للاستعمار، ثم جاء دور الحركات السلفية التنويرية في الوطن العربي انطلاقا من مصر بقيادة محمد عبده ورشيد رضا وفي تونس الثعالبي والطاهر بن عاشور…  فكانت حركات نخبة لمجموعات من الشباب والرجال، لكنها في الجزائر كانت حركة أمة انتشرت وعيا ونورا بين الشعب بقيادة بن باديس وكانت نارا على المحتلين.. وجاءت موجة حركات التحرر في الوطن العربي في مصر وسورية والعراق وسواها فكانت عبارة عن انقلابات عسكرية فوقية لم تخالط عميق تكوين الشعب ولم تنقله إلى حيث ينبغي.. أما في الجزائر فكانت حركة ثورية شعبية صاغت الشعب صياغة جديدة انصهرت فيها كل الزوائد وبرز فيها المعدن العميق والأصيل في الشعب الذي حقق معجزته في القرن العشرين.

اليوم أيها الجزائريون تقفون مع واحدة من تلك المشاهد العظيمة وأنتم تقدمون درسا رائعا في سلمية حراككم المبارك وقد أوصلتم للعالم كيفية أن يظل الحراك سلميا رغم جسامة المطالب، واستطعتم أن تُبرزوا قيمة النظافة في السلوك بمطاردتكم لكل من تجاسر على حقوق الأمة، ورفعتم من شعاراتكم إلى المستوى الذي نقل المجتمع كله إلى منظومة قيم ومفاهيم في السياسة لم تكن لسواكم.

أنتم اليوم أساتذة الحراك العربي ولم تنخدعوا بالأجنبي ولم تتنازلوا عن شخصيتكم.. فلقد كان الربيع العربي -وهو محق في منطلقاته الشعبية- عرضة للاختراق من قبل الأعداء فسقط أرضا وأورثنا مآس.. أما انتم فقطعتم يد الأجنبي عن التدخُّل في شؤونكم.. فأصبحتم عنوان مدرسة الحراك الواعي الراشد لتأتي بعدكم حراكاتٌ عربية في أكثر من مكان وتغييراتٌ عميقة في المكوِّنات السياسية في تونس وفي العراق وفي لبنان وهكذا..

الآن انتم تتجهون إلى الانتخابات بلجنة انتخابات مستقلة، ولا فضل لأحد عليكم، لأنكم دفعتم ثمن ذلك عزيزا، وستسيرون إلى انتخاباتكم ويعلم من سيتبوأ الموقع الأول أنه تحت رقابتكم، لأن الأمر لكم أنتم، ويعلم أنكم لستم كغيركم؛ فلقد ملأتكم التحديات أنفة ورجولة ونباهة.

أيها الجزائريون: هذا قدركم أن تكونوا الرواد في العطاء الإيجابي، فلا تتنازلوا.. ذلك فضل الله وبركة دماء الشهداء.. والله غالبٌ على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

مقالات ذات صلة